الوزير الأول, السيد سيفي غريب, يترأس, اجتماعا للحكومة    تنويه بعمق العلاقات التاريخية الوثيقة بين الجزائر والمملكة المتحدة"    إستراتيجية التوسع تندرج في إطار تخطيط "تدريجي ومدروس"    الجزائر « تعد جسرا اقتصاديا هاما يربط القارة الإفريقية بالعالم"    تطوير المشاريع المشتركة في صناعة النفط والغاز    المساعدات الغذائية التي تدخل غزة لا تزال غير كافية    إلى 68234 شهيدا و170373 مصابا    إتلاف 38 كلغ من لحوم الدجاج الفاسدة    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    بطولة العالم للجمباز الفني:الجزائرية كيليا نمور تنافس على ثلاث ميداليات في مونديال جاكرتا    كأس إفريقيا للسيدات 2026 / الدور التصفوي والأخير ذهاب : سيدات الخضر يطمحن لتحقيق نتيجة إيجابية أمام الكاميرون    الكاف يكشف: "الخضر" مرشحون لجائزة أفضل منتخب في إفريقيا    وزير الاتصال: إحياء اليوم الوطني للصحافة يعكس عرفان الدولة بجهود الإعلاميين ويجسد عنايتها بالقطاع    عين الدفلى..صيانة شاملة لشبكات توزيع الغاز الطبيعي    سعيدة.. بعث نشاط مصنع الورق والكرتون قبل نهاية السنة    سي الهاشمي عصاد:الترجمة إلى الأمازيغية أداة لترسيخ التنوع وتعزيز الوحدة الوطنية    ضمن مبادرة "الغرّة للآداب والفنون" بقطر : "من القلب إلى القلب" ..عروض موسيقية لإحياء المقام العربي الفصيح    مشاركة الديوان الوطني لحقوق المؤلف في أشغال الجمعية العامة للمجلس الدولي لمبدعي الموسيقى بجنوب إفريقيا    "والذين آمنوا أشد حبا لله"..صلاح العبد بصلاح القلب    فتاوى : الواجب في تعلم القرآن وتعليم تجويده    حملاوي تشرف على لقاء للجمعيات    نحو غرس مليون شتلة عبر الوطن    توقيف 7 أشخاص وضبط أسلحة ومهلوسات بالبليدة    تسارع وتيرة التطبيع بين المغرب والكيان الصهيوني    وزارة البريد تُحذّر    وزارة الشباب تحضّر لأرضية رقمية    رؤية جديدة لضمان الأمن المائي    البوهالي: الجزائر منارة علم    تاشريفت يستقبل نواباً    بوعمامة يُشدّد على الالتزام بالمعايير    استكشاف فرص شراكة فعّالة في ميدان الفضاء والدفاع    مستعدّون للعمل مع المؤسّسات الجزائرية لتطوير اقتصادي بلدينا    6 قتلى و196 جريح خلال 24 ساعة    تفكيك خلية إرهابية، تحييد إرهابي وتوقيف 7 داعمين للارهاب    سكان حي "بن حمزة1" بحمادي يطالبون بحلول واقعية    نحو زراعة 25 ألف هكتار من الحبوب بوهران    بيسط يشرح مقترح البوليساريو لتسوية القضية الصحراوية    الاحتلال الصهيوني يحتجز جثامين مئات الشهداء الفلسطينيين    بيسيرو يثني على عمل بيتكوفيتش مع "الخضر"    حاج موسى يفوز بجائزة جديدة في هولندا    لوكا زيدان الأحسن في نادي غرناطة الإسباني    بداية موسم الهجرة نحو الآثار القديمة بتندوف    لا داعي للهلع.. والوعي الصحي هو الحل    اهتمام روسي بالشراكة مع الجزائر في الصناعة الصيدلانية    توقيف 7 أشخاص وضبط مؤثرات عقلية    دعوة لإنشاء مركز وطني للتوثيق والنشر العلمي    علامة خالدة في تاريخ الموسيقى الجزائرية    شريفة عابد تكتب وجعها وتحيا في شافية    قال إن ذلك يتيح للكيان الصهيوني عقد تحالفات..فانس متفائل باستمرار وقف النار بغزة    5 ملايين مستفيد من صندوق الزكاة    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الإنفلونزا    ممثّلا الجزائر يتألقان    التلقيح المبكر يمنح مناعة أقوى ضدّ الأنفلونزا    الساورة في الصدارة    مديرية الصحة تدعو المواطنين خاصة المقيمين بسكيكدة وفلفلة للتلقيح ضد "الدفتيريا"    أدب النفس.. "إنَّما بُعِثتُ لأُتمِّمَ صالِحَ الأخلاقِ"    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    أفضل ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة من الراهن إلى تاريخ الموروث الشعبي من خلال رواية “حلم الجازية" لبدر السلام موفق
نشر في الجزائر نيوز يوم 20 - 04 - 2013

