الفريق أول شنقريحة يستقبل رئيس أركان القوات البرية الهندية : بحث سبل التعاون العسكري والأمني بين الجزائر والهندي    وفاة 332 فلسطينيا بينهم 124 طفلا جراء التجويع الإسرائيلي : غزة تباد.. إسرائيل تقتل 26 فلسطينيا وتنفذ عمليات نسف بعدة أحياء    إيران: اعتقال 8 أشخاص مرتبطين بالموساد في خراسان    بقيمة 8,5 مليار دولار.. أمريكا توافق على بيع أنظمة باتريوت للدنمارك وأوكرانيا    انطلاق المهرجان الثقافي والفني "صيف معسكر"    استلام أول مركز جواري لتخزين الحبوب بولاية المنيعة    إفريقيا, قارة بإمكانات اقتصادية هائلة ترشحها لقيادة النمو العالمي    وفد برلماني جزائري يزور كونغرس غواتيمالا ويبحث تعزيز التعاون الثنائي    الجزائر تترأس اجتماعا لتعزيز التنسيق بين مجلس السلم والأمن الإفريقي والمجموعة الإفريقية بالأمم المتحدة    عدم منح تأشيرات للوفد الفلسطيني للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة: منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن أسفها للقرار الأمريكي    "سيال" تكثف برامجها التحسيسية لترشيد استهلاك الماء الشروب    حصيلة ثقيلة: 9 وفيات و664 جريحاً في حوادث مرور خلال 48 ساعة    إجلاء طفلين مصابين بحروق خطيرة إلى مستشفى وهران عبر مروحية للحماية المدنية    إفريقيا... من "مخزن مواد أولية" إلى قطب اقتصادي عالمي صاعد    بداري يتفقد مركز البيانات بالوزارة    فرصة لدفع منطقة التجارة الحرّة نحو نتائج ملموسة    بن جامع يؤكّد ضرورة إنهاء الاحتلال الصهيوني    هل ستصبح أوكرانيا مجرد طابع بريدي؟    بيتكوفيتش: أريد لاعبين مُتعطّشين..    مواجهات نارية في دوري أبطال أوروبا    هذه أوامر الرئيس..    مزيان يُشدّد على أهمية الاتصال المؤسّساتي    سيفي غريّب: ينتظرنا الكثير..    برمجة استلام مؤسّسات تربوية جديدة بباتنة    بللو يشرف على لقاء حول الكتاب والثورة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    جامع الجزائر يحتفي بالمولد النبوي    تحكيم بوروندي ورواندي لمواجهتَيْ الخضر    ولاية الجزائر تنظم الطبعة السابعة من حملة التنظيف الكبرى    إنفانتينو يعزّي في وفاة رئيس "الفاف" السابق يسعد دومار    معرض التجارة البينية نافذة استراتيجية لإبراز قدرات الجزائر    لا مساس بقوت الجزائريين    افتتاح المهرجان الدولي للموسيقى والرقص الفلكلوري للشباب    القضية الصحراوية تحقق انتصارا آخر في أبوجا    المرصد الوطني للمجتمع المدني ينظم الجامعة الصيفية للجمعيات الثقافية بالجزائر العاصمة    مرصد المجتمع المدني ينظم جامعة صيفية للجمعيات الثقافية    حين يقف جيل اليوم على تضحيات صنّاع الاستقلال    "الفاف" تعزّي في وفاة الدولي السابق عبد الله مجادي    عزم لا يلين وإرادة من حديد لتسليم المشروع في آجاله    المنتخب الوطني لأقل من 23 سنة يتأهل لمونديال الصين    الجزائري ياسين حمزة يحتفظ بالقميص الأخضر    تركيب محوّل كهربائي جديد بمنطقة "السرول"    سيارات الأجرة محل تفتيش    عرفان بأحد أعمدة الفن التشكيلي في الجزائر    أوامر لتنظيف البالوعات ومجاري المياه    كرة القدم: جياني إنفانتينو يعزي الاتحادية الجزائرية في وفاة رئيس "الفاف" السابق يسعد