إذا حاولنا عبثا الوقوف عند المخاض العسير الذي تعيشه كرتنا منذ عودتها خائبة من جنوب إفريقيا، فإننا سنصطدم بمفارقات خطيرة وتطورات لا تساعد بالضرورة في عودتها إلى الواجهة، على الأقل وفق المعطيات التقنية التي أفرزتها الأوضاع الحالية، حيث لا نكاد نعثر على مؤشر واحد يقنعنا أن كرتنا تسير في الطريق السليم أو تحاول العودة، طالما أن الأرقام والنتائج وحتى الصراعات الداخلية التي ميزت علاقات الفاعلين في اللعبة ألقت ظلالها على المشهد الكروي وساهمت في تدني المستوى والنتائج. حليلوزيتش يكشف عيوب كرتنا ولنبدأ بالكلام الذي قاله المدرب الوطني حليلوزيتش في حق الكرة الجزائرية، خلال ندوته الصحفية الأخيرة، عندما تسلح بجرأة كبيرة وهو يشرح واقعا كرويا مريرا، حيث أشار إلى الإقصاء المتتالي لكل المنتخبات لأقل من 15، و17 و20 سنة وكذا المنتخب الأولمبي، حيث اعتبرها محطة يجب الوقوف عندها لفهم الواقع الذي تعيشه الكرة الجزائرية ومحاولة إيجاد الدواء للمرض الذي ينخر جسمها، مشيرا إلى أن الإنتقادات التي تلت كل الإخفاقات التي سجلها المنتخبات لا تجدي نفعا إذا لم نحاول الغوص في الإشكالات والنقائص المطروحة في الساحة الكروية، وأبرزها على الإطلاق مشكل التكوين “منتخبنا الحالي صغير وهذه حقيقة، والمنتخب المالي يوجد في أحسن أحواله". كما عاد المدرب حليلوزيتش إلى كشف بعض أغوار الأحداث التي تخللت مشاركة المنتخب الوطني في جنوب إفريقيا، حيث وصف سلوكات بعض اللاعبين بالخطيرة جدا “هناك بعض اللاعبين المغتربين لمست عندهم غياب الرغبة في الدفاع عن الألوان الوطنية، وهم بالتالي أبدوا في نظري نفاقا، حيث صرحوا في أكثر من مرة أنهم سعداء بتقمص زي المنتخب الوطني غير أن ممارساتهم وأفعالهم تتناقض مع تصريحاتهم". كما لم يتردد حليلوزيتش عن توجيه أصابع الإتهام للاعبين الذين أبدوا في هكذا مناسبة عدم رضاهم بالجلوس على كرسي الإحتياط:«هناك أنانية مفرطة وجدتها داخل المنتخب الوطني". مسلسل المهازل يتواصل لم يكد الجمهور الكروي الجزائري، ومعه كل المتتبعين ليوميات الكرة الجزائرية، يستفيق من كابوس الإقصاء المر الذي مني به فريقنا الوطني الأول بجنوب إفريقيا عندما خرج من المنافسة مبكرا وعاد يجر أذيال الخيبة، حتى تكرر السيناريو ثانية قبل أيام عندما واجه منتخب أقل من 20 سنة نفس المصير، بعد أن خرج بنقطة يتيمة كانت كافية للتأكيد على الإنهيار التام الذي تعيشه كرتنا، التي باتت لقمة سائغة لدى منافسينا في كل المنافسات التي تشارك فيها، بدءا بالمنتخبات الوطنية ومرورا بالأندية الجزائرية المشاركة في مختلف المنافسات القارية والإقليمية، وانتهاء بالجدل العقيم الذي يدور رحاه في الوسط الكروي. ولئن كانت التجارب والمحن والمهازل، بل والكبوات التي منيت بها كرتنا في هكذا منافسة، لم تستطع أن تحرك ضمائر القائمين عليها، فإن ما يؤخذ على ردود الفعل