في عام 1997 فاز روبرت ميرتون ومايرون شولز بجائزة «نوبل في الاقتصاد» عن إسهامهما في تطوير طرق لتسعير المشتقات المالية، وهو ما مهد الطريق إلى خلق أدوات مالية جديدة «وجعل إدارة المخاطر في المجتمع أكثر كفاءة»، بحسب بيان اللجنة التي منحت الجائزة. بعد عام واحد، كاد انهيار الشركة الاستثمارية التي شاركا في تأسيسها يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية لولا تدخل «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» لإنقاذ أسواق المال في اللحظة الأخيرة. لم تصمد نظريات ميرتون وشولز أمام الواقع في ما عُرف آنذاك باسم «أزمة نوبل». قبل ذلك التاريخ بنحو عشرين عاماً، منحت اللجنة السويدية جائزة «نوبل للسلام» مناصفة بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن بعد إبرام اتفاق كامب ديفيد. لكن في عام 1982، اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان بأوامر من بيغن؛ فقتلت آلاف اللبنانيين والفلسطينيين، واحتلت قسماً كبيراً من الجنوب اللبناني لأكثر من عقدين. أما وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، ففاز بالجائزة عام 1973 لأنه أبرم اتفاقاً لوقف إطلاق النار في فيتنام، رغم أن القصف الأميركي لم يتوقف أثناء المفاوضات. يمنح الإعلام العالمي والسياسيون هالة من القدسية حول «جوائز نوبل» وأصحابها. يستشهد بها صنّاع القرار وكأنها تعصم صاحبها من الخطأ. المشكلة هنا ليست في الجائزة، ولكن في استخدامها كأداة لفرض السياسات والأفكار؛ فإن كنت من أنصار تحرير الأسواق ورفع يد الحكومة عن السياسات المالية والاقتصادية، يكفي أن تستشهد بميلتون فريدمان (نوبل في الاقتصاد عام 1976). أما إن كنت تنتمي آيديولوجياً للمعسكر المضاد، فهناك بول كروغمان (نوبل 2008) في خدمتك. هذا الأسبوع، مُنحت جائزة «نوبل في الاقتصاد» لثلاثة علماء عن دورهم في تحليل أثر التكنولوجيا ونظرية «الفوضى الخلاقة» على النمو الاقتصادي. تُنسب نظرية «الفوضى الخلاقة» للنمساوي جوزيف شومبتر الذي رأى أن التطور والابتكار لا يتحققان إلا عبر تدمير الأنظمة والشركات القديمة وإفساح المجال لنماذج جديدة، حتى وإن كان ذلك على حساب العمالة. لم تمر إلا ساعات قليلة قبل أن أقرأ تقريراً عن أن «الفوضى الخلاقة» أكثر كفاءة من السياسة الحكومية، مع أن جائزة 2024 على سبيل المثال مُنحت لثلاثة باحثين ركزوا على دور المؤسسات في تقليل أو تعظيم الفوارق الاقتصادية بين الدول. إن «جوائز نوبل»، تحديداً تلك المخصصة للعلوم الإنسانية أو السلام، لا تُمنح للحقيقة المطلقة، بل هي تعبير عن لحظة مؤقتة من الإجماع. تعكس هذه اللحظة في كثير من الأحيان أولويات النخبة في أوروبا والولايات المتحدة أكثر مما تعكس تنوّع التفكير الإنساني، وإلا فكيف يمكننا أن نفسر حصول أوباما على الجائزة في عام 2009 بعد عام واحد على توليه السلطة؟ غير أن جائزة أوباما لم تذهب سدى؛ إذ يشعر المرء اليوم أن جهود الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب في غزة وأوكرانيا تحركها رغبة جامحة في الرد على مكالمة من أوسلو. الشرق الأوسط