الطريق إلى سيدي بلعباس محفوف بالحمام·· مدينة ربطت وجودها بهذا الطائر الصغير، منذ أيام الولي الصالح سيدي بومدين البوزيدي·· تقول الأسطورة إن الرجل التقي، فر من القبائل المتحاربة من أجله، فتحوّل في لمح البصر إلى طائر حملته جناحاه بعيدا عن معترك الفتنة· اليوم، وبعد خمود نيران الضغينة، ما تزال الأسطورة، تغذي ذاكرة بعض االبلعباسيينب، فيما فقد آخرون الطريق إلى ضريحه· منذ بدأت أقترب من سيدي بلعباس والحمام ينقر حاشية الطريق، حيث بقايا الحبوب المتسربة من حشايا أكياس الشاحنات الكبيرة. منظر جميل يشعرك بزهوة الحياة، ويدخلك في بحر أفكار لا متناهية. فكرت في مسألة الرزق، وكيف أن هذه الطيور تعيش في طريق سريع، تأكله عجلات السيارات المتهافتة أكلا. من قال إن هذه المخلوقات الضعيفة تشعر بالخوف، لم أر أنها تهاب الهبوط على مقربة من عربات ميكانيكية مجنونة بالسرعة، لكنها كانت تفعل ذلك في كل مرة. بعضها أخذ قسطه وشبع، فانشرح صدري لها وفرحت لتحقيقها الغاية من العيش. أما البعض الآخر، فتطايرت أجزاءه هنا وهناك، بعد أن اصطدمت في غفلة من أمرها بالشاحنات والسيارات.. في لمح البصر تشتت أطراف تلك الطيور وتناثرت على طول الطريق. في قلب سيدي بلعباس كانت السماء تشع بلونها الأزرق الصافي، وعلى أرصفة شوارعها العريضة، مشيت لوهلة، ومشت بجانبي حمامة صغيرة تسللت بين أقدامنا، لم تفزع وظلت ثابتة في خطواتها، تتمايل على مرأى المارة.. ربما كانت روح سيدي بلعباس تتجول في الأرجاء.. هكذا فكرت، ربما نزل ليرحب بزائرة تدخل للمرة الأولى لداره؟ لحظتها تذكرت قصة تحوّله إلى طائر صغير، إلى حمام بعد أن استحالت الحياة بين أهله. تدين هذه الولاية بتسميتها إلى الولي الصالح سيدي بلعباس البوزيدي، الذي كان من أشراف المنطقة المنحدرين من سلالة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بعد أن استقر جده في بلاد المغرب. يقال إن سكان المدينة عندما رضوا بتواجد بلعباس كولي صالح بينهم، حلّت عليهم السكينة والطمأنينة. إلا أن هذا الهدوء لم يدم طويلا -حسب الرواية الشعبية- عندما تنكر الشيطان، في صفة رجل صالح، وراح يزرع الفتنة بين الناس، يكذب عليهم، ويحرّضهم على طرد الولي الصالح سيدي بلعباس، ولما فعلوا، تعرّضت المدينة إلى سلسلة من الأمراض والوباء والمجاعة أصابت قبيلتي ''أمرناس'' و''أولاد إبراهيم''، قبل أن يتفطنا إلى خطئهما، ويقرران جلب الولي الصالح مجددا. عندما عثرت القبيلتان على سيدي بلعباس، تنافستا على استضافته، ما تسبب في فتنة كبيرة بين االأمرناسيينب و''أولاد إبراهيم''، وانتهى الأمر بينهما بحرب، انتهت لصالح أولاد إبراهيم، إلا أن سيدي بلعباس قرر أن لا يعيش في كنف هذه القبلية ولا تلك، وفي لحظة غير متوقعة، تروي الأسطورة أن الولي الصالح تحوّل إلى حمامة بيضاء، طارت إلى الجهة الأخرى من جبل مكرة، حيث قضى بقية حياته كإنسان طبيعي. ذهول كبير أصاب القبيلتين، حادثة عجيبة أفهمتهما أنه لا جدوى من الاقتتال، وأعلنا الهدنة. ما زال سيدي بلعباس راحة ودفعه لمواصلة طريقه نحو السلم والأمان إلى أن وافته المنية في ,1780 دفن في قبة في الضفة اليسرى لسلسلة مكرة، في المكان نفسه الذي طار إليه يوم تحوّل إلى حمام. سيدي بلعباس البوزيدي، مدفون تحت قبة تقع في شارع المرابطين سابقا الواقع جنوب غرب الحي الشعبي ''باريو ألتو''. من الغريب أن السكان لا يعرفون الموقع الحقيقي للقبة، وهم يخلطون بين البيت الصغير المبني داخل المقبرة وبين القبة الحقيقية المخصصة للرجل الحمام.