التي تعقب كل إخفاق هو محاولة إيجاد تبريرات وحجج واهية يتخذها كل من له مسؤولية لإنقاذ رأسه، على منوال ما ذهب إليه المدرب حليلوزيتش أو رئيس الفاف، أوحتى بعض اللاعبين الذين تحججوا تارة بتحيز التحكيم، فيما وجد البعض مخرجا في محاولة لنعت مردود منتخبنا بالمقبول، عندما اعتبروا سيطرة منتخبنا على الكرة دليلا على مستواها الجيد. وبعد خيبة الأمل الأخيرة لمنتخب أقل من 20 سنة، فإن أصابع الإتهام وجهت أساسا للمدرب الفرنسي نوبيلو، الذي تمت إقالته بعد أن قضى عامين كاملين على رأس هذا المنتخب، فيما خرج مرة أخرى الرئيس محمد روراوة سالما من هذه النكسة المخزية دون أن يحاسب نفسه على خيارته بتعيينه مدرب بمواصفات نوبيلو. كما لم يقدر أي مسؤول أن يطرح سؤالا برئيا على روراوة لاستفساره عن هذا الإخفاق ومدى المسؤولية التي يتحملها.. لتبقى دار لقمان على حالها. .. في انتظار موعد البنين شاءت الظروف أن يتزامن إخفاق منتخبنا الوطني لأقل من 20 سنة مع موعد هام ينتظر الكرة الجزائرية، يوم غد الثلاثاء، بإجراء اللقاء الثالث الخاص بالتصفيات التأهيلية لمونديال البرازيل، حيث سيكون منتخبنا الوطني مطالبا برد الإعتبار بعد تعثره أمام مالي بنتيجة (2 - 1). غير أن المعطيات الأولية التي تسبق هذا اللقاء تشير إلى أن أمور منتخبنا ليست على أحسن ما يرام، وهو ما أكده المدرب الوطني حليلوزيتش عندما تحدث عن هذه المواجهة من خلال إشارته إلى بعض النقائص والظروف التي رافقت تحضير منتخبنا ،خاصة ما تعلق بجاهزية بعض اللاعبين، وهو ما يجعل لقاء الغد محطة مهمة في مشوار منتخبنا. وما من شك أن محطة البنين ستكشف لنا عن حقيقة المرحلة الصعبة التي يمر بها هذا المنتخب، الذي والحق يقال، مازال بعيدا عن المستوى الحالي للتصفيات الخاصة بالقارة الإفريقية، وبالتالي فإن إمكانية استعادة بصيص الأمل يمر عبر تسجيل فوز ليس إلا. الإحتراف.. في انتظار تحول الحلم إلى حقيقة إذا كانت كل التعليقات وردود الفعل المختلفة قد صبت كلها في وضعية المنتخبات الوطنية والنتائج المخيبة للآمال التي سجلتها في الأشهر الأخيرة، فإن حال كرتنا يجب علينا أن نصوره ونشرحه من الداخل، ونقصد بالتحديد وضعية اللعبة على المستوى المحلي بعد هبوب رياح الإحتراف عليها. وفي هذا المجال لا نضيف شيئا إن قلنا أن التجربة الإحترافية التي حاول مسؤولو كرتنا إدخالها لم يكتب لها النجاح لحد الآن، حيث فشلت الأندية والمحيط المتعفن وغير المستقر لكرتنا في تحقيق أي تقدم للمشروع، والدليل أن السواد الأعظم للأندية مايزال يبحث عن نفسه، الأمر الذي أبقى الجميع يعيش على حافة الهاوية، وبالتالي لم يتغير أي شيء في محيط كرتنا، سواء تعلق الأمر بالمستوى الفني للعبة أو التأطير الإداري والهيكلي للأندية، وهو ما جعل كل المتتبعين يصفون التجربة الإحترافية بالفاشلة.. بعد أن ظلت عبارة عن حلم لم يتحول إلى حقيقة.