محمد عباس المدير السابق لصحيفة ''السلام'' الوطنية، هو من بين الإعلاميين والمهتمين بتاريخ الثورة القلائل الذين عايشوا محمد بوضياف عن قرب، حيث أجرى معه حوارات عديدة بالمغرب حتى قبل أن تربط به شخصيات جزائرية اتصالاتها به لتعرض عليه فكرة رئاسة البلاد، وكان أيضا من بين المقربين الذين عرفوه عن قرب وهو على رأس المجلس الأعلى للدولة بعد العودة·· وحظي أيضا بجزء من العبارات والأسرار التي أدلى بها المرحوم له تخص محيط الحكم والنظام·· هنا شهادة للرجل··· اليوم الذكرى السابعة عشر لاغتيال بوضياف، هل كانت نتائج التحقيق في مستوى التطلعات في اعتقادك؟ في الحقيقة، سؤال مثل هذا هو من صميم صلاحيات كمال رزاق بارة، مقرر لجنة التحقيق في اغتيال الرئيس (مستشار في الرئاسة حاليا)، وهو من يعرف حقيقة مستوى التحقيق، لكن هذه الهيئة على أية حال أصدرت تقريرا أوليا في شهر جويلية الذي أعقب الاغتيال وآخر مفصلا في اعتقادي كان بحلول شهر نوفمبر أو ديسمبر، وكان التقرير مبنيا على فرضيتين؛ الأولى تتعلق بميول امبارك بومعرافي الإسلامية، وأخرى بالمافيا السياسية والمالية، لكن هذا الأخير رأيناه كيف نفى الأمر، وصنف نفسه قائلا أنا وطني إسلامي من خلال تسجيل مصور، وتركت لجنة التحقيق المسألة محدودة الزمان لمواصلة التحقيق على أن يتم إغلاقه خلال الأشهر القليلة القادمة· هناك من يقول باستحالة إعادة التحقيق؟ بومعرافي الآن محكوم عليه بالإعدام، وفي اعتقادي المسألة مسألة ذهنية دولة، وربما مرحليا مثل هذا الأمر غير مطروح بتاتا إلى غاية مرحلة معينة· ماذا تقصد؟ أعتقد أنه سيأتي فيه يوم وتنكشف فيه خيوط وملابسات الاغتيال، وكما يقولون ''الزّمان كشّاف''، ولابد أن يأتي يوم تضعف فيه حلقة من الحلقات في النظام أو في السلسلة التي كانت مسؤولة أو متورطة بشكل أو بآخر في تصفيته، لتعطي أضواء جديدة ومعطيات أخرى تنير المسألة، لكن هي متعلقة بالوقت· في أحد حواراتك معه، قلت بأنه كان يرفض العودة إلى الجزائر؟ أنا صحفي مهتم كثيرا بالتاريخ وكنت قد طلبت مقابلته سنة 1984 مباشرة عندما اطلعتنا ''الجزائر الأحداث'' الناطقة بالفرنسية على حوار مع العقيد بيجار، وأثار هذا الخيار استياء في الساحة الوطنية·· لماذا بيجار وليس بوضياف أو أيت أحمد؟ ولتعجبنا من الأمر قمت بالمبادرة ولم ترخص لي وزارة الإعلام لأقابل بوضياف إلا بعد أحداث أكتوبر ,88 وكان لي معه أول حوار نزل بجريدة الشعب عبر حلقتين، ثم تلتها حوارات أخرى وصل عددها إلى خمسة، آخرها كان في سنة 92 عندما كان على رأس المجلس الأعلى للدولة في الثالث من مارس في صحيفة السلام التي كنت أديرها· وعلاقاتي ببوضياف كانت إعلامية، أي مهنية تاريخية، توطدت بعد دخوله، حيث أرسل في طلبي عن طريق صهره أمين عبد الرحمان بعدما أعادوه إلى الجزائر ولم يدرجوني ضمن الشخصيات المستقبلة، وفي إحدى المقابلات معه في المغرب وتحديدا في أوت ,91 لم ألمس لديه أي استعداد للعودة، وكان يرى فيما يروج في الجزائر عن إمكانية ذلك من المزايدات وعبر عن ذلك بصراحة، رافضا· ألم يتخوف يوما من تصفيته بعد العودة لما قيل عن علاقاته المتردية مع البعض؟ محمد بوضياف رجل مناضل وهب حياته للجزائر ولم تخفه فرنسا بحلفها ولم يخش يوما على حياته من الاستعمار، فكيف له أن يخاف عليها في جزائر الاستقلال، كانت له ثقة كبيرة في مؤسسة الجيش وخاصة في وزير الدفاع خالد نزار، لكنه لم يكن مرتاحا لبعض الوجوه منها حتى التي لعبت دورا كبيرا في استقدامه، وكانت هذه الوجوه نافذة في منظومة الحكم، التي نافسها من دون معلومات كافية تساعده في مواجهتها، لكنه كان حذرا وكنا نبهناه بطرق غير مباشرة، كونه فتح جبهات صراع وهو في موقع لا يؤهله، لم يكن يملك حتى حكومة وبذلك استبق أمورا على أخرى· هل نحن أمام أخطاء فادحة؟ كان عليه أن يكون متمسكا ومتحكما في الوضع، وشجعناه على أن يستمد قوته بالخروج إلى الشعب وهو ما فعله، لكن تبين أننا كنا مخطئين، وكان من بين إيمانه الراسخ، أن خلاص الجزائر في جيل جديد ونظيف يداه غير ملطختين بمال ودم الجزائريين وجيل يصارح الشعب بحقائق الدولة·