فتحت زيارة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلى إيطاليا شهية شركاء القارة العجوز الذين أبدوا اهتمامهم الكبير بالنّهج الاقتصادي الجديد الذي تبنّته الجزائر، والمرتكز على الطابع السيادي في دعم التنمية الوطنية وتنويع الشراكات بعيدا عن أي وصاية. لم تمر زيارة الرئيس تبون، إلى روما دون أن تلفت انتباه العديد من الشركاء على غرار ألمانيا، حيث سارع رئيسها لإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس تبون، من أجل الاتفاق على تبادل الزيارات لبحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية. فقد كانت زيارة روما ناجحة كونها جسّدت الرؤية الاستراتيجية للجزائر في دعم الخطاب البراغماتي في ملفات هامة مثل الطاقة، حيث تعتبر إيطالياالجزائر شريكا أساسيا لضمان الأمن الطاقوي في أوروبا، فضلا عن الاستثمار والزراعة واتفاقات في مجال مكافحة الإرهاب والدفاع. وإذ تبرز هذه الزيارة سعي الجزائر لإحداث التوازن خاصة مع دول جنوب أوروبا، غير آبهة بالمهاترات الفرنسية التي يقودها اليمين المتطرّف، حيث يحرص على محاولة التشويش على مساعي الجزائر من أجل إبرام شراكات جديدة وفق مبدأ رابح رابح مع عديد الدول الأوروبية، والواضح من الخرجات الفرنسية التي يقودها وزير الداخلية روتايو، أنها لم تستطع هضم التوجه الدبلوماسي الجديد للجزائر التي جعلت من روما بوابتها الاستراتيجية نحو أوروبا، وليس فقط كممر للطاقة بل كشريك اقتصادي وسياسي في ملفات إقليمية حسّاسة بدءا من الساحل والصحراء وصولا إلى الهجرة والأمن المتوسطي. والمؤكد أن الفرنسيين الذين اعتبروا هذا التوجه الجديد للجزائر بمثابة خسارة لهم، قد حملوا المسؤولية الكاملة على اليمين المتطرّف الذي لم يكن ذكيا بالقدر الكافي في إنقاذ مصالح باريس، بل أصر على الإضرار بها وفق رؤية استعمارية محضة لم يعد لها مكان في العلاقات الدولية الراهنة. والأمر ذاته ينطبق على مدريد حيث لم تفوت الصحف الإسبانية المناسبة على غرار صحيفة "أوكايدو" التي أشارت إلى أن إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني، نجحت في ترسيخ علاقاتها الاستراتيجية مع الجزائر. بل تأسّفت لفقدان مدريد مواقعها في الجزائر، نتيجة دعم حكومة بيدرو سانشيز، لما يسمى بخطة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية سنة 2022، ما جعل العلاقات بين البلدين تشهد نوعا من الفتور، مضيفة أن إيطاليا وعلى خلاف إسبانيا نجحت في ملء الفراغ الذي خلّفته السياسة الخارجية الإسبانية، وأصبحت اليوم بوابة الجزائر نحو أوروبا. وتندرج هذه الديناميكية الجديدة للدبلوماسية الجزائرية، في سياق التكيّف مع التحوّلات الدولية المبنية على تبادل المصالح، حيث نشهد في الفترة الأخيرة حركية نوعية سواء من خلال الزيارات التي قام بها رؤساء الدول على غرار زيارة الرئيس اللبناني إلى الجزائر يوم أمس، أو تلك التي قادتها وفود على أعلى مستوى مثل زيارة كبير المستشارين الأمريكيين للرئيس دونالد ترامب إلى بلادنا.