النص الكامل لبيان اجتماع مجلس الوزراء    المدير التنفيذي لشركة "إيني" الإيطالية: علاقاتنا مع الشركاء الجزائريين "متميزة للغاية"    المغرب: تفاقم أزمة المياه في ظل سوء تسيير حكومة المخزن    رئيس الجمهورية يستقبل سفير المملكة الأردنية الهاشمية    حيداوي يشيد بإصلاحات الرئيس تبون لتعزيز دور الشباب في بناء الجزائر الجديدة    استكمال أشغال خط السكة الحديدية تندوف – غارا جبيلات بطول 135 كلم    رئيس الجمهورية يستقبل المدير التنفيذي لعملاق الطاقة الإيطالي شركة " إيني"    عطاف يستقبل من قبل رئيس البرلمان السنغافوري    الاعلام الصحراوي يندد بممارسات الاحتلال المغربي في قمع الأصوات الحرة    كرة القدم/ كأس العالم للأندية 2025 - الدور نصف النهائي: تعيين الجزائري غربال حكما رابعا لمباراة باريس سان جرمان - ريال مدريد    كذبة أدبية كبيرة اسمها: "ورشة كتابة الرواية!"    رحلات هادئة عبر الخوف    الشلف: انطلاق البث الرقمي بالفيديو من إذاعة الشلف في خطوة نحو التحول الإعلامي الرقمي    إيداع مشتبه فيه رهن الحبس المؤقت    بيوت تتحوّل إلى ورشات في عاشوراء    ضرورة تضافر جهود مختلف الشركاء لحماية الطفولة    كيف يباع مصير غزة والضفة بلا ثمن؟    بولتون: الاستفتاء الحل الوحيد للقضية الصحراوية    أنصار اتحاد الجزائر يحتفلون ب التاسعة    مسرحية النصف الآخر تفوز بجائزة العنقود الذهبي    الصيدلية المركزية للمستشفيات تؤكد التزامها بضمان وفرة المستلزمات الطبية عبر التراب الوطني    موجة حر شديدة وأمطار رعدية مرتقبة على عدد من ولايات الوطن يومي الاثنين و الثلاثاء    رفع الاثقال/ البطولة الوطنية (أكابر, أواسط, أشبال) : أكثر من 300 مشارك في الطبعة ال60 بوهران    أزيد من 2400 سائق مسجل في تطبيق "طاكسي سايف" لطلب سيارات الأجرة المعتمدة    فولفسبورغ الألماني : عمورة يتعافى من الإصابة ويندمج في تحضيرات الموسم الجديد    ميلان يوجه إهانة قاسية لياسين عدلي..وجه نادي ميلان الإيطالي إهانة قاسية لياسين عدلي، قبل ضربة انطلاق استعدادات الموسم الجديد    كأس إفريقيا للأمم للسيدات 2024: انتصار مهم للجزائر أمام بوتسوانا    مرصد صحراوي يدعو إلى فتح تحقيق في أنشطة الشركات المتورطة في نهب موارد الصحراء الغربية    كرة القدم (الرابطة المحترفة الاولى" موبيليس"): مهدي رابحي يستقيل من رئاسة مجلس إدارة شباب بلوزداد    سوق أهراس : إعادة فتح المسرح الجهوي مصطفى كاتب بعد أشغال تهيئة شاملة    اللقاء الوطني للفنون التشكيلية بمعسكر : لوحات زيتية تسلط الضوء على شخصيات تاريخية    خنشلة: اكتشاف جديد لفسيفساء خلال حفرية علمية بالموقع الأثري بضفاف سد بابار    وزير المجاهدين يعزي في وفاة المجاهد أحمد بوحيرد    خريف الغضب يطيح بفرنسا..؟!    رئيس الجمهورية يترأس حفل استقبال بالنادي الوطني للجيش    عملية إعادة تشغيل ثلاثة أرصفة لتعزيز قدرات معالجة الحاويات    جامعة الجلفة تناقش 70 مذكرة تخرج    ضرورة بناء جبهة إعلامية موحدة للدفاع عن الجزائر المنتصرة "    ارتفاع الحصيلة إلى 57418 شهيدا    الصحراء الغربية : إصابة ثلاثة أشخاص بالأراضي المحتلة    ارتفاع حصة الجزائر بدءاً من أوت    ناصري: الجزائر ستبقى سيّدة    هذا جديد الجوية الداخلية    2.2 مليون منزل متصل بالألياف البصرية    نهاية مهمة بن يحيى    ما هي الهالات السوداء    كالثلج بسرعة لن تصدقي جمال أبتسامتك    هذا نصاب الزكاة بالجزائر    من اندر الاسماء العربية    طريقة تنظيف ثريات الكريستال بعناية وخطوات سهلة    جامع الجزائر : ندوة علميّة تاريخيّة حول دروس عاشوراء وذكرى الاستقلال    صدور "خراطة من الاحتلال إلى الاستقلال"    توقرت: قطاع الصحة يتدعم بعيادة طبية نموذجية متعددة الخدمات    سورة الاستجابة.. كنز من فوق سبع سماوات    نصاب الزكاة لهذا العام قدر بمليون و ستمائة و خمسة عشر ألف دينار جزائري    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رهانات المستقبل .. 3/3
نشر في الجزائر نيوز يوم 16 - 03 - 2014

خلال فترة الستينيات والسبعينيات، كان هناك تباين في طبيعة الأنظمة من جمهورية إلى ملكية وإلى أنظمة قائمة على حكم السلطان أو الأمير، وفي المقابل، كان هناك اختلاف في المواقف والسياسات بين مختلف هذه الأنظمة، وخاصة بين الأنظمة ذات الحكم الملكي التي كانت توصف بالرجعية وبين الأنظمة والحكومات الجمهورية التي كانت توصف بالوطنية أو بالتقدمية.
