التكفل ب76.81 بالمائة من انشغالات المواطنين.. معالجة أكثر من 40 ألف شكوى من طرف هيئة وسيط الجمهورية    التقى وزيري النقل والطاقة لسلطنة عمان.. بوغالي يسترض واقع وآفاق قطاعات النقل والاتصالات والرقمنة في الجزائر    عبد الرشيد طبي : ضرورة تثمين الهياكل القضائية بتقديم خدمات نوعية للمواطنين    برج بوعريريج.. تخصيص 194 مليار سنتيم لتحسين ظروف التمدرس    العاصمة.. إحصاء 248 مشروع تنموي في مختلف القطاعات    برج بوعريريج.. مشروع ازدواجية الطريق الوطني رقم 76 يرى النور قريبا    توظيف التراث في الأدب.. عنوان المقاومة..    الاجتماع التشاوري الأول بين قادة الجزائر وتونس وليبيا: ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق    الخطوط الجوية الجزائرية : عرض جديد موجه للعائلات الجزائرية في العطلة الصيفية    المجمع الجزائري للغة العربية يعلن عن تأسيس الجائزة الوطنية في علوم اللغة العربية    دورة اتحاد شمال افريقيا (أقل من 17سنة) : "الخضر" يتعادلون أمام تونس ويواجهون ليبيا اليوم    عرقاب يعلن عن استحداث 4 معاهد تكوينية متخصصة في المجال المنجمي    فلسطين: انتشار مكثف لجنود الاحتلال في القدس وغلق كافة الممرات المؤدية للمدينة    مجلس الأمة يشارك بإسطنبول في مؤتمر "رابطة برلمانيون من أجل القدس"    تشاد..نجامينا تستعد لطرد القوات الأمريكية    شباب بلوزداد – اتحاد الجزائر عشية اليوم بملعب نيبسون مانديلا : دريبي عاصمي جديد من أجل نهائي كأس الجزائر    الإحصاء للعام للفلاحة : تحضيرات حثيثة بولايات جنوب الوطن    الاحتلال الصهيوني يعتقل أكثر من 8430 فلسطيني من الضفة الغربية المحتلة منذ 7 أكتوبر الماضي    اسبانيا : البرلمان الجهوي لمقاطعة كانتبريا ينظم معرضا للصور للتعريف بنضال المرأة الصحراوية    وهران: أبواب مفتوحة على مركز التدريب للمشاة "الشهيد غزيل دحو" بأرزيو    لغروس في بسكرة: وضع حجر أساس مشروع إنجاز محطة توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية    القمة الرقمية الإفريقية : 80 بالمائة من الجزائريين يستفيدون من الأنترنيت    أرمينيا وأذربيجان تعلنان عن بدء عملية تحديد الإحداثيات لترسيم الحدود بينهما    موسم الحج 2024: يوم تحسيسي لفائدة البعثة الطبية المرافقة للحجاج    فرصة جديدة لحياة صحية    دعوة لإنشاء جيل واع ومحب للقراءة    رأس الحمراء و"الفنار".. استمتاع بالطبيعة من عل    بطولات رمز المقاومة بالطاسيلي ناجر..تقديم العرض الشرفي الأول للفيلم الوثائقي الطويل "آق ابكدة .. شمس آزجر"    لعقاب: ضرورة توفر وسائل إعلام قوية لرفع التحديات التي تواجهها الجزائر    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    وزارة الفلاحة تنظّم ورشات لإعداد دفاتر أعباء نموذجية    مؤشرات اقتصادية هامة حقّقتها الجزائر    صعلكة    القرار سينفذ هذا الصيف: منع كراء عتاد الاستجمام و زوارق النزهة بشواطئ عنابة    سطيف: تحرير شاب عشريني اختطف بعين آزال    القضاء على إرهابي واسترجاع مسدس رشاش من نوع كلاشنيكوف بمنطقة الثنية الكحلة بولاية المدية    زيارة موجهة لفائدة وسائل الإعلام الوطنية    "التاس" ملاذ الفاف وسوسطارة: الكاف تدفع لتدويل قضية القمصان رغم وضوح القانون    ساهم في فوز فينورد بكأس هولندا: راميز زروقي يتذوّق أول لقب في مشواره    فيما انهزم شباب ميلة أمام الأهلي المصري: أمل سكيكدة يفوز على أولمبي عنابة في البطولة الإفريقية لكرة اليد    استدعاءات الباك والبيام تُسحب بداية من 9 ماي    نحو تعميم الدفع الآني والمؤجّل    منصّة رقمية لتسيير الصيدليات الخاصة    90 % من الجوعى محاصرون في مناطق الاشتباكات    سنقضي على الحملة الشرسة ضد الأنسولين المحلي    بنود جديدة في مشاريع القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    سطيف تنهي مخططاتها الوقائية    رفع مستوى التكوين والاعتماد على أهل الاختصاص    بن ناصر يُفضل الانتقال إلى الدوري السعودي    رئيس بشكتاش يلمح لإمكانية بقاء غزال الموسم المقبل    الشباب السعودي يقدم عرضا ب12 مليون يورو لبونجاح    مصادر وأرشيف لتوثيق الذاكرة بجهود إفريقية    الدورة 14 مرفوعة إلى الفنان الراحل "الرازي"    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فاقُو ..»

