التطرف العنيف تهديد عالمي لا يعترف بالحدود ولا يرتبط بأيّ دين التضامن والتعاون الدوليان لعلاج الأسباب الجذرية للآفة والعوامل المغذية لها قدم رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أمام مجلس الأمن الدولي، إحاطة شاملة حول الآليات الكفيلة بدحر الأنشطة الإرهابية المتنامية في القارة الإفريقية، مقترحا بلورة رؤية جماعية، تسند الجهد الأمني بالتعاون الثنائي والمتعدد بعيدا عن المقاربة التقليدية التي اتخذتها بعض الأطراف كغطاء للتدخل وتحجيم سيادة الدول. مثلما سبق، ودعا في قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة إلى تبني استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على مستوى القارة، على اعتبار أن الحالية تجاوزها الزمن، طرح رئيس الجمهورية في النقاش رفيع المستوى بمجلس الأمن الدولي، أمس الأول، خطة عملية لتنسيق الجهود الدولية تحت مظلة الأممالمتحدة، لمجابهة هذه الآفة. وبصفته منسق الاتحاد الإفريقي حول الوقاية من الإرهاب والتطرف العنيف ومكافحتهما، حرص الرئيس تبون على لفت الانتباه إلى حقيقة كون «القارة الإفريقية الأكثر عرضة للأنشطة الإرهابية والتطرف العنيف». وأشار إلى ارتفاع الأعمال الدموية لهذه الجماعات واتساع الرقعة الجغرافية لانتشارها، إذ تكاد تشمل الجهات الخمس للقارة الإفريقية، فمن موزمبيق إلى كينيا، مرورا بالقرن الإفريقي. هذا الوضع الخطير الذي تم رصده في العقد الأخير، لا يحظى بالاهتمام الدولي اللازم، وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية قائلا: «بالنظر لما لمسناه من تراجع اهتمام المجموعة الدولية بهذا الموضوع في سياق عالمي يتسم بالاضطراب والاستقطاب، وجب التأكيد، مرة أخرى، أن ما تواجهه إفريقيا هو تهديد عالمي لا يعترف بالحدود ولا يرتبط بأي دين أو عرق أو جنسية». وشدد في الوقت ذاته على أهمية التفريق بين الجماعات الإرهابية الدموية، وبين النضالات المشروعة للشعوب من أجل حقها في تقرير المصير، بعدما احترفت مخابر الكيانات القائمة بالاحتلال على تشويه كفاح الشعوب من أجل التحرر، ونعت نضالاتها بالإرهاب. الجوار الإقليمي.. كلمة رئيس الجمهورية، في النقاش رفيع المستوى، لم تتوقف عند تشخيص الظاهرة الإرهابية في إفريقيا، وإنما استوفت جملة من الحلول والمبادرات واجبة التنفيذي على 3 مستويات جيوسياسية: المستوى الأول، ضمن منطقة الساحل الإفريقي والصحراء، والتي تقع ضمن الجوار الإقليمي المباشر للجزائر، ويصفها الخبراء بأنها «البطن الرخو للأمن القومي الجزائري»، أي أنها منطلق أخطر التهديدات الأمنية على الجزائر ودول الجوار. هذه الرقعة الجغرافية التي شهدت منذ 2007، أكبر انتشار للجماعات الإرهابيين وأضخم عمليات تجميع للإرهابيين الأجانب عن القارة، تنظر إليها الجزائر، بنظرة التضامن وحسن الجوار لتقاسم الأعباء الأمنية والتصدي للظاهرة الإرهابية والجريمة المنظمة. ومن أجل إضفاء ديناميكية جديدة، أطلع الرئيس تبون، مجلس الأمن على المبادرة التي «تقدمت بها الجزائر والتي تمت المصادقة عليها شهر أكتوبر 2022 من قبل الدول الأعضاء في لجنة الأركان العملياتية المشتركة (CEMOC) والتي تضم كلا من الجزائرومالي وموريتانيا والنيجر». وأوضح الرئيس، أن «الأهداف الرئيسية لهذه المبادرة، تتمثل في إعادة تنشيط دور لجنة الأركان العملياتية المشتركة (CEMOC) من خلال تكييف مهامها وتنظيمها بالشكل الذي يسمح لها بمواكبة التحديات الراهنة، وتقديم مساهمة فعلية في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة». ويأتي رمي الجزائر بثقلها لمساعدة دول الجوار على التصدي لمخاطر الإرهاب والتطرف العنيف، رغم أنها تمكنت في تسعينيات القرن الماضي «من مواجهة ودحر شرور الإرهاب وسط غياب شبه كلي