غير أن بعض المواقف، ومن بينها المواقف الشجاعة للملك السعودي الراحل فيصل والتي يمكن وصفها بالمواقف الثورية الراديكالية وزيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى القدس في ال19 نوفمبر 1977، قد أسقطت مثل هذه التباينات والمصطلحات، وغيرت بعض القناعات تجاه المصطلح، وإن كان تشكل ما عرف بجبهة الصمود والتصدي في 1977 من دول تنتمي كلها لجمهوريات: هي الجزائر، العراق، سوريا واليمن الديمقراطية قبل التوحيد وليبيا، إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، طرح هو الآخر بعض التساؤلات عن التمايزات بين الدول العربية ملكية وجمهورية بالرغم من أن بعض الدول العربية الملكية كانت في الظاهر على الأقل ضد تلك الزيارة وتبعاتها على التضامن العربي الذي برز خصوصا في أعقاب حرب أكتوبر 1973، والقرارات المتعلقة بإدخال المحروقات في تلك الحرب عبر ما عرف بحظر بيع النفط العربي للدول المساندة لإسرائيل.
ولذلك، يطرح العديد من المراقبين السياسيين اليوم تساؤلات عن سر هذا الربيع العربي حسب وصف أصحابه الغربيين أنفسهم، وخاصة أنه لم يمس سوى دول الصمود ذات الطابع الجمهوري باستثناء الحالتين التونسية والمصرية، أي معظم تلك الدول التي عارضت أي شكل من أشكال التطبيع أو العلاقات مع إسرائيل.
ثم إن هذا الربيع، الذي تُوجَ كذلك بتقسيم السودان إلى شطرين، سُبق قبل ذلك باحتلال العراق، الأمر الذي يَصُبُّ في النهاية لمصلحة إسرائيل أساسا ولصالح القوى الغربية الطامعة في ثروات الوطن العربي والتي ما تزال تحِنُّ إلى الإنتقام من عدد من الدول النفطية العربية بسبب التبعات التي أحدثتها حرب أكتوبر 1973 على اقتصادياتها وعلى سياساتها عموما، والتي اعتُبِرتْ إذلالا للغرب من قبل العرب وخاصة أمريكا التي هدد وزير خارجيتها آنذاك هنري كيسنجر بالإنتقام من تلك الدول.
ولا يجب هنا أن ننسى أن الجزائر عاشت ربيعها قبل الآخرين، بفعل أحداث أكتوبر 1988 وكذا التبعات التي خلفتها العشرية الدموية في التسعينيات والتي كلفت الشعب الجزائري ثمنا باهظا، وقد كاد مصير الدولة يتحول إلى الصوملة لولا تماسك الجيش الشعبي الوطني ووقوف مختلف القوى الوطنية لحماية الدولة من الإنهيار.
إن تلك الثورات، تظل في اعتقادي مجرد انتفاضات أو أحداث جاءت متزامنة من نهاية 2010 إلى مطلع 2011، حيث انتهت بسقوط كل من زين العابدين ومبارك، في تونس ومصر ومقتل القذافي في ليبيا وتنحي علي عبد الله صالح في اليمن وتتابع الأحداث الدموية في سوريا إضافة إلى تقسيم السودان إلى دولتين.
وصف بعضهم ما وقع في تلك البلدان بأنه ثورة، ووصف آخرون ذلك بالربيع العربي، وفي اعتقادي أن كِلىْ المصطلحين مظلومين.
