"انطلاق التسجيلات الإلكترونية لامتحاني «البيام» و«البكالوريا» دورة 2026 دون ملفات ورقية"    وزارة الشباب تعتمد خريطة عمليات جديدة لتنشيط الفضاءات البيداغوجية وتعزيز دور الجمعيات"    أمطار رعدية غزيرة على العديد من ولايات الوطن    الأونروا تحذر من تفاقم الاوضاع الانسانية في غزة مع اشتداد الأمطار الغزيرة    قطاع المحروقات حقق نتائج معتبرة خلال السنوات الأخيرة    الوزارة بصدد تعديل القانون المحدد لقواعد منح السكن    نحو قيام دولة فلسطين..؟!    الوساطة الألمانية عجز فرنسا عن إدارة نزاعها مع الجزائر    شروط الصين لتصدير السيارات الأقل من 3 سنوات    خنشلة : توقيف شقيقين وحجز 5200 وحدة كحول    توقيف شخص تورط في قضية سرقة    ارتفاع نسبة اكتشاف حالات السرطان    ها هي الحرب الباردة تندلع على جبهة الذكاء الاصطناعي    عميد جامع الجزائر من بسكرة:رقمنة العربية مدخلٌ لصون الهوية وإرساخ السيادة الثقافيّة    اللغةُ العربية… إنقاذٌ أمِ انغلاق    آية الكرسي .. أعظم آيات القرآن وأكثرها فضلا    فتاوى : أعمال يسيرة لدخول الجنة أو دخول النار    أبو موسى الأشعري .. صوت من الجنة في رحاب المدينة    الجزائر ركيزة إعلان الدولة الفلسطينية    الخضر يستعدون..    شهر للعربية في الجزائر    الجزائر تشهد نهضة تنموية شاملة.. وعلاقتها بمصر نموذج للتضامن العربي    الجزائر ملتزمة بالارتقاء بعلاقاتها مع الفيتنام    ترقية 11 مقاطعة إدارية إلى ولايات    ممتنون للجزائر دعمها القوي والحاسم.. ومهتمون بتجربتها التنموية    رفع الحد الأدنى للأجور ومنحة البطالة    عودة العائلات المتضررة من الحرائق إلى منازلها    النخبة الوطنية تراهن على جمع نقاط مؤهلة لأولمبياد 2028    افتتاح معرض "لقاء الخط بوهران"    حرائق الغابات بتيبازة:العائلات تعود إلى منازلها    ورقلة.. يوم دراسي لتعزيز ثقافة الاتصال داخل المرافق الصحية العمومية    الجيش الوطني يستفيد من مرافق صحّية جديدة    إحصاء العائلات الحرفية المعوزة    الأستاذ محمد حيدوش : بناء مجتمع متعلم وذكي سبيل حقيقي لتقدم الأمّة    طموح كبير لدورفال    هؤلاء أبرز المرشحين لجوائز الأفضل من فيفا    حنون تشرف على لقاء جهوي    مشاركة جزائرية في الأبطال الخمسون    لاناب ترعى مسابقة وطنية ودولية    طلبة.. مُبتكرون    الثوابتة: الجزائر سند حقيقي    أربعة مبادئ حاكمة ترسم مستقبل غزة    وزير الصحة يبرز جهود القطاع    تكريم الفائزين في الطبعة الخامسة من المسابقة الأدبية الوطنية "أم سهام" للقصة القصيرة    "حرب الشتاء" بلا مغيث في غزة : غرق عشرات الخيام في مواصي خان يونس بمياه الأمطار    حركة تنموية استثنائية بولايات الجنوب    الترجي التونسي يدعم بلايلي ويؤكد بقاءه مع الفريق    اكتشفت سليماني ومحرز وهذا سر تعلقي بالجزائر    يوم تكويني حول الخدمات النفسية في الأزمات والكوارث    فيانسو يرسم جسور الإبداع السينمائي    بحث سبل بناء منظومة متكاملة    دعوة إلى تعزيز حملات التوعية والكشف المبكر    إبراز قدرات الجزائر ودورها في تعزيز الإنتاج الصيدلاني قاريا    بحث سبل تعزيز التعاون الجزائري-الأردني    الطبعة الرابعة لنصف مراطون "الزعاطشة" ببسكرة    دعاء في جوف الليل يفتح لك أبواب الرزق    مؤسسة Ooredoo تبرم شراكةً رسميةً مع نادي مولودية وهران    تحذيرات نبوية من فتن اخر الزمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحوارية الغائبة
