استوقفتنا في الأيام الأخيرة الدّعوات التي وجّهتها العديد من الجهات وعلى رأسها بعض الدول العربية لتسليح المعارضة السورية، بمبرّر تمكينها من الدفاع عن نفسها وردّ الجرائم التي ترتكبها قوات الأسد ضدّ المدنيّين. وإذا كنّا عاجزين عن تمييز نوع الدموع التي تنهمر من عيون هؤلاء، إن كانت فعلا ألما على أبناء الشّام، أم أنّها مجرد دموع تماسيح، القصد منها التأثير على الرأي العام العالمي وكسب استعطافه، ودفع الدول الغربية الفاعلة للتدخل العسكري قصد الإطاحة بالنظام السوري بالقوة، بعد أن استعصى إجباره على التخلي عن السلطة بعد سنة من الثورة الداخلية، فإنّنا نتعجّب فعلا من مثل هذه الدعوة، ومن الجرأة على طرحها، لأنّ غايتها ونتيجتها معروفة مسبقا، وهي إشعال حرب أهلية سيكون وقودها الشعب السوري الذي يتباكى هؤلاء على وضعه ومصيره وسلامته. في الواقع لقد حاول هؤلاء بكل الطرق والوسائل تحريك المجتمع الدولي، ليتولّى مهمة إسقاط نظام الأسد بالقوة، كما فعل مع نظام القذافي، وحفيت أقدامهم ذهابا وإيّابا إلى مجلس الأمن قصد دفعه إلى اتخاذ زمام المبادرة، وجفّت دموعهم وبحّت حناجرهم من كثرة نحيبهم على حال الشعب السوري، لكن الفيتو الروسي الصيني أجهض تحرّكاتهم، الأمر الذي جعل قريحتهم تجود باقتراح هو بمثابة الكارثة التي ستحلّ على السوريين في حال تنفيذه، لأنّ مدّ المنتفضين بالسّلاح، سوف لن يفيد في مواجهة قوات نظامية تملك من العتاد والقوة ما تملكه، بل على العكس تماما، سيزيد من نقمة النظام وإصراره على الردّ الموجع والمزلزل، وسيدخل أبناء الشعب الواحد في حرب لن يعرف لها نهاية، وكل ما في الأمر أنّ الخاسر الأول والأخير سيكون فيها السّوريون أنفسهم. وقد يكون الواقفون وراء هذا المقترح المدمّر يدركون بأنّ مدّ المعارضة السورية بالسلاح، ومن خلالها الشعب الذي يساندها سيشعل الحرب الأهلية، وهم يقصدون ذلك، ليجبروا مجلس الأمن الدولي حينها على كسر الرفض والاعتراض الروسي الصيني، ويدفعونه للتدخل العسكري لحسم المعركة، وإسقاط الأسد الذي مازال يصدّ الضربات والطعنات ويواجه بالقوة الزّوابع التي تهزّ كرسيه. في الواقع إذا كان من الضروري البحث عن مخرج مستعجل للأزمة السورية التي تدخل عامها الأول، وإذا كان من واجب الدول العربية التحرك قصد إنقاذ أبناء الشعب السوري من سفك دماء بعضهم البعض، فمن المنطقي والانصاف تقديم عروض مبادرات واقتراحات حل، لا تزيد الوضع تأزّما والدماء سيلانا. ومن الحكمة بدل صبّ الزبت على النار، والترويج والدفع نحو حرب أهلية من خلال اقتراح تزويد المعارضة السورية بالسلاح، الدفع نحو التهدئة ووقف القتال. وقد يكون الحل بسيطا ولا يكلّف أي تضحيات مادية أو بشرية لو أنّ الدول المؤجّجة والمصعّدة التي تنفخ جمرة العنف لتحولّه إلى حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس في سوريا، أن تكفّ عن إقحام نفسها في الأزمة التي تعصف ببلاد الشام، وتلتفت إلى شؤونها الخاصة، وتترك المجال لدول تقف على مسافة واحدة بين النظام السوري والمعارضة المسلّحة لتباشر وساطة محايدة نزيهة وصادقة يطرح كل طرف خلالها ما يلزم من تنازلات مع إقرار هدنة ووقف للاقتتال المتبادل الذي يدفع ثمنه المدنيون الأبرياء. ويجب أن تتوّج الوساطة باتفاق على تسليم السلطة لجهة مستقلة، لا تكون لها أيّة ارتباطات أو أجندات مع الخارج تتولّى مرحلة انتقالية محدّدة المدة، تقود إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبناء مؤسسات الحكم المختلفة. وشخصيا لا أرى حلاّ للأزمة السورية أفضل من الحل اليمني، ولا أعتقد بأنّ تشبّت النظام في دمشق بالسلطة واستخدام السلاح للدفاع عنها سيمكّنه من إرغام المعارضة على الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع، خاصّة وأنّ فئة لا يستهان بها من الشعب تقف إلى صفّها، وتلقى كل الدعم المالي والمعنوي من كبار العالم وأغنياء العرب، كما لا أعتقد بأنّ تصعيد المعارضة للمواجهة وصدّ كل الحلول السلمية والاحتماء بالغرب سيوصلها إلى القصر الرئاسي، بل على العكس تماما في بلاد الشام شعب يرفض سلطة تأتي على ظهر دبابة غربية. لهذا ليس هنالك من حلّ في الأفق غير وساطة محايدة وتنازلات من هذا الطرف وذاك، وفي حالة التعنّت سوف لن يكون هناك سوى التصعيد للعنف وجرّ للبلاد إلى حرب أهلية، ليُعطى للغرب المبرّر الذي ينتظره بفارغ الصبر للتدخل العسكري وإسقاط النظام بالقوة. وإن تحقّقت هذه الفرضية الرهيبة، فيجب قراءة الفاتحة على أمن واستقرار سوريا، لأنّها ستدخل في متاهة من العنف الطائفي والعرقي، وسوف لن تخرج منه إلاّ منهارة محطّمة خائرة القوى كما تريدها إسرائيل، فأيّ مصير ينتظر سوريا...؟