يقول إرنست همنغواي إن الإنسان يحتاج إلى سنتين ليتعلم الكلام وخمسين ليتعلم الصمت، وأظن أن السلطة عندنا تسير وفق هذه الحكمة الذهبية التي تجنبها الدخول في صدام مع الشعب “اللي يحب يفهم كلش وما قدرش". نعم عُمر الدولة خمسون سنة وعليه فقد تعلّمت لعبة الصمت القاتل خاصة فيما يتعلق بالملفات والقضايا التي لا تحتاج إلى ثرثرة كثيرة ويتم التعاطي معها بصمت رهيب لا يقدر عليه إلا متمرس قادر على ضبط الأعصاب والأفواه. تصوروا مثلا وهو مجرد تصور فقط لو فتحنا من جديد ملف التسعينات الملطخ بالدم فماذا يمكن أن يقال... أكيد لا شيء. لو فتح ملف الاختلاسات الكثيرة والشكارة والفساد القديم والجديد ماذا سيقال...أكيد لا شيء. لو حاولنا فهم ما يخرج ويدخل في الحاويات الكثيرة وسألنا عن مُلاكها وأصحابها ومحتوياتها، ماذا يمكن أن يقال...لا شيء. لو أردنا أن نعرف كيف يُعين فلان وكيف يقال علان وما هي المعايير الضابطة ماذا يمكن أن يقال...لا شيء. لو أردنا مثلا أن نفهم كيف تصبح المعارضة عشيقة السلطة في ليلة واحدة، تنادمان بعضهما بكأس واحد وتنامان على سرير واحد وتصبحان أيضا على فكرة واحدة، ماذا يمكن أن يقال ...لا شيء. لهذا كله يجب أن نتعلم من سلطتنا كيف “نضرب النح" لأن الكلام في الأصل نوعان، كلام فارغ وكلام مليء بالكلام الفارغ !