نشر في الجزائر نيوز يوم 19 - 10 - 2009

احترام الاختلاف والقدرة على فتح حوارات هادئة حول ما نختلف حوله، هو المظهر الأساسي المفقود في ثقافتنا المعاصرة، وللحق هو مفقود في الثقافة العربية التاريخية أيضا، فحتى اللغة العربية هي لغة سماعية خطابية وتلقينية أكثر منها لغة حوارية، ففي القديم كان الشاعر يلقى قصائده في جمع
من الناس أو في حضرة أمير أو سلطان أو زعيم قبيلة، الإلقاء يشد الانتباه، يحفز السمع ويستفز المشاعر ، ولكنه يخدر العقل (ئنسبيا )ئأي يجعله مجرد مستقبل، فتضيع القدرة على ملاحقة الكلمات المصاغة ببلاغة والانتباه لعثراتها·
لهذا كان دور المتلقي هو الاستماع، ونادرا ما يقع الأخذ والرد، فالمسموع الشعري إما يستحسن أو يستهجن، والاستحسان كما الاستهجان هو موقف ذوقي مدفوع بعواطف ومشاعر، أكثر مما هو موقف عقلي اتجاه المسموع، وهذا الموقف الذوقي هو الذي ساهم في تغييب نقاشات من طرف المتلقين للنص الشعري أو للأخبار التي كان يتداولها الرواة، فعملية الاستماع لا تتبع عادة بحوار حولها·
هذه الظاهرة استمرت مع الوحي الإلهي والحديث النبوي، كان النص الديني ينقل سماعا من طرف لآخر، وما على الطرف المتلقي سوى أخذه كما هو، أي التسليم به، وهذا ما فتح المجال واسعا أمام دس الكثير من الأحاديث ونسبها للرسول الكريم·
هنا نجد الجذور التاريخية لغياب ثقافة الحوار بيننا، الأمر اختلف قليلا مع بداية عصر التدوين، وعصر التدوين ابتدأ بتدوين العلم، والعلم في تلك الفترة بداية من القرن الثالث الهجري كان يعني أساسا العلم الديني والحديث على وجه الخصوص، هناك الكثير من الفقهاء ورجال السلطة رفضوا التدوين أي رفضوا الكتابة لأنها تتيح الفرصة للعقل المتأمل في التفكير حول المكتوب ( المسموع سابقا ) ونقده وتمحيصه، أي ممارسة قراءة عقلية واعية وهادئة له، وهذا ما لا يخدم حراس الايديولوجيا السائدة والمكرسة، لأن إعمال العقل قد يبطل الكثير من مزاعمها الغير مؤسسة·
ولكن بعد الحرب الضروس التي خاضها جامعي الأحاديث والحجج المنطقية التي قدموها كتبرير لعملهم المرتكز حول جميع الأحاديث الصحيحة وفرز المنسوب منها، تنازلت السلطة وسمحت لهم بالتدوين ولكن الحركية كانت متسارعة فانتقل التدوين من الحديث إلى مجالات معرفية أخرى انتصرت لاحقا وببراعة على دعاة الثقافة الشفوية ، وهذا الانتصار للمكتوب هو ما صنع مجد الحضارة العربية الإسلامية التي كانت حضارة عقل ودين معا·
ولكن حتى مع انتصار المكتوب وانوجاده كمجال معرفي يحضى بثقة النخبة، ظلت هناك دائما طابوهات صعب على المكتوب تجاوزها، فحق النقد اتجاه المقدس وحق رفض بعض ما يدرج ضمن نطاق المسلمات، ظل مرفوضا من طرف السلطة السياسية ومن خلفها السلطة الفقهية التي تم تدجينها سياسيا ما عدا بعض الفقهاء المتمردين الذين رفضوا الانصياع لإملاءات السلطة السياسية واستطاعوا أحيانا جرها للتنازل عن غيها·
