التحلي بالثقافة المواطنة من أجل بناء مجتمع واع أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني ابراهيم بوغالي، أمس، أن حوادث المرور أصبحت هاجسا حقيقا وواقعا مرعبا مكرّسة بظاهرة اللاّأمن على الطرقات، بالنظر لما تخلّفه من ضحايا وما تتركه من إعاقات وآثار نفسية، مشيرا إلى أن المنظومة العقابية والردعية لم تعد كافية، ما يستدعي حسبه - التفكير في وضع منظومة تحسيسية متكاملة ترافق المنظومة القانونية وتعزز أثرها ببرامج تخاطب جميع شرائح المجتمع. أكد بوغالي في كلمة ألقاها لدى افتتاحه اليوم البرلماني المنظم بعنوان «أمن الطرقات.. وعي المواطن.. التشريع واستراتيجية الدولة»، اهتمام رئيس الجمهورية شخصيا بهذا الملف وجعله من أولويات برنامجه له دلالة واضحة بأن الأمر قد بلغ حدا يدعو إلى التحرك بشتى الوسائل لمعالجته والتقليص من آثاره قدر الإمكان. واقترح رئيس المجلس الشعبي الوطني، دراسة سيكولوجية للأفراد الذين يخالفون القانون وغير العابئين بسلامة أنفسهم أو سلامة الآخرين، مؤكدا أن هذا النوع من الشخصيات اللامبالية بالقواعد هي ما يجب أن يخضع للتحليل والدراسة بهدف معرفة دوافع السلوك المتهور المؤدي لإزهاق الأرواح، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية. وذكّر بوغالي بجهود الدولة الجزائرية التي وضعت منظومة كاملة من النصوص القانونية لردع المخالفين ومتسببي الحوادث، وحرصها على قمع ممارسات الغش التي تتسبب في انعدام السلامة عند قيادة المركبات، داعيا الحقوقيين والمهتمين بالمنظومة التشريعية لسنّ تعديلات تعالج ظاهرة انعدام الأمن في الطرقات تكون موافقة لما تسفر عنه دراسة العوامل السيكولوجية أو حتى الاجتماعية للفرد الجزائري. غياب استراتيجية وطنية قلّص الدور الردعي من جهته، أكد علي مونسي رئيس لجنة النقل والمواصلات والاتصالات السلكية واللاسيلكية، أن حوادث المرور أصبحت ترسم مشاهد تراجيدية تهدد الانسجام الاجتماعي والاقتصادي بالجزائر، مشيرا إلى أن أمن الطرقات يجب أن تصبح قضية رأي عام وأولوية وطنية لإيقاف هذا النزيف، وإيقاف هذا التهديد خدمة للصالح العام. وأوضح مونسي أن النصوص القانونية المؤطرة والمنظمة لأمن الطرقات موجودة، لكن الإستراتيجية الوطنية غابت، ما جعل هذه القوانين قاصرة في مواجهة إرهاب الطرقات الذي أصبحت تداعياته خطرة جدا، فالمشكلة اليوم -حسبه- ثقافية ونفسية للعنصر البشري، داعيا للتحلي بالثقافة المواطنة من أجل بناء مجتمع وطني وواع. وحسب مونسي، يرتبط ذلك بضرورة توفر الإرادة السياسية، إشراك جميع قوى المجتمع لترسيخ الوعي، إعداد مقاربة علمية، لمكافحة ما أسماه ب»الانحراف الاجتماعي»، والتعبئة الاجتماعية، داعيا رئيس الجمهورية للإشراف على ندوة وطنية حول أمن الطرقات بمشاركة كل الفاعلين من مؤسسات الدولة ومجتمع مدني، لوضع برنامج عمل مفصل محدد الأهداف والمدة. بدوره استعرض ناصف عبد الحكيم مسؤول المندوبية الوطنية للسلامة المرورية، الحصيلة الإجمالية لحوادث المرور للسنة الفارطة والتي تمثلت في 22908 حادث مرور جسماني، نجم عنه 3409 قتيل و30977 جريح، فيما قدرت الخسائر الاقتصادية ب100 مليار دج في السنة. وأشار المتحدث، إلى أن العامل البشري، كالعادة، تصدر أهم أسباب حوادث المرور بنسبة %96,96، من خلال الإفراط في السرعة وعدم أخذ الحيطة والحذر داخل الأحياء، وعدم انتباه المشاة أثناء عبور الطريق، لتأتي المركبة 62,02٪ أحد الأسباب التالية بسبب عدم صلاحية