عرف الأسبوع الخامس عشر من الحراك الشعبي الجزائري عدة أحداث كان لكل منها انعكاس واضح على الشارع الجزائري، وإن كانت فضائياتنا المتلفزة في معظمها لم تبذل جهودا في البحث والاستقصاء والتحليل واكتفت باستشارة من وضع نفسه أمام كاميراتها في ساحة أحداث، كثر فيها الخبراء والمحللون الإستراتيجيون، وأصبح هناك من يسارع إلى حجز مكان له في جوانبها قبل خروج المصلين من صلاة الجمعة، وهم الرصيد الرئيسي للحراك الشعبي.

كان أول الأحداث وفاة طبيب من «ميزاب» اتهم بالتوجهات الانفصالية وعرف عنه ارتباطه بالعميل الصهيوني فرحات مهني، الذي تناقلت الصحف صور مشتركة لهما معا، كما ورد اسمه في أحداث ولاية غرداية منذ عدة سنوات، وكان قد أضرب عن الطعام احتجاجا على اعتقاله، ونقل عندما ساءت حالته إلى المستشفى حيث وافته المنية.
الترحم على المتوفي هو التزام كل مسلم، لكن كثيرين يرون أن الوفاة حدثت في ظروف تبدو غامضة، وزاد في غموضها لافتات رفعت لاستفزاز المؤسسة العسكرية عليها صورة كل من فخار والفريق قايد صالح، وفوق صورة الأول كلمة «مناضل» وفوق صورة الثاني كلمة «خائن»، وكان هذا في الأسبوع الذي تلا تهجمات أحد رموز التيار اللائكي على الجيش الجزائري متهما إياه بأنه جيش مستعمر، وتوازى مع تجمعات صاخبة كانت تنادي «دولة مدنية لا عسكرية»، وبدا وكأن هناك من يستجدي عقوبة من نوع ما تجعله من شهداء الحراك التاريخيين.
كانت هذه المواقف مثار سخرية الكثيرين ممن يعرفون علاقات معظم عناصر ذلك التيار الحميمية مع السلطات العسكرية في التسعينيات، وارتباطهم بنظام الحكم الانقلابي آنذاك، لكنهم لم يتصوروا أن الوضع تغير فراحوا يطالبون المؤسسة العسكرية في أواخر عشريتنا هذه بتحمل «مسؤولياتها» استجابة لرغبة الجماهير الرافضة للعهدة الخامسة.
كانت الخلفية الأملَ في استنساخ وضعية التسعينيات، لكن الآمال أصبحت أوهاما والطموحات أصبحت كوابيسا، وهكذا تغيرت المقاربة إلى الضد على طول الخط، وراحت تلك التيارات تنتحل الحديث باسم الشعب مدعية أنه «يريد الخروج من قبضة السلطة وجبروتها وفسادها ويطالب برحيلها، والسلطة متشبثة بشكليات دستورية تجاوزتها الأحداث بغرض فرض استمرارية النظام القائم». !! ولم يكن سرّا أنها فرضيات بلاغية لا تجسد أي إجماع جماهيري.
