أحبّ المسرح وتفجّرت عبقريته في التلفزيون استطاع الفنان القدير الراحل سيراط بومدين، أن يقف على سدة التميز في مجال الفن والأضواء، وأن يبلغ عبر هالة من الشهرة المستحقة أعلى قمة في كل من عالم الفن الرابع والسابع، حيث أثبت مهارته في التمثيل وإجادة الأدوار وإقناع المشاهد بكل الأعمال التي حصدت أغلبها جوائز وشهادات وتكريمات خلال مهرجانات وطنية ودولية، وذلك بعد أن شق مسارا فنيا حافلا، مليئا بالجهد والتألق والتميز، كانت بدايته بالتحاقه بمسرح وهران الجهوي كعون إداري، قبل أن ينتقل إلى التمثيل بعد إلحاح منه، ليشتهر إثرها بعشقه للمسرح وببراعة ارتجاله في تقمص الشخصيات. تحتفي الساحة الفنية الوطنية بالذكرى ال 27لرحيل ابن الباهية وهران سيراط بومدين، أحد أعمدة الفن الجزائري، وصاحب الأعمال الكبيرة والمتعددة التي أطل من خلالها على واقع المواطن بكل ما تحمله الكوميديا من معنى، عرف كيف يتناول انشغالاته وكيف يسوق للفن عن طريق هموم المتلقي خلال فترة ناهزت الخمس وعشرون سنة ونيف، وفي حضرة غيابه رصدت «الشعب» عبر حديث جمعها مع الفنان عبد الحميد رابية، محطات خالدة من مسيرة أحد رجالات مسرح الحياة سيراط بومدين. سيراط بومدين من 1947 إلى 1995 بشهادة مجروحة وبكلمات امتزجت بين التقدير والعرفان في حق الفنان القدير الراحل سيراط بومدين، استهل الفنان عبد الحميد رابية حديثه في إعطاء لمحة عن هذه الشخصية التي عشقت الفن وترعرعت بين أحضان الخشبة، إلى جانب السينما والتلفزيون، أين قدمت الكثير للساحة الفنية، حيث قال «سيراط بومدين المولود في 1947 بوهران، هو ممثل ومسرحي اكتشفه أحد عمالقة المسرح الجزائري ولد عبد الرحمان كاكي، وأسندت له عدة أدوار في مسرحيات كالقراب والصالحين سنة 1966، حيث اشتهر بقدرته الخارقة على تقمص عدة شخصيات في نفس الوقت سواء على المسرح أو السينما أو التلفزيون، فهو فنان رائع اشتهر بقدراته الإبداعية وتقنياته في التعبير من خلال حركاته الجسمية، إلى جانب حبه للنكت كوسيلة تعبير»، كما تابع حديثه أن هذا الرجل العملاق بفنه والمعروف ببساطة شخصية التي أحبها الجميع، وافته المنية في20 أوت 1995 بمستشفى مدينة مستغانم، المدينة التي احتضنت مهرجان المسرح الهاوي في طبعته ال27 والتي شارك فيها سيراط بومدين. من الآلة الراقنة إلى التمثيل وفي ذات السياق، انتقل المتحدث بعد استعراضه لمسيرة الراحل إلى سرد البدايات المضيئة من حياته كممثل بعد أن كان موظفا إداريا، فقال: «بدأ سيراط بومدين حياته المهنية كضارب على الآلة الراقنة في المسرح، أما عن حياته الفنية فلقد بدأت سنة 1965 بدار الشباب، حيث كانت أول مسرحية له في ذات السنة بعنوان: «إفريقيا قبل العام الأول»، وفي سنة 1968 انخرط الأخير في مسرح الهواة ثم المسرح المحترف، سنة 1969، أين شارك رفقة بوعلام حجوطي في سلسلة من العروض كمسرحية «اللثام» و»اللي كلا يخلص» و»البلعوط»، إلى جانب مشاركته في العديد من المسرحيات الخالدة مثل «القراب والصالحي» و»ديوان