عرف سعر البترول ارتفاعا ليبلغ أسعارا قياسية بسبب الأحداث التي تشهدها ليبيا، فقد قفز سعر البترول إلى أكثر من 105 دولار للبرميل· في الوقت الذي يؤكد فيه الخبراء أن هذا الارتفاع ستكون له تبعات على الاقتصاد الليبي في الداخل وفي الخارج، إلى جانب بعض التأثيرات على اقتصادات عدد من الدول المجاورة· ولمعرفة الأبعاد الاقتصادية للأحداث في ليبيا، لا بد من التذكير أن ليبيا تعد من أهم المصدرين للبترول عبر العالم باعتباره رابع أهم احتياطي في القارة الإفريقية، أكثر من ذلك تكاد هذه الثروة تكون المصدر الوحيد للدخل الليبي، على اعتبار أن التقديرات تشير إلى أن 95 بالمائة من الصادرات تقتصر على الغاز والبترول، وذلك حتى بعد رفع الحظر الدولي الذي كان السبب في تراجع نمو الاقتصاد الليبي على مدار السنوات العشر من 1993 إلى ,2003 غير أن النقلة التي تمكن نظام القذافي من إحداثها بعد رفع الحظر الدولي تمثلت في إنشاء ما يعرف بالصندوق السيادي الذي يتحكم في ميزانية يقدرها الخبراء بحوالي 80 مليار دولار موجهة إلى الاستثمار الليبي في الخارج، إذ على عكس الدول العربية التي تسعى إلى استقطاب الرأسمال الأجنبي، فإن النظام الليبي سعى إلى إيجاد فرص توظيف أمواله في استثمارات في الخارج، وهو ما كان له من خلال شراء حصص وأسهم في عدد من الشركات الهامة عبر العالم، سويسرا، إيطاليا وغيرها من الدول، مع ضرورة الإشارة إلى أن مجالات الاستثمارات كانت متنوعة بداية من الأندية الرياضية، الإعلام، المصارف والعقار وغيرها· هذه الاستثمارات الخارجية لم يكن لها تأثير مباشر على مستوى التنمية في الداخل، على اعتبار أن مستوى البنيات التحتية وإن شهد تقدما إلا أنه يظل بعيدا عن مستوى استقبال الاستثمارات الأجنبية، وبالتالي ظل مستوى المعيشة في ليبيا يراوح مكانه ويعيش جملة من التناقضات، لعل أهمها تأكيد البنك الدولي أن الدخل الفردي في ليبيا من أحسن المداخيل في المنطقة العربية والقارة الإفريقية، إذ يبلغ متوسط دخل المواطن الليبي السنوي حوالي 10 آلاف دولار· بهذا الخصوص يؤكد الخبراء أن الاقتصاد الليبي استهلاكي وغير منتج وأن الإدارة تظل أكبر قطاع يستوعب اليد العاملة الليبية، في حين أن العمالة الأجنبية التي تشكل نسبة مهمة في البلاد تتركز في الأعمال الحرة والتجارة· ولعل أكبر مشكلة اقتصادية خارجية ستعرفها في الفترة المقبلة الدول المجاورة لليبيا، وفي مقدمتها مصر وتونس، تلك المتعلقة بالعمالة الأجنبية· فالجدير بالذكر أن مصر لوحدها تصدّر إلى جارتها الشرقية أكثر من مليون عامل، من ذوي المؤهلات المتدنية وذات الحال ينطبق على تونس· وهو ما يجعل الخبراء يؤكدون على أن هاتين الدولتين من المنتظر أن تشهدا إشكالا إضافيا بفعل اضطرار عمالتها للعودة لكل من مصر وتونس وبالتالي التأثير على نسب البطالة في هذين الدولتين، سيما في ظل الأحداث التي عرفتها كل من الدولتين والتي من شأنها أن تزيد من الضغوط في ظل غياب الاستقرار· من جهة أخرى، يؤكد الخبراء أن الوضع الاقتصادي في ليبيا قابل لأن يعرف تدهورا أكبر في حال طالت الأحداث، في إشارة إلى أن ليبيا تعتمد بشكل شبه كلي على الاستيراد، سيما فيما يتعلق بالمواد الغذائية في ظل غياب زراعة قادرة على توفير ما يحتاج له الشعب· في مقابل هذا يخشى الخبراء من أن تتجه المؤسسات الدولية لفرض عقوبات على نظام القذافي·