في لقاء بثه التلفزيون الجزائري، أثار الروائي والمجاهد الكبير رشيد بوجدرة جدلا جديدا، بإعلانه موقفا صريحا من بعض الأصوات التي قال إنها تعمل على "تشويه تاريخ الجزائر" وتمجيد الاستعمار، واصفا إياهم ب«الظاهرة الظرفية الآيلة للزوال". تصريحات بوجدرة جاءت بالتزامن مع صدور النسخة المنقحة من كتابه الجريء "زناة التاريخ" (Les contrebandiers de l'histoire) عن دار "الحكمة"، وهي نسخة أكد أنها جاءت كرد ثقافي على محاولات تزوير الذاكرة الوطنية. بوجدرة لم يتردد في تسمية من يعتبرهم "انتهازيين وإيديولوجيين" من الكتاب الذين يبررون الاستعمار الفرنسي، وينكرون مكاسب الثورة الجزائرية، معتبرا أن هؤلاء يعانون من "الاستيلاب والانفصام عن الروح الجزائرية"، متهما إياهم بالسعي وراء المال والشهرة ورضا المستعمر القديم. وشن بوجدرة (84 عاما) هجوما مباشرا على كل من كمال داوود وبوعلام صنصال، إذ اعتبر الأول "كاتبا عاديا" يهاجم الثورة ويكيل الاتهامات للمجتمع الجزائري، بينما وصف الثاني ب«المهرج والمريض نفسيا"، الذي يروج لأطروحات خطيرة بدعم من دوائر اليمين الفرنسي. في نفس السياق، دعا بوجدرة المثقفين الجزائريين إلى الرد الثقافي الصارم، عبر ما سماه "حرب القلم" و«الهجوم الثقافي"، مؤكدا ضرورة حماية الذاكرة الجماعية والتصدي لكل محاولات المساس بها، عبر مراجعة طرق تدريس التاريخ في المدارس والجامعات. هذا الموقف الثقافي والسياسي لبوجدرة، يعكس ثباته على المبادئ التي لطالما ميزت مسيرته الأدبية والنضالية، حيث ظل الكاتب وفياً لقيم الثورة، رافضا لكل أشكال التطبيع مع ثقافة المحتل. وقد عبر في أكثر من مناسبة، عن دعمه المطلق للقضية الفلسطينية، معتبرا إياها "قضية وطنية بامتياز"، واستنكر بشدة كل أشكال الصمت أو الحياد تجاه معاناة الشعب الفلسطيني. وفي لفتة تكريمية مستحقة، منح رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وسام تقدير للكاتب رشيد بوجدرة، اعترافا بإسهاماته الكبرى في الحقل الأدبي والفكري، وبما قدمه من خدمات جليلة للثقافة الوطنية على مدى عقود. وقد لقي هذا التكريم ترحيبا واسعا في الأوساط الأدبية والإعلامية، التي رأت فيه خطوة رمزية ذات دلالة، تؤكد على أهمية رد الاعتبار لرجالات الفكر والمقاومة الثقافية. تكريم الدولة لبوجدرة لم يمر مرور الكرام، بل رافقته موجة إشادة وتهنئة، من شخصيات ثقافية وأكاديمية، على رأسهم الدكتور محمد الشريف مريبعي، رئيس المجمع الجزائري للغة العربية، الذي قال "إننا إذ نحتفي بهذا التكريم الرفيع، لا يسعنا إلا أن نتوجه بخالص الشكر وعميق التقدير إلى السيد رئيس الجمهورية، على هذه الالتفاتة الكريمة، التي تعكس مدى اهتمام الدولة برجالات الفكر والثقافة، وتؤكد حرصها على صون الذاكرة الوطنية، وتكريم من خدموها بقلمهم وضميرهم". من جهته، وصف الروائي عبد العزيز غرمول المناسبة، ب«الالتفاتة الكريمة" التي تعكس حرص الدولة على "صون الذاكرة الوطنية وتكريم من خدموها بقلمهم وضميرهم". كما قال إن عطاء بوجدرة ظل "مصدر إلهام" في زمن تعاني فيه القيم من التهميش والسطحية. الروائي الصديق حاج أحمد الزيواني بدوره، استعاد أول لقاء جمعه ببوجدرة، في ملتقى أدبي بوهران، مشيرا إلى بساطة هذا الكاتب الكبير وتواضعه، رغم شهرته وتراكم إنجازاته الأدبية. وأشاد الزيواني بمواقف بوجدرة، الذي "رفض الانخراط في دوائر الإعلام الفرنسي، التي تسعى لصناعة نموذج غربي"، وفضل البقاء في خندق الدفاع عن القيم الوطنية، بل وكتب بالفرنسية فقط ليؤكد "أنه جزائري"، ثم ترجم معظم أعماله بنفسه إلى العربية، تأكيدا لخياره الهوياتي والثقافي، وهو أمر، كما قال "ليس سهلاً ولا هينا". ما يُحسب لبوجدرة أيضا، وفق شهادة الزيواني، هو "مراجعته لبعض أفكاره الإيديولوجية السابقة"، وتجدد مواقفه بما يتماشى مع قضايا العصر، لاسيما دعمه المتجدد لقضية فلسطين، التي أعلن عنها صراحة في لقاءات عديدة، وآخرها موقفه من "محنة غزة"، حيث يستعد لإصدار عمل جديد، يسجل فيه هذه المرحلة المفصلية من النضال الفلسطيني، الذي يعتبره بوجدرة جزءاً لا يتجزأ من النضال التحرري الجزائري. رشيد بوجدرة، الذي أثرى المكتبة الجزائرية بأكثر من عشرين رواية، تُرجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة، ظل في كل كتاباته وفي كل مواقفه "جزائريا مشبعا بقيم الثورة"، كتب بلا مواربة، ولا مساومة، دافع عن الحرية والهوية، وعن فلسطين كقضية مركزية للأمة، فاستحق التكريم والتقدير.