تربية وطنية: تفعيل آلية تقديم طلبات تحويل التلاميذ من مؤسسة إلى أخرى ابتداء من غد الإثنين    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 64368 شهيدا و162776 مصابا    تصفيات كأس العالم 2026: المنتخب الوطني ينهي تحضيراته قبل لقاء غينيا بحصة تكتيكية    موجة حر بجيجل وبجاية وأمطار رعدية بولايات أخرى يومي الأحد والإثنين    معرض التجارة البينية الافريقية بالجزائر: سوناطراك تعقد لقاءات ثنائية مع شركات دولية    معرض التجارة البينية الإفريقية: الصحافة الوطنية تسلط الضوء على اتفاقيات الشراكة المبرمة    تواصل أشغال الطبعة ال4 للمعرض التجاري الإفريقي البيني بالجزائر    اختتام برنامج المخيمات الصيفية لسنة 2025    رئيس جمهورية الموزمبيق ينهي زيارة عمل إلى الجزائر    انتصارات دبلوماسية بارزة نصرة للقضايا العادلة    استكمال الورشات الكبرى وتجسيد ميداني للطموحات    مناهج جديدة لدعم الجودة وتخفيف الضغط على المتمدرسين    بللو يشرف على انطلاق حفل فني ضخم بأوبرا الجزائر ويؤكد:الجزائر عاصمة للثقافة الإفريقية    الوكالة الوطنية للقرض المصغر تموّل 9 آلاف مشروع خلال السداسي الأول ل2025    المعرض الإفريقي للتجارة البينية : حفل لتوزيع جوائز CANEX Book Factory    فيلما في الطبعة ال20 للقاءات السينمائية لبجاية    المدية..نحو 30 مشاركا في الطبعة الثانية لمهرجان التصوير الفوتوغرافي    "السياسي" يتصالح مع الأنصار بفوز صعب    "نسور الجنوب" يطيحون "بأسود الونشريس"    "الحمراوة " يضيعون المسار و"الحواتة" يصححونه    مشاريع استراتيجية لتنويع الاقتصاد وتعزيز السيادة    الجزائر - موريتانيا.. نموذج يُحتذي به    هكذا تتحول الشعوب إلى ضحايا صراعات الآخرين    ضبط 1047 وحدة من الألعاب النارية    حجز 40 ألف وحدة مفرقعات    المهن الشاقة.. تعب صامت في قلب القيظ    لجنة مناهضة التعذيب الأممية تؤكد مواصلة العمل    غزّة وحيدة في مواجهة حرب الإبادة والتهجير القسري    تعزيز التعاون من خلال مقاربة ثقافية اقتصادية متجدّدة    فلسطين ضيف شرف "نشيد السلام"    200 مشارك من 20 ولاية ودولة تونس    عزابة تحتفي بمولد خير الأنام    الرئيس الموزمبيقي يزور جامع الجزائر    وهران: إقامة مراسم افتتاح بطولتي إفريقيا لكرة اليد إناث لأقل من 17عاما وأقل من 19 عاما    غراندي باندا.. جديد مصنع وهران    شايب: نجاح "يوم الجاليات الإفريقية" يعكس اهتمام الرئيس تبون بالجالية الجزائرية بالخارج    حملة إصلاح التسربات بتلمسان: نحو استرجاع 17 ألف متر مكعب يومي من المياه    يوم إبادة.. تدمير 90% من بنية غزة التحتية وخسائر ب68 مليار دولار    نفذتها القوات الخاصة في البحرية الأمريكية.. مهمة سرية فاشلة في كوريا الشمالية عام 2019    الدبلوماسية الجزائرية تعزز حضورها الدولي وتتمسك بنصرة القضايا العادلة    الكرة الطائرة الشاطئية: الجزائر تتوج بطلة العرب عند الرجال والسيدات يحققن البرونز    مشاركون في "أسطول الصمود":"تَحرُّكنا ليس رمزياً بل لفتح ممر بحري إلى غزة"    الجزائر العاصمة..