ملاح»، فضلا عن مشاركته في روائع عبد القادر علولة مثل «العلق» و»الخبزة» و»حمام ربي» و»الأجواد»، إلى جانب «صياد الملح» لبوزيان بن عاشور وغيرها من الأعمال التي يحفظها له تاريخه الفني الحافل بالإنجازات. بين الكوميديا والدراما كما أضاف محدثنا، أن سيراط بومدين في سنة 1990 التحق بتعاونية «أول ماي» التي استحدثها عبد القادر علولة، وبعد حوالي عامين التحق بالفرقة الحرة «القلعة» التي ضمت أبرز أعمدة الفن الرابع الراحلين بأجسادهم والحاضرين بأعمالهم الراقية كالسيدة صونيا ومحمد بن قطاف وزياني شريف عياد وعز الدين مجوبي.. حيث شاركهم في أداء عديد المسرحيات على غرار «ألف تحية للمشردة» للكاتب محمد ديب ومسرحية «أخر المسجونين» لمحمد بن قطاف وإخراج زياني شريف عياد، وذلك على غرار مشاركته في أزيد من 20 مسرحية معظمها لعبد القادر علولة. شارك سيراط بومدين في العديد من الأعمال التلفزيونية مثل مسلسل «عايش بالهف» للمخرج محمد حويذق ومسلسل «شعيب الخديم» للمخرج زكريا، والتي مست العديد من الجوانب الحياتية للجزائريين من مشاكل وآفات اجتماعية وحتى السياسية والتي قدمها في طابع كوميدي، كما شارك في بعض الأعمال السينمائية، منها «الرماد» للمخرج عبد الكريم بابا عيسى و»حسن نية» لغوثي بن ددوش وقدم بطولة فيلم «الصورة» للمخرج الحاج رحيم سنة 1994، حيث كان آخر عمل للراحل المبدع في سماءات الفن سيراط بومدين الحي في ضمائرنا وقلوبنا ماحيينا». جولات.. جوائز وتكريمات وفي ذات الصدد، أبى المتحدث إلا أن يعرج على الحضور القوي للفنان سيراط بومدين في المحافل الوطنية والدولية، ما جعله أيقونة الخشبة الجزائرية، فنان بقدر ما في جعبته من جوائز وتكريمات إلا أن موهبته ستظل تستحق الأكثر والأفضل والأروع، كما جاء على لسانه في هذا السياق «على خلفية انطلاقة الفنان بعدما منحه المخرجان ولد عبد الرحمان كاكي وعبد القادر علولة رحمهما الله فرصة الصعود على الخشبة، أين أسندت له عدة أدوار وأبدع في تقمص الشخصيات، ونظرا لما تمتع به من روح خفيفة وحركات جميلة ونبرات صوته المتميزة وايماءات تستحق أن تكون مدرسة للمواهب الصاعدة، اكتشف جمهور مدينة وهران وجماهير الجزائر بشكل عام مواهب «سيراط» في الأداء، مما جعله يتحوّل إلى أحد أهم الممثلين، غداة تقديمه أدوارا مميّزة ظلت راسخة في الذاكرة الثقافية الجزائرية على غرار عطائه في مسرحيتي «العلق» و»الأجواد»، ولاسيما أيضا حضوره المتفرّد في التليفزيون والسينما. وعلى ذكر الحصاد الذي تسلمه مقابل مشوار فني حافل، أكد الفنان عبد الحميد رابية أن لسيراط بومدين أكثر من 60 مسرحية، حيث كان آخر أفلامه «بورتريه»، كما نال عدة جوائز، قبل أن يرحل في8 أوت 1995، شارك سيراط في العديد من المهرجانات على غرار المسرح المحترف، وقد نال سنة 1986 جائزة تاج «أحسن أداء رجالي» في مهرجان قرطاج المسرحي بتونس بعد منافسة مع العبقري المصري الراحل عبد الله غيث، كما كرم في المهرجان الأول للمسرح المغاربي المنظم بوهران في3 يناير 