دومار    افتتاح المهرجان الدولي الأول للموسيقى والرقص الفلكلوري للشباب بالجزائر العاصمة    ترشيد استهلاك الماء الشروب: سلوكيات بسيطة تساهم في استدامة هذه الثروة الثمينة    كرة القدم (مدربين/تكوين): اختتام الدورة الخاصة بنيل شهادة "كاف أ" للمجموعة الثانية    الإعلان عن القائمة الأولية للوكالات المؤهلة    قائمة أولية ب50 وكالة سياحية لتنظيم حج 2026    حج/وكالات/قائمة تنظيم حج 1447ه/2026م: الإعلان عن القائمة الأولية لوكالات السياحة والأسفار المؤهلة    المولد النبوي يوم الجمعة    وزير الصحة يلتقي السفيرة الأمريكية بالجزائر    "صيدال" تتطلع لتوسيع أسواقها في القارة    يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    ذكرى المولد النبوي الشريف ستكون يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    لا إله إلا الله كلمة جامعة لمعاني ما جاء به جميع الرسل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة إلى سيدي بلعباس.. 2- ألبوم الأصدقاء
نشر في الجزائر نيوز يوم 18 - 08 - 2013

قضى دميم عبد القادر حياته كلها في مدينة سيدي بلعباس، عندما كان طفلا وشابا كان يسكن رفقة عائلته في قلب سيدي بلعباس، طريق وهران داخل حوش كان يتسع إلى ثلاث أو أربع عائلات..
كان عبد القادر صاحب الوشم الغامق بين الحاجبين والطول الفارع والعينين المشرقتين والإبتسامة المعلقة على الثغر بشكل دائم، يلي أخاه نور الدين الذي يكبره بحوالي ثلاث سنوات.. ويليه أخوه الزواوي وأخته الزواوية وهي آخر العنقود في العائلة، وعندما سألت والدته ذات يوم عن اختيارها لاسمي، زواوي وزواوية، قالت لي إنها زارت الولي الصالح سيدي الزواوي بعد وفاة طفل لها تلى عبد القادر، ليقيها شر عين الحسود ويحفظ لها ذريتها.. كان عبد القادر شابا حالما، وربما لهذا كان يميل إلى الموسيقى الرومانسية الفرنسية التي كانت تشكل غزوة أكبر قلوب الشباب الصاعد في سنوات السبعينيات.. درس عبد القادر في مدرسة إبن سينا التي لم تكن تبعد عن الحوش الذي كانوا يقطنون فيه، وعندما انتقل إلى المتوسط درس بإكمالية إبن زيدون وبرتودو الواقعة في ثانوية النجاح، وفي ذلك الوقت تعرفنا إلى بعضنا وصرنا أصدقاء رفقة شباب حالمين آخرين، كنا نتردد على مكتبة البلدية التي كان يسيرها الحاج طلحة بوسط مدينة سيدي بلعباس قرب مبنى الكونسارفاتور ومسرح المدينة الذي شهد مدراء من طراز الفنان الشهير الصايم لخضر والروائي كاتب ياسين.. وهو لم يتجاوز سن السابعة عشر عرف عبد القادر تجربة حب عميقة زلزلت كيانه وفجرت في أعماقه طاقة في الكتابة الشعرية والقصصية، وفي تلك الفترة كنا نتبادل الكتابات والمحاولات الشعرية التي قادتنا إلى النهل من الكتب التي كانت متوفرة بشكل كبير في مكتبة البلدية، منها كتاب جزائريون مثل محمد ديب الذي كان له أثره العميق على تكوين عبد القادر وكاتب ياسين وآسيا جبار، وأذكر أن عبد القادر شرع وهو لا يزال تلميذا في ثانوية الحواس في العام 1978 في كتابة رواية تروي حكاية حبه العاصف مع تلك الجارة، الشابة ذات العينين العسليتين والشعر الذهبي والجسم المقدود.. ولقد قرأنا نحن أصدقاؤه الرواية وفصول منها بإعجاب وفخر.. كنا ننتظر أن يصبح عبد القادر من