تتسارع الأحداث في مالي بطريقة لا يمكن توقع ما قد يحدث في هذا البلد الذي أصبح يكتنفه الغموض حول مصيره بعد استقالة رئيس وزراء مالي الشيخ موديبو ديارا، أمس، وحكومته دون إعطائه أسبابا ذلك، في حين أرجعها عضو المكتب السياسي لحزب التضامن الإفريقي للديمقراطية والاستقلال، ماسا سوكوبا، المقرب من انقلابيي مالي، إلى وجود أزمة بين الوزير الأول المستقيل الشيخ موديبو ديارا والعسكر بمحاولة “ديارا" جلب قوات إلى مالي للتدخل العسكري في الشمال وهو ما يرفضه الجيش بقوة، على حد قوله. وتأتي استقالة رئيس وزراء مالي عشية انطلاق المشاورات الوطنية بين جميع الأطراف السياسية في البلاد التي كان من المقرر أن تجري اعتبارا من اليوم ولمدة ثلاثة أيام. غير أن بيان لرئاسة الجمهورية المالية أعلن تأجيل هذه المشاورات التي تهدف إلى وضع “خارطة طريق" للأشهر المقبلة بين جميع الأطراف السياسية والعسكرية الاجتماعية ومنظمات المجتمع الأهلي المنقسمة حيال الأزمة وطريقة حلها. كما تتزامن هذه الأحداث في مالي مع ما أكدته الأممالمتحدة على أهمية استراتيجية مدمجة لاستتباب السلم في المنطقة. ألقى ديارا كلمة عبر الإذاعة والتلفزة الوطنية قائلا “أعلن أنا الشيخ موديبو ديارا وحكومتي عن الاستقالة". وبعد ساعات على قيام عسكريين باعتقال الشيخ موديبو ديارا ليلة الإثنين-الثلاثاء في منزله بالعاصمة باماكو بأمر من النقيب أمادوا هايا سانوكو المتزعم السابق للانقلابيين، وكان اديارا قد أعلن مرارا عن تأييده تدخلا سريعا لقوة عسكرية دولية في شمال مالي، فيما عارض سانوغو مثل هذا التدخل بشدة. وعقب استقالة ديارا، نفى المتحدث باسم الانقلابيين السابقين باكاري ماريكو في تصريح صحفي أن تكون هذه التطورات في مالي تنذر بانقلاب بعد استقالة رئيس الوزراء إثر اعتقاله، مؤكدا أن الرئيس ديونكوندا تراوري سيعين رئيس وزراء جديدا في الساعات المقبلة. واتهم ماريكو السيد ديارا “بعدم التصرف كرجل ملتزم بواجبه إزاء الأزمة في مالي بل بموجب أجندة شخصية". وكان من المقرر أن تجري اعتبارا من اليوم ولمدة ثلاثة أيام “المشاورات الوطنية" بين جميع الأطراف السياسية في البلاد. غير أن بيان لرئاسة الجمهورية المالية أعلن عن تأجيل هذه المشاروات التي تهدف إلى وضع “خارطة طريق" للأشهر المقبلة بين جميع الأطراف السياسية والعسكرية الاجتماعية ومنظمات المجتمع الأهلي المنقسمة حيال الأزمة وطريقة حلها. وتأتي هذه التطورات عقب الاجتماع الوزاري لأعضاء مجلس الأمن الدولي حول “الوضع في الساحل"، أمس الإثنين، حيث أكد المجلس مجددا التزامه القوي بسيادة دول منطقة الساحل الإفريقي وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي ووحدتها. وفي هذا السياق، صرح الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة بان كي مون أمام مجلس الأمن أنه يتعين على المجتمع الدولي دعم الجهود من أجل استراتيجية مدمجة في الساحل، مؤكدا أن الوضع في مالي يندرج في سياق أوسع لأزمة شاملة وممتدة إلى كامل المنطقة. كما حذر الأمين العام من أن ما يجري حاليا في مالي “يمكن أن يؤثر على كل المنطقة" وأن “الرد الفعال الذي ينبغي إعطاءه يجب أن يهدف إلى رفع التحديات التي تهدد المنطقة كلها". وكان قادة إيكواس قد شددوا خلال قمة اسثنائية عقدت في 11 نوفمبر الماضي بأبوجا (نيجيريا) على أن الحوار يبقى “الخيار المفضل" لحل الأزمة السياسية في مالي “قبل اللجوء إلى الخيار العسكري لاسترجاع شمال مالي من أيدي الجماعات المسلحة. واتفق قادة إيكواس على إرسال قوة عسكرية قوامها 3300 رجل إلى شمال مالي تدعمها دول غربية على المستوى اللوجيستي مع الإبقاء الباب “مفتوحا" أمام الحوار. وفي أول رد على استقالة الوزير الأول المالي، برر عضو المكتب السياسي لحزب التضامن الإفريقي للديمقراطية والاستقلال، ماسا سوكوبا، المقرب من انقلابيي مالي، الأزمة بين الوزير الأول المستقيل الشيخ موديبوا جارا والعسكر بمحاولة “جارا" جلب قوات إلى مالي للتدخل العسكري في الشمال، وهو ما يرفضه الجيش بقوة، على حد قوله. وأضاف “سوكوبا" إن استقالة “جارا" لن تؤثر على مستقبل المرحلة الانتقالية بمالي باعتبار فشله في “إحداث توافق سياسي داخلي حول الأزمة وارتهانه للقوى الأجنبية". وشدد على أن عملية تحرير شمال مالي من سيطرة الجماعات المسلحة “لن تتم إلا من خلال الجيش المالي وحده". ويعتبر حزب “التضامن الإفريقي" من أكثر القوى السياسية معارضة للتدخل العسكري بمالي، وسبق أن تقدم بدعوى قضائية ضد منظمة تنمية غرب إفريقيا “الإكواس" لتدخلها في الشؤون المالية، بسبب “فرضها أجندة انتقالية على مالي"، ويعتبر أمينه العام عمر ماريكو، وهو عضو بالبرلمان المالي ومقرب من القادة الانقلابيين، في طليعة السياسيين المعارضين لنشر القوات الإفريقية بمالي، ويرى في ذلك انتهاكا لسيادة الدولة المالية. ولعب ماريكو دورا أساسيا في الإطاحة بالرئيس السابق مامدوا توماني توري، من خلال دعوته في أكثر من مناسبة للجيش بتحمّل مسؤولياته لاستعادة السيطرة على الشمال وقمع الحركات “المتمردة"، التي كان يرفض الرئيس السابق الدخول معها في حرب أهلية.