المجلس التأسيسي..
لم تستجب المؤسسة العسكرية لما كان ينتظره القوم، وتمسكت بالتطبيق الحرفي لنص الدستور رافضة كل محاولة لتكوين هيئة رئاسية لتسيير المرحلة الحالية، ولمجرد أن هذا هو عمل انقلابي مرفوض بكل المقاييس، فتصاعد غليان الطموح، وتعالت المطالبة بانتخاب «مجلس تأسيسي سيّدٍ يتولى تعيين رئيس الدولة والحكومة، وإعداد دستور جديد وفقا للإرادة الشعبية، وبعد إعداد الدستور والاستفتاء عليه، يتم تنصيب المؤسسات وفقا للدستور الجديد».
القوم يدعون بأن المجلس التأسيسي هو «مطلب تاريخي للحركة الوطنية يمثل السبيل الديمقراطي الذي يحلّ معضلة الشرعية القائم منذ الاستقلال»، وهي مغالطة بذيئة لأن من يطالبون بذلك أقلية لا تمثل إرادة كل ولايات الجمهورية، وإقامة مجلس تأسيسي هو إجراء يتم عادة بمجرد انتزاع أي دولة لسيادتها، وهو ما حدث فعلا في الجزائر بمجرد استرجاع الاستقلال، والمطالبة به اليوم هي إهانة لكل ما قامت به الجزائر منذ استرجاع الاستقلال من إنجازات لا تعيبها النقائص التي هي جزء من أي عمل إنساني، وهي استهانة بجهود مئات الآلاف من الرجال والنساء الذين ضحوا بالجهد وبالعرق لبناء دولة لا تزول بزوال الرجال وتغير الحكومات، وإنكار هذه الانجازات هو جحود يُحبط مشاعر شعب صنع أروع الثورات التاريخية وأعطى بحراكه السلمي صورة ناصعة لإرادة شعب واعٍ لا يُمكن خداعه، ومن السقوط الأخلاقي أن يحاول البعض تدمير عزيمته بالقول إنه لم يكن خلال أكثر من نصف قرن أكثر من مجرد زائدة دودية لم تفعل شيئا ولم تنجز شيئا ولم تعرف شيئا.
غير أن هناك من رأى خلفية مستترة وراء المطالبة بمجلس تأسيسي، وهي تأهيل عملية التمرد التي قامت بها بعض الاتجاهات في 1963 ضد سلطة الدولة متزامنة مع الغزو المغربي لغرب البلاد، ليكتسب ذلك التمرد صفة حركة ثورية، بدلا من حقيقته كخلاف شخصي بين اثنين من قيادات الثورة الجزائرية، كان أول شرخ في الوحدة الوطنية وما زالت آثاره السلبية، بكل أسف، كامنة تحت رماد السنين، وهو ما يجب أن يذكّر هنا برجولة العقيد موحاند أولحاج، الذي أوقف التمرد وانضم بقواته إلى الجيش الوطني لدحر الغزاة، وأصبح منذ ذلك التاريخ جزءا فاعلا في القيادة السياسية، ومستشارا وفيا لهواري بومدين، إلى أن وافته المنية.
وعندما حلّ الزمن الرديء، بتعبير عبد الحميد مهري، أصبحت الاتجاهات الفرانكو لائكية ترى في الفريق قايد صالح رئيس الأركان عدوها الأول، ولولا العجز وقلة الحيلة والخوف من سوء المآل الذي لن يرحم أحدا لرفعت شعار تشرشل : أغرقوا «بسمارك»، البارجة الألمانية الرهيبة التي كانت تثير الذعر في قلوب الحلفاء.
هذا هو ما يفسر خلفية إشاعات كثيرة، ليس هناك ما يؤكدها علميا، تتهم عناصر معينة بتصفية السيد فخار بهدف استغلال الجريمة ضد قايد صالح وإثارة فتنة يمكن أن تذهب بالفريق بعيدا عن دائرة التأثير على الأحداث، خصوصا وقد ارتفعت هتافات في مناطق معينة، هي نفسها دائما، حاولت تأليب القوات المسلحة ضد مسؤولها الأول، مما أثار سخط مئات الآلاف ممن يرون أن استقرار الجيش الوطني الشعبي هو ضمان الاستقرار لا في الجزائر وحدها وإنما بالتبعية، في منطقة المغرب العربي.