للدعم المادي والمعنوي المنتظر من المجتمع الدولي»، ومع ذلك تضع خبرتها وإرادتها مع الجميع لمواصلة مكافحة الآفة. البعد القاري.. المستوى الثاني للمقاربة الجزائرية الشاملة، يشمل القارة الإفريقية ببعدها الجيوسياسي الكامل، وبحكم توليها مهام منسق الاتحاد الإفريقي للوقاية من هذه الآفة والتصدي لها -يقول رئيس الجمهورية- «تواصل الجزائر مساعيها الرامية للمساهمة في تعزيز العمل الإفريقي المشترك في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف». وذكر الرئيس عدة عناصر في غاية الأهمية على رأسها: «وضع خطة عمل جديدة للاتحاد الإفريقي في مجال مكافحة الإرهاب، تفعيل الصندوق الإفريقي الخاص بمكافحة الإرهاب، وضع قائمة إفريقية للأشخاص والمجموعات والكيانات المتورطة في أعمال إرهابية، بما في ذلك المقاتلين الإرهابيين الأجانب، تجسيد مشروع الأمر بالقبض الإفريقي». وسبق لرئيس الجمهورية، أن طرح هذه الإستراتيجية لتكون بديلا لما هو موجود حاليا على مستوى الاتحاد الإفريقي، في قمة أديس أبابا الأخيرة، وذلك في كلمة له. وأكد مواصلة الجزائر، دعمها للآليات والوكالات الإفريقية المتخصصة في هذا المجال، خاصة المركز الإفريقي للدراسات والبحوث المتعلقة بالإرهاب (ACSRT) وآلية الاتحاد الأفريقي للتعاون الشرطي (AFRIPOL) وهما الآليتان اللتان تتشرف الجزائر باحتضان مقريهما، فضلا عن لجنة أجهزة الأمن والاستخبارات الأفريقية (CISSA) الكائن مقرها بأديس أبابا. على الصعيد الدولي.. التصور الذي يطرحه رئيس الجمهورية، لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، باعتبارهما ظاهرة عابرة للأوطان، لا يقصي المجتمع الدولي من المساهمة البناءة عبر بوابة «التعاون والدعم»، وليس «التدخل المباشر» الذي أثبت فشله وتحول إلى لعبة ضخمة لتحجيم سيادة بعض الدول. وقال الرئيس تبون: «لابد من إعمال التضامن والتعاون الدوليين ضمن مقاربة شاملة تتجاوز علاج الأعراض لتنصب على الأسباب الجذرية لهذه الآفة والعوامل المغذية لها». مشددا على أن يكون الجهد الدولي تحت مظلة الأممالمتحدة، باعتبارها رمز الشرعية الدولية، بعيدا عن المبادرات الأحادية التي تثير الشكوك والريبة لدى الشعوب التي تعاني من خطر الإرهاب. وتقوم مبادرته في هذا الجانب، على 5 أركان، هي تعزيز قدرات الدول الإفريقية، ومنع استخدام أراضي الشركاء الدوليين كمنصات للتحريض أو دعم أنشطة إرهابية في دول أخرى، مع مضاعفة الجهود لتفادي المساهمة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تمويل الإرهاب. إلى جانب دعم الآليات والعمليات المشتركة المفوضة من قبل الاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب، خاصة عبر الفصل في مسألة تمويلها باللجوء إلى ميزانية الأممالمتحدة، والعمل على بلورة جيل جديد لعمليات حفظ السلام بحكم أن النموذج التقليدي لهذه العمليات لم يعد يتماشى مع الواقع والتهديدات الجديدة، لاسيما مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة. وتواجه التكتلات الإقليمية في إفريقيا لمكافحة الإرهاب، صعوبات كبيرة في التمويل وبناء قدرات الجيوش الوطنية، حيث تفتقد عمليات حفظ السلام، بشكلها الحالي إلى النجاعة المطلوبة، بل تتحول في بعض الأحيان إلى جزء من المشكلة، مثلما حدث في مالي. فيما يشكل الاستثمار أكثر في التنمية الاقتصادية بالقارة الإفريقية، الركن الحيوي، انطلاقا من التجارب الواقعية التي تثبت يوما بعد يوم أنه لا يمكن تحقيق استقرار مستدام دون تنمية مستدامة. وفي السياق، ذكر رئيس الجمهورية، بقراره القاضي بضخ مبلغ واحد (01) مليار دولار أمريكي في ميزانية الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية بغية المساهمة الفعلية في دفع عجلة التنمية بالقارة الإفريقية.