قافلة طبية تقدم فحوصات لسكان أربع بلديات بولاية الطارف    البرلمان العربي يدين تصريحات المدعو "نتنياهو" بشأن تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة    خطوة كبيرة نحو المونديال    المهرجان الدولي للرقص المعاصر بالمسرح الوطني الجزائري: فلسطين ضيف شرف الطبعة ال13    التجارة البينية الإفريقية: "بصمات إفريقية", معرض جماعي يبرز إبداعات 18 فنانا تشكيليا من الجزائر وعدة بلدان أخرى    الفوز للاقتراب أكثر من المونديال    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    الإعلان عن قائمة الوكالات المؤهلة    اجتماع عمل تقني بين قطاعي الصناعة الصيدلانية والصحة    النظام الوطني للتنظيم الصيدلاني: اجتماع عمل تقني بين قطاعي الصناعة الصيدلانية والصحة    نسج شراكات استراتيجية لتعزيز السيادة الصحية للقارة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    المولد النبوي يوم الجمعة    يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    ذكرى المولد النبوي الشريف ستكون يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسلم يعيش قضية عصره وهموم قومه وأمّته
نشر في الشعب يوم 02 - 07 - 2019

لقد ارتبط فعلُ الخير بالسّلوك الإنساني، واعتُبر أحد مقاييس عظمة ونجاح الحضارات، وكان للإسلامِ في التأصيل للعملِ الخيري الكثير من الإسهامات، خاصةً أنَّ تحقيق الخير من خلال درء المفسدةِ وجلب المصلحة هي غاية الإسلام ومقصده في تنظيمِ شؤون الحياة، ولقد أصَّل الإسلامُ لعمل الخير كمسؤولية تقعُ على الأفرادِ والمؤسسات، وقد جاءت الدلالاتُ من الآياتِ القرآنية والسنة النبوية لتؤصِّلَ لذلك؛ كقوله - تعالى - {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء: 114، وقول رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّ سلامَك على عباد الله صدقة، وإماطتك الأذى عن الطَّريقِ صدقة، وإنَّ أمرك بالمعروف، ونهيك عن المنكر صدقة».
وتشير كلمة «الخير» في اللغةِ العربية إلى كلِّ ما فيه نفعٌ وصلاح، أو ما كان أداة لتحقيقِ منفعة أو جلب مصلحة كالمال، وينظر الأصفهاني إلى الخيرِ نظرةً فلسفية؛ ففي المفردات في غريب القرآن يقول: إنَّ الخيرَ ما يرغب فيه كلُّ البشر كالعقل والعدل والنفع والفضل، وضده الشر، وقال آخرون: إنَّ الخير هو «العمل الذي يعم نفعه»، يقول ابنُ سينا: إنَّ الخير هو ما يتشوّقُه كل شيء ويتم به وجوده.
وينبع مفهوم الخير من أصولِ الرؤية الإسلامية للعالم، وتشكل النزعة الخيرية ركنًا من أركانِ بناء الوعي الإسلامي للذات الإنسانية، وتوفّر أساسًا من أسسِ تكوين الذات الفردية والجماعية في الخبرةِ الحضارية الإسلامية، فالخير مقصدٌ عام وثابت للشريعة، وله مقاصدُ أخرى على نحو ما سيأتي بيانه، وتتضمن الأصولُ الإسلامية (القرآن والسنة) نظريةً متكاملة للخيرِ وتطبيقاته وأبعاده النفسية والاجتماعية والاقتصادية، الفردية والجماعية، ولذلك تتنوعُ صورُ عملِ الخير ودلالاته من خلالِ هذه الرؤية التأصيلية الحضارية، والتي يُمكن إجمالُها في ثلاثِ فرائض، هي بمثابةِ ثلاثة أطر، يندرجُ تحتها جميعُ ما يُكلف به الإنسانُ من مسؤولياتٍ لعمل الخير:
أولاً: فريضة الدعوة:
المسلم مأمورٌ بالدعوةِ إلى الله، بل بالعمل على ذلك بأحسن القول والفعل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} النحل:125، الدعوةُ للإسلامِ في جوهرها هي عرْضُ الإسلامِ كحضارةٍ وسلوك، وقيم ومبادئ، فالمسلم قبل كل شيء مأمور بأن يكونَ قدوةً ومَثَلاً، كما أنه مُلزمٌ بأن يقوم بمسؤوليةِ الدعوة إلى مَن حوله؛ بدءًا بنفسِه؛ بتهذيبها وحسن سلوكها، ثم بيته، ثم مجتمعه.