الكتاب الجزائريين الكبار الذين يواصلون طريق محمد ديب ومولود فرعون.. لكن عبد القادر سرعان ما تخلى عن هوايته في الكتابة وتفرغ بشكل خاص إلى دراسته عندما أصبح في فرع العلوم.. ووضع نصب عينيه أن يصبح طبيبا من أجل أن يحسن من وضع عائلته الاجتماعي، ولقد ازداد عزمه أن يصبح طبيبا عندما ابتليت والدته خالتي فاطني بمرض السرطان.. عندما تحصل عبد القادر على شهادة البكالوريا، انتقلت أسرته إلى حي الطوبا، حيث تقيم جدته وأصبح حبه الأول في عداد الذكريات بحيث لم يعد يلتقي بحبيبته التي تأكد أن عائلتها لم يكونوا على استعداد أن يقبلوا أن يتزوجها هذا الشاب المنحدر من وسط متواضع.. وأنا في الطريق تتهاطل الصور كالغيث من سماء الذاكرة، وتبدو أثناءها الفضاءات الممتدة وسيارة اللوڤان تلتهم الإسفلت كالكتاب المفتوح.. ها هي لحظة من تلك اللحظات التي لا يمكن أن تنسى في بيتنا العتيق بڤومبيطا في صيف عام 1979 ونحن نحضر البكالوريا معا، ندرس مواد الفلسفة والآداب واللغة الفرنسية والإنجليزية.. وها نحن مع فؤاد ومهيدي تارة في منزل صديقنا مهيدي المطلة مساحته الصغيرة المحاطة بالأشجار والنباتات الصغيرة على وادي ماكرة الساكن أحيانا، والغاضب أحيانا أخرى.. ننسج الأحلام والصور القادمة.. ها هو مهيدي في ريعان الشباب، ذو العينين اللامعتين وبشرة فاتحة ووسامة وضاءة.. عندما أسعى إلى استعادته من جديد، أتذكر شابا لا يتجاوز ال20 مسكونا بالأسئلة الوجودية، وهذا ما كان يجعلنا نجلس معا لساعات نناقش أعمالا فلسفية ومسرحية لجون بول سارتر ونحن لازلنا في المرحلة الثانوية، مثل "الرحمن والشيطان" و"الذباب" و"الجدار" وكذلك قراءات أخرى كانت تتعلق بالتساؤلات الكبرى التي كانت تسكننا وتزلزل يقيننا حول وجود الله، ويوم الآخرة، ومسائل مثل الخير، الشر، الحب و الجمال... في تلك الفترة كان مهيدي الأقرب إليّ من حيث طرح التساؤلات الوجودية، وهو إلى جانب ذلك كان صاحب ذاكرة رهيبة، فكان يردد على مسامعنا أبياتا عديدة من قصائد أبي العلاء المعري، والمتنبي، وأبي تمام... وكذلك بودلير صاحب ديوان "أزهار الشر"... كان مهيدي موهوبا في مادة الرياضيات، وعندما تحصل على شهادة البكالوريا تم اختياره ليكون من الطلبة المبعوثين إلى الاتحاد السوفياتي آنذاك... وقضى هناك أكثر من خمس سنوات، وعندما كنا نلتقي في المنتصف الأول من الثمانينيات أصبحنا ومهيدي أشد قربا، وراحت إلى حد ما الفلسفة الماركسية توحد بيننا، فلقد أصبحت يومها وأنا طالب بمعهد العلوم السياسية بالجزائر العاصمة أميل إلى اليسار الماركسي.. فكنا نلتقي لساعات وهو يحدثني عن قصر الكرملين، وعن لينين وستالين، وعن الحياة الثقافية بشكل خاص في الاتحاد السوفياتي، في حين أن أصدقاءنا مثل عبد القادر وفؤاد ومدني وآخرين أصبحت لهم توجهات ليبرالية وأصبحوا أشد محافظة على المستوى العقائدي، كما أنهم أصبحوا أكثر ابتعادا عن عالم السياسة والإيديولوجيا الذي جذبنا أنا ومهيدي، عاد مهيدي إلى سيدي بلعباس بعد منتصف الثمانينيات، لكنه سرعان ما خاب أمله عندما التحق بإحدى المؤسسات العمومية التي تسيطر عليها البيروقراطية ووضع في الهامش، بحيث أصبح يشعر بالملل والفراغ... وكان يقول لي إنهم لم ينظروا إليه بعين مرتاحة، فلقد