التراث الشعبي يعتبر نتاجاً للتراكم الثقافي والفكري المستمر، تعود جذوره إلى خبرات طويلة للشعوب منذ ما قبل التاريخ وحتى وقتنا الحاضر. جسّد فيه الإنسان معاناته وأحلامه وطموحاته المشروعة، وارتباطه الكبير بأرضه واستقراره ودفاعه المستميت عن حاضره ومستقبله... تكوّن التراث الشعبي داخل المجتمعات الإنسانية القديمة منذ بداياتها الأولى، نتيجة التفاعل الحيوي بين الإنسان وبيئته الطبيعية والاجتماعية، والتأثر والتأثير المتبادل بين المجتمعات المختلفة، والثقافات المتجاورة والأفكار المتباينة، ليشكل في النهاية منظومة فكرية شعبية إنسانية عظيمة.. والحكاية الشعبية هي إحدى جوانب التراث الأساسية، الذي يصور فيها بدقة واقع حياة عامة الشعب من عادات وأعراف وعقائد وفنون، نتعرّف من خلاله على نفسية أفراد المجتمع وفكرهم، وأخلاقهم ومعاناتهم، فهي تمثل المأثورات والخصائص التي تشكل الشخصية القومية والهوية الوطنية للإنسان العربي في حقبة ما من التاريخ، والموروثات الشعبية تصوّر جوانب حياة الناس اليومية الثقافية والسلوكية، من حكايات وأمثال وحكم وتقاليد الأفراح والأحزان والأعياد وأغاني وأهازيج وعدّويات ودبكات والزي الشعبي والمسكن وأشكال المعيشة وغيرها، ممَّا ورثته الأجيال بعضها عن بعض على مر التاريخ، حتَّى وصلتنا كما نعرفها في صورتها الحالية. وفي الوقت الراهن نرى أن معظم الصور التراثية بدأت تتلاشى وتندثر مع تقدّم الزمن، فتوقف العمل بها منذ أكثر من ربع قرن بعد التطور الاجتماعي والثقافي والتقني الهائل وظهور وسائل الإعلام الحديثة من تلفاز وإذاعة وصحف وكتب واتصالات، التي عملت بقوة على إزاحة الموروثات الشعبية التراثية عن مكانتها فأهملها الناس ولم يعودوا يشعرون بالحاجة لممارستها. الأولاد لم يعودوا يلتفون حول الجدّة، لتروي لهم حكاياتها الجميلة الساحرة، بعد أن حلّت (الشاشة الصغيرة) محل الجدّة، كجدّة حديثة متطورة بالإضافة إلى الكتب والمجلات الأدبية، التي أصبحت أكثر ملاءمة لعقلية الإنسان الراهن وثقافته ونفسيته وطموحه، حيث امتزج قلق الإنسان ومعاناته من واقعه، بخوفه الدائم من المستقبل المجهول، وتحوّل هذا الخوف إلى طموح وأحلام مشروعة في العيش المريح والسعادة والعدل والسلام، فصاغ الإنسان منذ القديم معاناته وأحلامه على شكل قالب قصصي جميل، أضفى عليها الخيال كثيراً من السحر والجاذبية والتشويق. فكانت الحكاية الشعبية خلاصة الفكر الاجتماعي والنفسي والحضاري صبغتها بطابعها الخاص الذي ميَّزها عن غيرها من الأمم، رغم التشابه في كثير من المضامين والأشكال التراثية مع المجتمعات الإنسانية الأخرى... وهنا من خلال روايته “حلم الجازية" يرجع بنا الصديق بدر السلام موفق، إلى أهم حقبة مرّ عليها التاريخ الجزائري والعربي وهي بما يسمى “تغريبة بني هلال" التي يصفها العلامة ابن خلدون بانتقال العرب إلى إفريقيا، وتعرف كذلك ب “الهجرة القيسية" نسبة إلى أن أغلب القبائل المهاجرة تحت الراية القيسية من العرب. يركز كاتب الرواية على اثنين من بني هلال هما الجازية ودياب بن غانم اللذان لعبا دورا مهما في التغريبة الهلالية، والتي قامت أصلا حول صراع القيم مع السلطة، صراع الحب والحقد والتي عرفت بها الحكايا الشعبية القديمة. يعود بنا بدر السلام موفق من خلال روايته إلى أهم حقبة تاريخية تتمثل في الصراع مع الحاضر الذي نعيشه، رواية “حلم الجازية" هي قراءة تاريخية ونقد انفعالي لواقع راهن تتمحور أحداثها حول الشهوة، شهوة الذات، شهوة السلطة، شهوة الحب وكل هذا بين المقدس والمدنس في التاريخ. والرواية هنا جاءت بكل ما يتعلق ببناءها وتركيبها التاريخي وصوغها صياغة حكائية وسردية، وذلك أن الوصول إلى تلك الصياغة الروائية تَطَلَّب تأليف مجموعة من العناصر المختلفة والمتنوعة؛ معظمها مستمد من الوقائع التاريخية التي وقعت، ومن حياة أشخاص تاريخيين واقعيين.