كانت المفارقة هنا أن من وجه السباب للفريق قايد صالح رئيس أركان المؤسسة العسكرية كان هو نفسه الذي وجّه السباب، في نفس الأسبوع، لأول رئيس لأركان الجيش الوطني الشعبي وهو العقيد هواري بو مدين، لنفهم أن العداء قديم قديم ...ياولدي.
والسبب ...قضية الانتماء العربي الإسلامي، قضية باديس ونوفمبر.
التقصير واضح في قضية فخار
لا بد هنا أن أندد بتقصير مصالح الطب الشرعي والأبحاث الجنائية في القيام بتحقيق مدقق يكشف كل المعطيات، ويبين ما إذا كان الأمر إهمالا أو قصورا أو إجراما، وسبق أن أشرت إلى التقصير الإعلامي الكبير الذي نعيشه، في مقابل النشاط المحموم لكل من يتحركون ضد الأسلوب الذي تتعامل به السلطات مع الأحداث، والذين أعطتهم وفاة فخار فرصة استفزازات قد تكون لها عواقب غير حميدة.
وواقع الأمر أن التوجهات الفرانكو لائكية كانت قد بدأت تشعر بضمور التعاطف معها، نظرا لتعنتها الذي تجاوز كل الحدود، والذي وصل إلى حد القول صراحة وعلنا بأن الانتخابات سترفض حتى ولو عُزلت كل الباءات، وهو ما كان مادة الشعارات الصاخبة التي كانت ترفعها نفس العناصر وجندت حولها مئات أعجبهم شعار «يتنحاوْ قع».
اتضح الآن أن المطالبة برحيل الجميع، ورغم أنها كانت مبررة بحجم الفساد الكبير الذي عانت منه البلاد في السنوات الأخيرة، إلا أن الأنظار لم يفتها وجود متحمسين لهذا الشعار على هامش التحركات الجماهيرية، كانوا من أكثر المستفيدين من الفساد، سياسيا وديبلوماسيا وماليا، وهنا ساد الشعور بأن المقصود برحيل الجميع عند هؤلاء كان يقصد اختفاء شخصيات معينة، لم يصبها «الزهايمر» بعد، وما زالت قادرة على أن تكشف نفاق الكثيرين وخداع الكثيرين ومحاولة أكثر من ثيّب الحصول على عذرية جديدة.
كانت المطالبات ترفع في البداية شعار «حرّة ...ديمقراطية»، رغم أن المطالبات كانت متناقضة مع قوانين الجمهورية، وعن غير طريق المؤهلين لتجسيد سلطة الشعب ديموقراطيا، وهنا تغيرت اللغة وسقطت الأقنعة.
فالناشط الشهير الذي رَفعَ لسنوات شعار الديمقراطية أصبح يصرّح بأن «الديمقراطية لا يمكن اختزالها في صندوق الاقتراع الذي يُكمم باسم الأغلبية كل الأصوات المعارضة ويسحق الأقليات»، وهذا فإن الاقتراع العام، كما يقول الحقوقي المعروف، قد يصبح «مقبرة تدفن فيها من جديد (من جديد) كل الآمال التي ضاعت «منذ الاستقلال» (منذ الاستقلال) والتي استرجعتها «ثورة» فيفري.
الغريب أن القائل كان عنصرا نشطا في كل الممارسات السياسية والبرلمانية التي عرفتها البلاد منذ سنوات وسنوات، لكنه يصدر بيانا مليئا بالتناقضات، يصف الوضعية بأنها «حوار الصُمّ» بين المتظاهرين والسلطة الفعلية التي «فرضت نفسها عن طريق رئيس الأركان»، ودائما رئيس الأركان، ويكرر بأن الشعب، الذي يُمثله هو بالطبع، يريد الخروج من قبضة السلطة وجبروتها وفسادها ويطالب برحيلها، والسلطة «متشبثة بشكليات دستورية تجاوزتها الأحداث» بغرض فرض استمرارية النظام القائم.
يتبع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.