كان ديبلومه وخبرته في التبريد يشكل بالنسبة إلى البيروقراطيين خطرا... عاد من جديد إلى الإتحاد السوفياتي لكنه ليرجع بعد وقت قصير، ووافقت عائلته أن يتزوج بفتاة بولونية كان قد تعرف عليها في الإتحاد السوفياتي، وفي ذات يوم عزمني مهيدي إلى منزل والديه حيث قضينا وقتا جميلا في زمن سابق وعرّفني على زوجته ذات الجمال الباهر، والقامة الباسقة والطيبة المتدفقة... وتحولت في وقت قصير إلى ابنة بلد أصيلة، وأنجب منها مهيدي، ولدين أمين وجنات، لكن سرعان ما سينقلب الوضع رأسا على عقب في التسعينيات عندما تدخل الجزائر في نفق مظلم وفترة وحشية ودموية، كان الأجانب أحد المستهدفين من طرف الجماعات السلفية المسلحة... وأتذكر كيف تحولت الحياة إلى جحيم بالنسبة إلى مهيدي وزوجته وكان ينتظر في كل لحظة أن يكون وزوجته ضحية المتطرفين... ضاقت الدنيا بالزوجين ووجدا في لحظة انسداد وقنوط تشجيعا من العائلة ليغادرا الجزائر، وبالفعل اتجه مهيدي وزوجته إلى بولونيا حيث يقيم أهلها، ولم تمر أيام حتى كانت زوجة مهيدي فقدت والدها... واتفقا أن يقضيا حياتهما في بولونيا.. ويقول لي مهيدي فيما بعد إنه لم يستطع البقاء بعد وقت في بولونيا ووجد نفسه موزعا بين أهله وزوجته، وكانت النهاية هي العودة إلى الجزائر وبالتالي الطلاق مع زوجته البولونية التي أحست بالرعب في الحياة من جديد في الجزائر.. عاد مهيدي إلى الجزائر لبدء حياته من الصفر وقضى وقته يسهر على ابنته التي جاءت برفقته إلى الجزائر.. وبعد سنوات حدث تحول كبير في حياة مهيدي بحيث أصبح أكثر محافظة وأكثر ميلا للتدين والانجذاب بقوة نحو الحياة الروحية... الآن يشتغل مهيدي لحسابه الخاص، ويتفرغ إلى حياته وحياة أسرته الجديدة وأبنائه الجدد... أما فؤاد صديقنا الثالث، فهو أصيل مدينة العربي بن مهيدي (بورساي) ابن أحد أبطال الثورة الجزائرية في منطقة الغرب الجزائري، وعندما استشهد ترك ابنه فؤاد من خلفه ولقد نشر مقالا حوله في العدد الأربعة والثلاثين من جريدة المقاومة الجزائرية أيام الثورة، جاء فيه ".... محمد المنور (والد فؤاد حسين) من صميم الأوساط الشعبية من بادية بورساي السعيدية على الحدود الجزائرية المغربية الشمالية، وعندما دق جرس النفير إلى الثورة التحريرية على الاستعمار الفرنسي لبى مسرعا نداء الوطن وتطوع في وحدات جيش التحرير بتاريخ 25 مارس 1956 ،ومنذ ذلك التاريخ وهو يكافح إلى جانب إخوانه من مجاهدي الكتيبة في المنطقة الثانية التي تمتد من الحدود الجزائرية المغربية إلى وادي تافنة والتي تمتاز بجبالها التاريخية فلاوسن، وجاء المقال تحت عنوان "مجاهد جزائري كأنه بعث من القبر"، بحيث أشار إلى الدور النضالي الذي لعبه والد حسين فؤاد بحيث يقول "لقد خاض محمد المنور جميع المعارك التي جرت في هذه الناحية، وبالأخص معركة فلاوسن بتاريخ 13 مارس 1957، والتي قتل أثناءها 150 جندي من عساكر العدو".
كانت الصور تأتي من بعيد، كان الليل يبعث في النفس إحساسا يدل على فرحة اللقاء من جديد بمدينة سيدي بلعباس... كانت الساعة تشير إلى الواحدة صباحا عندما وصلنا إلى حي ڤومبيطا... بينما كان أناس لازالوا يتبادلون أطراف الحديث في مقاهي ڤومبيطا..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.