فالثورة ليست بهذه الدرجة من الإبتذال، إنها فعل يكاد يكون مقدسا وهي من عمل نخبة مميزة في فكرها وتخطيطها وتنظيمها وبعدها ورؤيتها المستقبلية، وتصبح تلك الثورة بعد ذلك من صنع الشعب في عمومه عندما يتبناها ويدفع بها للأمام، وهي ليست من صنع فرد مهما كانت شجاعته وعبقريته وكاريزميته، إنها محصلة تجارب وإرهاصات، وتهدف إلى التغيير النوعي الشامل لتحقيق غايات نبيلة مثل الحرية والإستقلال و المساواة وتحقيق العدالة الإجتماعية والديمقراطية ونيل الحقوق والحريات الفردية والجماعية واقتسام الثروات بعدالة بين المواطنين، وهي ترمي كذلك إلى مواجهة الظلم والقهر والتصدي للإستبداد بكل أشكاله ومخلفاته وتحقيق الرفاهية في أوساط الشعب والقضاء على البطالة وصولا إلى تحقيق دولة العدل والحق والقانون.
وحتى إن صدقنا أن ما حدث كان ربيعا، فالربيع يحمل معه مظاهر البهجة والفرح والإخضرار وليس مظاهر الدماء والدموع والخراب والتدمير واللا أمن كما فعل ربيعهم المستورد هذا المحمول عبر الطائرات المقنبلة والتفجيرات والسيارات المفخخة وتقسيم الشعب إلى مِلل ونِحل وطوائف ومذاهب أو حاملا للإرهاب المدمر في بلدان كانت تنعم رغم عيوب أنظمتها بالأمن والإستقرار.
لقد كان من بين الإرتدادات الأولى لهذا الربيع العربي أنه أدى إلى ما يلي:
1/ دمر إلى حد بعيد الشكل القائم للدولة العربية الوطنية في مختلف البلدان التي مسها هذا الحراك المتزامن والسريع رغم ما في أنظمة تلك البلدان من مظاهر سلبية.
وإذا كانت الدولة حسب مختلف النظريات والتعريفات المتداولة هي الأساس والعنصر الدائم وأن الحكم هو عكس ذلك باعتباره عارضا ووقتيا، فإن الذي كشفته الإختلالات التي شهدها الوطن العربي خلال الفترة الأخيرة، أن الدولة أصبحت في ممارسات كثير من الحكام والأنظمة مجرد ظاهرة عارضة وأن أنظمة الحكم هي الدائمة.
2 / دمر المنظومة الأمنية تدميرا يكاد يكون شاملا وأحدث خللا في منظومة القيم الإجتماعية والثقافية والإقتصادية والسياسية، وزرع بذور الفتن والصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية في مختلف البلدان، وهو يكاد يؤدي إلى تفتيت بعض البلدان التي لم تعرف إطلاقا منذ نشأتها مثل هذا الخلل، خصوصا ليبيا التي زُرعت فيها الميليشيات التي راحت تعبث بالأمن والإستقرار وباتت تهدد كيان الدولة رغم هشاشته في عهد النظام السابق، وخاصة إذا ما أعدنا إلى الأذهان أن نظام القذافي لم يترك مؤسسات قائمة من شأنها أن تحافظ على كيان الدولة مثل الجيش والمؤسسات الأمنية والمؤسسات المنتخبة ديمقراطيا، أو مصر التي تحول فيها الإسلام السياسي إلى قوة مخيفة زارعة للرعب والإرهاب، وحيث بات هذا البلد الضارب في الحضارة مهددا بكل ألوان التحلل والتفكك والإنقسام، خصوصا بعد فشل تجربة حكم الإخوان وما أعقبها من انقلاب، باتت تبعاته تهدد كيان الدولة برمته بمصير مجهول ومستقبل غير محمود العواقب وخاصة بعد تحول الجيش الذي كان على امتداد عشريات طويلة صمام أمان، إلى عنصر مثير للتوتر تكاد هيبته لدى الرأي العام المصري تذهب سدى، أو تونس التي ظلت منذ عهد الرئيس بورقيبة، تعيش في استقرار دائم وإذا بها بسبب إفرازات وارتدادات هذا الربيع الذي أوصل الإسلاميين لأول مرة في هذا البلد إلى الحكم، كادت تتحول إلى مرتع للتطرف بشتى فروعه وإلى وكر للعنف والإرهاب واللا تسامح، بل ومرتعا لجماعات من السلفية المتحجرة الفكر.
غير أن إصرار الطبقة السياسية، خصوصا المعارضة على التغيير الشامل ونضج الإسلاميين بقيادة النهضة على عدم التمسك بنتائج الصندوق عبر استفادتهم بمآلات تجربة الإسلاميين في الجزائر وخاصة جماعة الفيس، مكّن تونس من تجاوز الأزمة التي كانت تدق بهذا البلد بعد توصل مختلف الأطراف السياسية إلى دستور توافقي وحكومة تقنية إنتقالية تسهر على الإستحقاقات القادمة.
وبذلك تكون تونس النموذج الإستثنائي الناجح في ما انتهت إليه ارتدادات الربيع العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.