1995. كلام لابد منه في حق الإنسان والفنان أكد عبد الحميد رابية ونحن نستذكر الرجل القدير المحسوب على طينة العظماء والذي تقف «الشعب» على غرار المشهد الثقافي الجزائري في هذه السانحة، على مسيرته الفنية وانجازاته وما تركه من إرث ضم أعمالا خالدة والتي مهما قيل عنها لن تُوفى حقها، حيث أكد على أن الفنان سيراط بومدين استطاع من خلال مشواره الفني ونضاله من خلال رفع راية الإبداع والدفاع عن قيم العمل المسرحي، أن يحفر اسمه بحروف من ذهب في تاريخ الفن، لاسيما قلوب الجزائريين بأعمال خالدة على الرغم من مرور 27 سنة على وفاته، مشيرا إلى أنه يبقى من نجوم الصف الأول في تاريخ الفن الجزائري، كما قال في هذا الصدد «إن سيراط بومدين قضى جل حياته فوق خشبة المسرح وأمام الشاشات ليصنع الفرجة من خلال إطلالته المميزة، كان لها الأثر الكبير على المشاهد الذي أحب أداءه الفني في شخصية «جلول الفهايمي» في رائعة «الأجواد» لعبد القادر علولة و»البلعوط» لبوعلام حجوطي، وفي براعته في تقمص الشخصيات في «عايش بالهف» و»شعيب لخديم»، وفي أفلام سينمائية نالت إعجاب عشاق الفن السابع، وهي إلى غاية اليوم مازالت تعتبر من بين أجمل الأعمال التي قدمها رفقة كوكبة من نجوم الفن الجزائري، صناع الفن الوطني المزين ببياض النية واحمرار العمل المتفاني واخضرار المنتوج الإبداعي». فعاليات تستذكر روح الفنان عبرت مؤخرا إحدى الجمعيات الثقافية عن عرفانها وحبها اللامشروط لابن الفن الرابع رغم تقلده أدوارا في غيره من الفنون، في لفتة فنية راقية تزامنت والذكرى السابعة والعشرين لرحيل رجل المسرح سيراط بومدين، وذلك من خلال تظاهرة جاءت تحت عنوان: «سيراط بومدين يعود هذا الشهر»، وهي تظاهُرة مسرحية نظّمتها «جمعية الأمل الثقافية» في وهران، انعقدت فعاليتها في نهاية جويلية الماضي، واختتمت بحر هذا الأسبوع، حيث تضمّن برنامج التظاهُرة عروضاً من نوع «ستاند آب»، أين تم تقديمها كلّ سبت في مسرح الجمعية بوهران، وهو من المسارح التي تُعرَف باسم «مسرح الجيب» كنايةً على صغَر مساحتها، ومِن بين تلك العروض «نحن» لآدم كسوري، و»ستوب» لمحمد بن صغير، إلى جانب «كواليس» لمحمّد ميهوبي.. وما يجمع بين هؤلاء المسرحيّين الشباب هو أنّهُم تخرّجوا من مدرسةٍ للمسرح تابعة للجمعية. فنان في ذاكرة جمهوره تلك هي مسيرة الفنان سيراط بومدين، كما رآها أحد الفنانين الأفاضل عبد الحميد رابية، وكما أراد أن ينقلها لعشاق الفن والمسرح وصناع الإبداع عبر كل ولايات الوطن، حيث نضم صوتنا إلى ما سبق ذكره، ونعترف بأننا مهما نقبنا عن أدق تفاصيل مشواره فإننا لا ولم ولن نوفيه حقه.. حيث لا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول وبالإجماع «دام اسمه على صفحات الفن الجزائري ودام حبه في قلوب جمهوره الذي بقدر ما اشتاق له، سيظل وفيا ومخلصا لصانع البسمة التي أكدت حضورها وقوتها في حياتهم وواقعهم، لاسيما في الأيام الصعبة التي عرفتها الجزائر فرحمك الله فناننا القدير سيراط بومدين».