ثانيًا: فريضة بناء الأمّة:
مفهومُ الأمة هو مفهومٌ رسَّخه الإسلامُ ليس فقط على مستوى النظرية، بل على مستوى التطبيق، فالحضارةُ الإسلامية التي قامت منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا قدمت نفسَها في إطار تكويني سما بالأمة، وقد جاء المصطلح ورودًا في القرآن والسنة؛ قال - تعالى -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} آل عمران : 110،
الواحدة تبدو قضية واضحة المعالم، يدركها قارئ كتاب الله - عزَّ وجلَّ - حين يتأملُ أيَّ سياق ورد في قصصِ الأنبياء، بل قد نصَّ كتابُ الله - عزَّ وجلَّ - على ذلك تعقيبًا على قصصِ الأنبياء فقال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} المؤمنون: 52، وهذا الأمةُ الواحدة لا ينتهي مداها في دارِ الدنيا، بل يمتدُّ هناك إلى الدارِ الآخرة، حين يقف الناس للحسابِ والجزاء والمساءلة.
ثالثًا: فريضة إصلاح المجتمع:
المسلم هو ذلك الكيان الذي يمثل غيثًا أينما حلَّ نفع، والإصلاح والخير هو أمرٌ وفريضة نُثاب عليها إن أديناها، ونأثم إن خالفناها وتركناها، والإصلاح يتجلَّى في العمل والتواصل والتعايش السلمي السليم الذي لا يضرُّ بالآخرين، ويحقق النفعَ للإنسان، ولا يحقِّقُ ذلك لغيرِه الضر؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا»، فقال رجل: يا رسولَ الله، أنصره إذ كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟! قال: «تحجزه أو تمنعه من الظُّلم، فإن ذلك نصر»، صدق رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
وبالتالي فالصلاح لا يقتصرُ على النفس، بل لا بد أن يعكسَ ذلك على المجتمع وأمر الله بذلك، فالفساد لا يقتصرُ ضرره على من يقومُ به كما في قوله - تعالى -: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} الأنفال: 25، ولنا في قصةِ موسى والخضر عظةٌ عظيمة في أنَّ الإنسان في حركتِه مأمور بالإصلاح وفعل الخير دون انتظار للأجر، أو نظر للمردودِ الشخصي؛ {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} الكهف : 77.
إنَّ المسلم ينبغي أن يعيش قضية عصره، وهموم قومه وأمته، فلقد كان الأنبياء - عليهم السلام، مع أنَّ أقوامهم لم يستجيبوا بعد لقضيةِ التوحيد - يتحدثون عن الفسادِ والضَّلال والانحراف الذي كان في عصرِهم، فلا ترى سورةً يُذكر فيها لوط إلا ويُذكر فيها الحديثُ عن الفسادِ والشذوذ الذي كان عليه قومُه وإنكاره لفعلِهم، ولا سورة يذكر فيها شعيب إلا وترى حديثه عن الفسادِ الاقتصادي، وعن بخسِ النَّاس أموالهم وحقوقهم.
ومع ما تعيشه الأمةُ من حالةِ تخلف وتأخر وضعف، استفحلت - في مجتمعنا - على أثره مظاهر الفساد والانحراف عن الطَّريقِ القويم والصحيح، وانتشرت فيه مآسٍ مجتمعية تمثلت في روابطَ مقطعةٍ، وتلوثٍ فكري وانهيار قيمي، وفساد سلوكي، فإنَّ الكلَّ منا مأمورٌ بأن يؤدي مسؤوليته، ويسعى إلى تحقيقِ أمن مجتمعِه ونشر القيم السلمية، ومواجهة السلوكيات والأفكار المنحرفة الهادمة.
فتكاتفُ السواعد مطلوب، وتجميع الأفكار مطلوب وشرطٌ من شروطِ البناء، وتوفير الإمكانيات أيضًا مطلوب؛ وذلك نظرًا لعظمِ المسؤولية وجلالها، وهو ما فتح الباب للمطالبةِ بمسؤولية أكبر للهيئات والمؤسسات، بدءًا بالدولة ثم القطاع الخاص ثم الأفراد وما ينشئوه من مؤسساتٍ اجتماعية مدنية وأهلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.