خلال إحيائها لعيد العمال العالمي، عبرت النقابات المغربية عن استنكارها لمراكمة تجار الأزمات للثروة، مقابل تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعاملين وعموم المواطنين، الذين باتوا عاجزين عن توفير الأساسيات بسبب موجة الغلاء، حيث انهارت القدرة الشرائية. نظمت عدة نقابات مثل الاتحاد المغربي للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والكونفدرالية المغربية للشغل، والفدرالية المغربية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، تظاهرات حاشدة بمختلف مدن المملكة أمس الأول، شارك فيها آلاف الناقمين على تدهور وضعهم المعيشي والحقوقي. وطغت على التظاهرات هتافات داعية للحد من غلاء الأسعار، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين الذين دخلوا العام الثاني على التوالي في ارتفاعات أسعار السلع الأساسية. وبالمناسبة، سجلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن العيد العالمي لفاتح ماي حلّ هذه السنة على الطبقة العاملة في ظل أجواء تتسم بتردي أوضاع حقوق الإنسان على جميع المستويات، السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وأكدت أكبر جمعية حقوقية بالمغرب، أن الأوضاع ما انفكت تتفاقم وتزداد تدهورا، سنة بعد أخرى؛ بفعل سوء أحوال الغالبية العظمى من المواطنين، وتعاظم الظلم، وتراجع الحق في الحرية والمساواة والعيش الكريم، واستفحال الفساد في وسط الإدارات ودواليب المؤسسات. كما أبرزت الجمعية توالي الهجمات على الحقوق الشغيلة وعلى الحريات النقابية وعلى المكتسبات الاجتماعية الأساسية لمختلف الفئات، في استغلال فج للظرفية الوطنية والدولية، وما تسببت فيه من كوارث، بيئية وصحية، وأزمات اقتصادية وحروب مشتعلة؛ وذلك لمواصلة سياسة القمع والترهيب، والتضييق على الحق في التعبير والتنظيم والتظاهر السلمي، ضدا على التزامات الدولة. واعتبرت أن الحكومة لم تتورع عن اتخاذ، فترة الحجر الصحي وانعكاسات الحرب الدائرة فوق الأراضي الأوكرانية، مبررا وذريعة لإطلاق العنان للتضخم المفتعل، والتسبب في موجة الغلاء التي تجتاح المغرب حاليا، والتي تتزامن مع انخفاض القدرة الشرائية. كما أكدت الجمعية ارتفاع معدل البطالة، ونبهت إلى البؤس الذي تعيش فيه الطبقة العاملة وسائر المأجورين والمستخدمين وعائلاتهم والمترتب عن غلاء المعيشة وتدني القدرة الشرائية، بسبب ارتفاع الأسعار وتجميد الأجور، وإغلاق العديد من المؤسسات والوحدات الإنتاجية. وطالبت بضمان الحريات والحقوق النقابية، في ظل استمرار وتصاعد الخروقات السافرة في هذا المجال، وخلصت الجمعية في تصريحها إلى المطالبة بالإفراج الفوري عن معتقلي الحراك الشعبي في الريف، وغيرهم من معتقلي الرأي والصحافة والمعتقلين السياسيين، وإسقاط المتابعات وإلغاء المحاكمات الجارية في حق النشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، وبالحركة الحقوقية والاجتماعية، وكل الذين اعتقلوا جراء ذلك. من جانبهما، انتقدت كل من نقابة "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" وحزب "فدرالية اليسار الديمقراطي" ما وصفاه بحالة الانحباس السياسي، والتضييق الممنهج على الحقوق والحريات، في ظل تغييب الديمقراطية وسيادة المقاربة الأمنية. اغتناء تجار الأزمات هذا، ونبّه الميلودي مخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، في كلمة له بمناسبة فاتح ماي إلى أنه وفي الوقت الذي تَتَكَدَّس الثروة في يَد ثُلَّة من تجار الأزمة الذين يُراكمون أرباحا خيالية على حساب لقمة عيش عموم المغاربة، تَكْتوي الطبقة العاملة بلهيب الأسعار، ليس بالنسبة للمحروقات فحسب، بل المواد الغذائية الأساسية التي أصبحت تدخل في صنف المواد الكمالية، حيث لا تسمح جيوب الطبقة العاملة وعموم الأجراء باقتنائها. وأكد مخاريق أن عدوى الارتفاع الفوضوي انتقلت إلى كل المواد بما في ذلك الوظيفية والخدماتية، حيث يتواصل استنزاف جيوب عموم المواطنين في ظل انهيار قدرتهم الشرائية، حتى أصبحت الأسر المغربية تَرْزخُ تحت وطأة القروض لمجابهة مضاعفة تكاليف العيش. وأمام هذه الأوضاع المتردية والاحتقان الاجتماعي، سجل الأمين العام للاتحاد وقوف الحكومة عاجزة عن اتخاذ إجراءات ملموسة وجِدية للتتخفيف والحد من وطأة لهيب الأسعار، والضرب بقوة على يد المضاربين والوسطاء، والمتاجرين الذين يغتنون بطرق غير مشروعة. ريع وفساد وإغلاق سياسي وفي كلمة المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالمناسبة، نددت المركزية النقابية بإغلاق الدولة المجال السياسي وإفساده وربطه بالريع والفساد والولاء، وصناعة الأحزاب والنخب على المقاس، بما يبقي وضعية الاستبداد والممارسة الصورية للديمقراطية بواسطة انتخابات فاسدة وصناعة الخرائط السياسية والمؤسسات الشكلية التي لا علاقة لها بالإرادة الشعبية، مع الإبقاء على المقاربة الأمنية الجاثمة على أنفاس المواطنين، والقامعة لكل أشكال التعبير والرأي والاحتجاج والحريات الفردية والجماعية.واعتبرت الكونفدرالية أن الحكومة الحالية تمثل الوجه الحقيقي لاختيارات الدولة القائمة على الجمع بين السلط من جهة، والجمع بين السلطة والمال من جهة أخرى، وما يمكن أن ينتج عن هذا الجمع من مفاسد سياسية واقتصادية، تنعكس على الواقع الاقتصادي والاجتماعي لعموم المواطنين. تسقيف الأسعار ودعم الأسر من جهته، طالب الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الحكومة بضرورة العمل على تسقيف الأسعار والحفاظ على القدرة الشرائية للمغاربة، في ظل الظرفية الراهنة المتسمة بغلاء المعيشة، ودعا إلى ضرورة فتح حوار حقيقي متعدد الأطراف، لتطويق الأزمة الاجتماعية التي تمر بها البلاد، والعمل على توفير شروط إقامة سلم اجتماعي قوامه الاستجابة للمطالب الموضوعية والعادلة للشغيلة.