وقوام ذلك التأليف هو مجموعة من المصادر والوثائق المختلفة التي يمكن التأكد منها في عالم الكتابة التاريخية والوثائقية. ناهيك عن المشاكل التي تثيرها مثل هذه الوثائق في تنوعها واختلاف مصادرها الجزائرية والعربية. وقد فرضت هذه المادة التاريخية المختلفة والمتنوعة على الكاتب أن يبحث عن شكل صوغي تخييلي، يجمع كل تلك المواد والوثائق في سرد روائي يعطي لذلك الزمن التاريخي بعداً فنياً يبعده عن التاريخ الحدثي، ويرتبط به في نفس الوقت بمسافة فنية يخلقها ذلك الصوغ الحكائي والسردي الذي قد يقول، أو يحيل على ما يحيل عليه الحدث التاريخي. ولكن قد يتجاوزه ويغنيه ويسائله في نفس الوقت. لعل أن صاحب الرواية “حلم الجازية" يريد من خلال عمله، البحث عن حقيقة الواقع الغائبة في رؤياه من خلال الرواية التاريخية وهنا يحاول تقليد الروائي واسيني الأعرج في “كتاب الأمير" معلنا عن تأثره بالموروث الشعبي المتداول عبر الأزمنة. كما يعتبر المكان في رواية “حلم الجازية" أحد مكونات البنية الحكائية لها، ولا بد منه لفهم الإطار العام للأحداث، ففيه تتم جميع مشاهدها وفقراتها وحواراتها، سواء أكان ذلك حقيقة أم خيالاً، واقعاً أم مبتدعاً... وبعبارة أخرى يمكننا القول “العمل الأدبي حين يفتقد المكانية فهو يفتقد خصوصيته، وبالتالي أصالته" ولما ارتبط المكان بالأديب ارتباطاً وثيقاً؛ راح يطبعه بطابعه ويصقله بقالبه، فأثر في مشاعره وطغى على أحاسيسه، بكونه بيت للذكريات “الحقيقية أوالمُتَخيلة" وإطار لأحداث الرواية التي يكتبها، فالبيت لم يعد مجرد جدران فحسب، والحقول ليست أشجاراً فقط، بل أخذت منحى رمزياً يرتقي بها إلى درجات أسمى تمثل الإحساس بكل جوانبه، أي أن الصورة الفنية والمكان والذكريات المستعادة ليست معطيات ذات أبعاد هندسية، بل مكيفة بخيال وأحلام يقظة المتلقي ومن هنا نرى أن المكان ليس خاصاً بالسارد فقط، بل يتعدى ذلك إلى المتلقي الذي يرى من وصف مكان الرواية وصفاً لمكانه الخاص... ويكمن جمال التحدث عن المكان في رواية “حلم الجازية" لصاحبها بدر السلام موفق، بتبادل الأدوار بين السارد والقارئ، فبذلك يصبح القارئ سارداً، ويتقمص شخصه، ويفهم أبعاد الأحداث كلها من خلال هذا التقمص. وأخيرا الرواية غالبا تعالج التاريخ، فحضور التاريخ في الرواية العربية هو نوع من الهجرة الفكرية المعاصرة إلى تقاليد الأصول، بدر السلام موفق في روايته “حلم الجازية" أبدع في هجرته الحكواتية من الواقع الراهن إلى التاريخ.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.