ولهذا ظلت ثقافة الحوار والحق في الاختلاف شبه مغيبة، وغيابها ظل في حالة اتساع خصوصا مع عصر الانحطاط الذي نعيش بعض مراحله الأكثر تراجيدية الآن·
لغتنا المتداولة هي لغة إقصاء ورفض للآخر واللغة عند علماء اللسانيات ليست مجرد وسيلة تواصل بقدر ما هي حاملة لمنظومة فكرية تبين بجلاء طبيعة تفكير المستعملين لها، وبالتالي فنحن عندما نقول بأن لغتنا اقصائية فمعناه بأن طريقة التفكير التي تصدر عنها هذه اللغة هي بدورها اقصائية ورافضة للحوار ولا تعترف للآخر بحقه في الاختلاف ·
وهذه الذهنية الاقصائية تتجلى في انصع تمظهراتها عند رجال السياسة والحكام العرب وكذا عند المثقفين الذين يرفض كل تيار منهم التيارات الأخرى ويسفه فكرها ومرجعياتها دون أن يحاورها ويأخذ منها ما يفيده وفي الوقت نفسه يطعمها بما عنده مما يمكن أن يكون إضافة له أو نقطة التقاء معه·
هناك مقولة جميلة أعتقد انها للدكتور عبد الله ركيبي، يقول: ا إن مثقفينا في الجزائر والعالم العربي هم مثقفون لفظيا وليسوا مثقفين فكريا ا·
وهذا التعارض الذي أشار إليه الدكتور ركيبي يمكن العثور عليه في تلك الضحالة الفكرية التي تسم الكثير من الكتابات الفكرية التي تصدر في العالم العربي، حيث انها في عموميتها لا تصمد أمام النقد العقلي، بسبب افتقادها للانسجام الفكري الذي يعطيها ديمومتها وقدرتها على التأثير العقلي قبل التأثير العاطفي·
وهذا ما يفسر خلو الحقل الثقافي العربي من مفكرين كبار استطاعوا تكوين مشاريع فكرية تتسم بالأصالة وعمق الطرح والانسجام الذي يساهم في تحويلها إلى تيار أو مدرسة فكرية تستقطب أتباعا ومريدين، حيث أن المتابع للحقل الثقافي العربي لا يعثر إلى عدد قليل جدا من الكتابات التي يؤسس أصحابها لمشاريع فكرية جادة استطاعت مع مرور الوقت وبفعل اجتهاد أصحابها في اثرائها، وبفعل التراكم المعرفي المنتج حولها، استطاعت ان تفرض نفسها وان تمتلك قدرة المنافسة داخل السوق التداولي للافكار الذي صار عالميا منذ فترة طويلة، يمكن ان نذكر في هذا الصدد أسماء لا تتعدى اصابع اليد الواحدة كمحمد عابد الجابري ومحمد اركون وحسنئ حنفي ومحمد شحرور،وغيرهم بدرجة اقل من حيث الحضور والتأثير·
وهذه المشاريع الفكرية الجادة والواعدة مجهولة بنسبة كبيرة، خارج إطار النخبة الثقافية، وهي متجاهلة من طرف السلطة السياسية ومكفرة ومفسقة من طرف الفقهاء رغم عدم اطلاعهم عليها غالبا·
الكتب الجادة عندنا لا تثير حوارا حولها وحتى عندما يصدر كتاب مثير للجدل تسارع السلطة الدينية بإصدار فتوى تكفر صاحبه، و السلطة السياسية بوسائلها القمعية تصادره وتمنعه من التداول، فيتظاهر بعض المثقفين بالدفاع عنه وعن حرية التعبير والحق في الاختلاف وهم فقط يريدون استغلال الضجة التي أثارها المنع، بالكتابة عنها والاشتهار على حسابها، ويهاجم الطرف الآخر أي اؤلئك الذين يقدسون التماثل الفكري والاجتماعي، يهاجمون الكتاب وصاحبه مستغلين عناصر الهوية الجمعية كأدوات هجوم·
وفي الحقيقة أغلبية من يتحدثون في الموضوع سواء الرافضين أو المدافعين لم يقرؤوا الكتاب· حدث هذا أكثر من مرة وسيتكرر كثيرا لأن الذهنية لم تتغير، وهذه الذهنية هي علة أخرى من علل أزمة المثقف العربي·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.