سورة العصر.. حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر الشيخ: محمد عطية في زمن تكثر فيه الفتن ويبيض الشيطان ويفرح يحتاج المسلمون إلى سورة العصر كطوق للنجاة من الخسران والهوان وتعد السورة أحد دعائم بقاء المجتمع المسلم قويا عزيزا يسعى للرقي والمجد وبالاستمساك بما جاء فيها من هداية ونور يظل المجتمع المسلم جسدا واحدا يكمل بعضه بعضا ويحمي بعضه بعضا من الوقوع في الخطر يعالج الخلل ويرشد للخير ويتعاون على البر والتقوى. *أهمية الوصية ومكانتها في الإسلام وقبل أن ندخل إلى مضمون الوصية التي جاءت في سورة العصر يجدر بنا أن نطوف حول مبدأ الوصية فقد أوصى الله تعالى خلقه بأعظم وصية {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131] وطلب الصحابة من النبي – عليه الصلاة والسلام – أن يوصيهم وأجاب كل شخص بما يناسبه فقال لشخص: (لَا تَغْضَبْ). وقال لآخر: (عَلَيْكَ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَلَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ لِلْمُسْتَسْقِي مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَائِهِ أَوْ تُكَلِّمَ أَخَاكَ وَوَجْهُكَ مُنْبَسِطٌ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنَ الْمَخِيلَةِ وَلَا يُحِبُّهَا اللَّهُ وَإِنِ امْرُؤٌ عَيَّرَكَ بِشَيْء يَعْلَمُهُ مِنْكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بِشَيْء تَعْلَمُهُ مِنْهُ دَعْهُ يَكُونُ وَبَالُهُ عَلَيْهِ وَأَجْرُهُ لَكَ وَلَا تَسُبَّنَّ شَيْئًا). ونتعلم من رعاية النبي عليه الصلاة والسلام لطالب الوصية أن تكون الوصية مناسبة لحاله من حيث توجيهه لإصلاح الخلل الذي يعرقل مسيرته إلى الفلاح ومراعاة قدرته على استيعاب النصيحة ومن حيث التوجه للأصول قبل الفروع. *التواصي بالحق وهو ما نحتاجه دوما في وقت يختلط الحق بالباطل والطيب بالخبيث نحتاج إلى من يرزقه الله تعالى البصيرة لكي يميز بين الهدى والضلال ثم نحتاج إلى من يعيننا على مقاومة الهوى الذي يحجبنا عن كل خير ونحتاج إلى من يعيننا على ضغط المجتمع وضغطه هائل يجعل الضعاف ينساقون معه ولو خالف ما أمر الله تعالى به ونحتاج إلى من يعيننا على أنفسنا التي تتصور أن سلوكها لطريق الله تعالى سيحرمها من بعض رزقها أو سيجعلها في خصام مع البعض فنقدم رضا الناس على رضا الله ونتمسك بالدنيا ونترك ما عند الله وما عند الله خير للأبرار. نحتاج إلى التواصي حتى نصل إلى المراتب العالية فقد عصم الله سبحانه وتعالى الأولين ورفع مقامهم بتعاونهم على البر وتواصيهم بالخير. *التواصي بالصبر ومن بين ما يجنب المؤمنين الخسران التواصي بالصبر والصبر نصف الإيمان وهو سفينة المؤمن عندما تجتاحه الشهوات والعواصف. جاءت سورة العصر بالتواصي بالصبر على المشقة فلن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر والصبر على الحرمان من شيء حرام تحبه مع قربه منك ورؤيتك لمن يتمتعون به إيمانا بأن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه. الحياة كلها تحتاج إلى صبر فالانتقال من البيت إلى المدرسة ومن المدرسة إلى الجامعة ومن التعليم إلى ميادين العمل ومن بيت الأسرة إلى بيت الزوجية والحياة مع شخص وأسرة لها عاداتها وطباعها قد يحدث التوافق بين الزوجين سريعا وقد يحتاج إلى وقت طويل يجتهد كل منهما في القرب من الاخر ويصبر كل منهما على الاخر يتجاوزان معا الأوقات الصعبة ويتعلمان كيف يصلحان ما أفسده اختلاف العقول والطباع. نحتاج إلى الصبر عندما ننتقل من الإقامة في بلد نشأنا فيه وعرفنا كيف نحصل على ما نريد فيه إلى مكان آخر نحن غرباء عنه غرباء عن المكان والأشخاص والعادات. وعند الانتقال من الضلال إلى الهداية يحتاج المهتدي إلى من يعينه فالحق في بدايته ثقيل سيضطر لترك بعض السلوكيات وهجر بعض الأشخاص والتخلص من بعض الأموال التي اكتسبها سيعيش حياة جديدة فيها تكاليف ثقيلة لم يفعلها من قبل سيحتاج إلى من يعينه على كل ذلك ومن يقف إلى جواره من يهون عليه هذه الصعوبات من يذكّره بما أعده الله تعالى للصابرين. يحتاج المؤمنون في مواجهة الكفار إلى أن يوصي بعضهم بعضا بالصبر بل بالمصابرة سيصبرون وسيصبر أعداؤهم فأي الصبرين سيغلب الآخر الصبر الذي هو عند المؤمن نصف الإيمان؟ أم الصبر الذي هو عند الكافر خيار استراتيجي الصبر النابع من الاستجابة لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] أم الصبر الذي يعود إلى أسلاف قالوا {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 6] يوصي الكفار بعضهم بعضا بالصبر على عبادة آلهة باطلة لأن هناك مخطط لتدميرهم ولابد من مواجهته بالصبر. *إذا خلت الحياة من الصبر بدون أن يصبر الطالب على طلب العلم والإنسان على مرضه والزوجين كل منهما على الاخر والأب على أبنائه ستتحول الحياة إلى مجموعة من الضغوط تؤذي الإنسان وتفسد عليه حياته. بدون أن يصبر الإنسان لن يكون هناك نجاة ولا نجاح ولا أجر واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا. {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب } [الزمر: 10] في بداية نزول المصائب يكون ضغطها ثقيلا على النفس سواء جاءت فجأة أو كانت متوقعة وقد سمى النبي عليه الصلاة والسلام هذه الحالة بال صدمة وجعل الصبر المعتبر شرعا الذي يدل على إيمان صاحبه ويؤجر عليه من الله تعالى عند الصدمة الأولى أما بعد ذلك فاختلاف الليل والنهار ينسي أو يتأقلم الإنسان مع الشدة. والصبر الذي ينبغي أن يتواصى به المؤمنون هو صبر الأعزة الواثقين بكرم الله تعالى وإعزازه للمؤمنين الموقنين الذين يصنعون شيئا يقربهم من أهدافهم المشروعة. لقد أمرنا الله تعالى أن نصبر ولا نستجيب لأولئك الذين تحملهم قلة اليقين على الجزع والفزع والطيش في اتخاذ المواقف والقرارات {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] تبقى سورة العصر مع غيرها من كلمات الله وهداية نبيه عليه الصلاة والسلام طوق النجاة من الهلاك ومن الفتن ومن الهزائم.