اقتنع الاتحاد الأوروبي بأهمية الجزائر ووزنها الجيو سياسي في إحداث التوازن في العلاقة بين ضفتي المتوسط ومنحها حركيتها المبنية على أسس واقعية تأخذ في الحسبان مصالح المنطقة وخصوصيتها بعيدا عن الإنتقائية والكيل بالمكيالين. وتجاوب الاتحاد الأوروبي أخيرا مع مقترحات الجزائر في إضفاء على العلاقة الأورومتوسطية حالة من النقاء والصفاء، والتحرر من الذهنية القديمة والأبوة.. ويكشف عن هذا التحول في الموقف الأوروبي، وقبوله بالمقترحات الجزائرية التي تعدّ أرضية صلبة لمشاريع مشتركة تمثل خارطة طريق للمستقبل، جولة المفاوضات المرتقبة يوم الاثنين بالعاصمة، وهي مفاوضات تكشف بالملموس العناية الممنوحة للجزائر كدولة محورية في السياسة الأوروبية الجوارية شاملة الضفة الجنوبية أيضا، مانحة لها الأولوية الاستراتيجية. وانتقدت الجزائر بشدة ما كانت تراها أوروبا أولوية في سياستها الجوارية لفترات سابقة، حيث منح الاستعجال للتوسّع الشرفي على حساب الجنوب رغم أهميته القصوى.. وكان انتقاد الجزائر المعبّر عنه على أكثر من صعيد ومنبر، بأن الضفة الجنوبية تحمل قيمة استراتيجية لا يمكن القفز فوقها بسهولة، واختزالها من المعادلة الجيوسياسية.. تحمل هذه الجهة العمق الاستراتيجي بالنظر إليها ومنحها الخصوصية والتمايز دون شطب واعتبارها مجرد وعاء للسلع الأوروبية للمنتوجات الكاسدة، وتحويل المعامل التي لم تعد تجد نفعا. ذكّرت بهذا الطرح الجزائر، عشية بدء جولة المباحثات بالعاصمة، معيدة للأذهان لماذا وكيف الانضمام إلى السياسة الجوارية الأوروبية المجددة، الآخذة في الاعتبار الخصوصيات والمستجدات دون إملاءات مركزية بروكسل. وحسب الجزائر التي تدخل للمباحثات بورقة قوية توظف فيها الطاقة إلى أبعد الحدود، فإن المباحثات الاستشرافية مع الاتحاد الأوروبي يوم 23 جانفي الجاري، امتداد لعمل اللجنة الفرعية للحوار السياسي والأمن وحقوق الإنسان المنصبة بداية أكتوبر الماضي. وتماشيا مع الطرح الجزائري، تعالت أصوات مسؤولين أوروبيين كبار تحذر من عدم منح الجزائر الأولوية الاستراتيجية باعتبارها ممونة القارة العجوز بالطاقة، ومصدر تدفق مشاريع الاستثمار والأعمال. ورأت هذه الأصوات أن الجزائر التي تمتلك مؤهلات اقتصادية، تخطت تداعيات الأزمة العالمية بالإجراءات الاحترازية مسجلة أعلى الإيرادات السامحة بتمويل المشاريع اعتمادا على المدخرات الذاتية دون السقوط في مساومة الآخر، ووصفاته. من هذه الأصوات، ما ورد على لسان ممثلة العلاقات الخارجية لمجلس أوروبا سيلفيا فرانشيسكون، القائلة بروما حيث فتح نقاش حول سياسة الجوار المتجددة، فقد أكدت المتحدثة مرافعة لسياسة أخرى بديلة، أن الجزائر حلقة مركزية من أوروبا واستقرارها الاقتصادي والجيواستراتيجي. وأن الإفراط في التعامل مع الدول المضطربة في الضفة الجنوبية وإهمال الجزائر، أمر يحمل الكثير من المخاطر، لأن الجزائر بقدر ما تزود أوروبا بالطاقة، تبقى الواجهة الآمنة للاستثمارات والأعمال.. ويضاف إلى هذا احتواء الجزائر لمشاريع حساسة مدرجة ضمن الشراكة الاستراتيجية، منها مشروع »ديزتاك« انتاج الطاقات المتجددة الذي أبرم عقده مؤخرا في بروكسل. ويشدد أصحاب هذا الطرح الذي يولي أهمية قصوى لمحور أوروبا الجزائر في السياسة الجوارية الجديدة، على ضرورة التحلي بالموضوعية في التعامل مع هذا الملف، وعدم إسقاطه في حسابات ضيقة تمليه لوبيات. وأكبر مراجعة لإصلاح الخلل تكمن في إعطاء قراءة ثانية لتقرير أعده مكتب روما حول الوضع السياسي الاقتصادي الاجتماعي للجزائر، ترقبا لإبرام شراكة استراتيجية بين الطرفين. وجاء التقرير محمّلا بتناقضات ومغالطات وضعت على المقاس، لأنه استند في إعداده على كتابات صحفية معروفة بترويجها لواقع أسود وترديد عبارة »كل ليس على ما يرام« أكثر من الفاعلين من الطبقة السياسية ومقرري السياسة الوطنية. وعلى هذا الأساس لم يكتمل المشهد، وتتوضح صورة المعادلة السياسية، ولم تخف الحقائق القائلة أن الجزائر عاشت ربيعها منذ عشرين سنة قبل الحراك العربي الراهن.