الفرامل، وانفجار العجلات والخلل الميكانيكي، ناهيك عن اهتراء الطرقات. وتطرق ناصف إلى «معالم السياسة الوطنية للوقاية والأمن في الطرقات»، مستعرضا الهيكلة المؤسساتية لإدارة الأمن المروري بالجزائر، حيث تم استحداث هيئتين أوكلت لهما إدارة ملف الأمن في الطرق، ويتعلق بالمندوبية الوطنية للأمن في الطرق، والتي أوكلت لها مهمة رئيسية هي السياسة الوطنية للوقاية والأمن في الطرق من الناحية العملية، بالإضافة إلى المجلس التشاوري ما بين القطاعات للوقاية والأمن في الطرق، والذي تكمن مهمته في تحديد السياسة والإستراتيجية الوطنية للأمن في الطرق. وبخصوص أهم التدابير المتخذة لتعزيز السلامة المرورية، فتحدث ناصف عن التكوين من خلال إدراج التربية المرورية في المقررات المدرسية لمختلف الأطوار، حيث تم المصادقة على مرسوم تنفيذي يحدد كيفيات تعليم القواعد الخاصة بحركة المرور والوقاية والأمن في الطرق في المؤسسات المدرسية خلال اجتماع للحكومة انعقد يوم 28 ديسمبر 2022، ناهيك عن التشريع من خلال تعزيز المنظومة التشريعية بإصدار قانون مرور جديد قيد الدراسة على مستوى الأمانة العامة للحكومة، يستجيب لمتطلبات حماية وسلامة مستعمل الطريق، بالإضافة إلى تعزيز الاتصال وذلك بتكثيف حملات التوعية والتحسيس بالاعتماد على مخططات الاتصال المستقطبة للجمهور. ومن التحديات التي رفعتها السلطات العمومية، عصرنة الإدارة ورقمنة مختلف الملفات، من بينها ملف الأمن في الطرق، وتبني خيار رقمنة إدارة الأمن في الطرق سيسمح على الأمدين القريب والمتوسط بإحداث نقلة نوعية في معالجة ظاهرة حوادث المرور، ومن ذلك العصرنة من خلال وضع المنظومة الوطنية لجمع المعطيات المتعلقة بحوادث المرور، بعد توحيد الاستمارة الوطنية لحوادث المرور الجسمانية، المستغلة من طرف مصالح الأمن ورقمنة المعطيات مما سيسمح بتسهيل جمع وتحليل ومعالجة المعطيات المتعلقة بحوادث المرور. مستوى الخطر الطرقي بالجزائر مرتفع جدا من جهته، شدّد الأستاذ فارس بوباكور على الحاجة لبناء وإدارة إستراتيجية وطنية، وذلك من خلال تقديم تحليل استراتيجي لمستوى الخطر الطرقي ببلادنا والذي هو مرتفع جدا مقارنة بالدول المتطورة، متطرقا إلى الممارسات الجيدة في مجال السلامة المرورية وكيف قلصت الدول المتقدمة من حصيلتها. وقدّم المتدخل الخطوط العريضة لإستراتيجية وطنية في ميدان السلامة المرورية، والتي تفرض ضرورة تحديد الرؤية والقيم، تعميق التشخيص الاستراتيجي، صياغة الأهداف الإستراتيجية وتحديد الأولويات، بناء الخطط ونموذج المتابعة وتقييم النتائج، وأخيرا المصادقة وبداية تنفيذ الإستراتيجية. من جانبهما اقترح كل من الصادق الأمين بوغالب وأ.محمد لزهر بن عيس، معالجة مشكل السلامة المرورية من خلال مقاربتين، الأولى على المدى القريب بواسطة حلول مستعجلة، من خلال تصميم الطرق وصيانتها، مع إجبارية القيام بتدقيق السلامة المرورية في إطار تصميم مشاريع البنية التحتيتة، والقيام بعمليات تفتيش دورية، ووضع إجراء خاص بتسيير النقاط السوداء. وبخصوص التحكم في حركة المرور، اقترحا إعادة النظر في تحديد السرعة بما يتماشى مع حال الطرقات والسلوك العام لمستعمليها، واستخدام التقنيات الحديثة مثل الرصد الالكتروني والكاميرات لتحسين الرصد والردع. وفيما يخص المقاربة البعيدة الأمد، أكد المتدخلان على ضرورة بناء معرفة دقيقة ومستمرة بواقع السلامة المرورية، وتقييم وتعزيز نظام القيادة، ووضع خطة شاملة لتحسين السلامة المرورية.