في دراسة لليونسكو أشرف عليها شون ماكبريد، حديث مستفيض عن الدور الثقافي لوسائل الاتصال وجاء فيه أنّ الاتصال يؤدي دور الناقل الأساسي للثقافة ووسائل الاتصال هي أدوات ثقافية تساعد على دعم المواقف أو التأثير فيها، وعلى حفز وتعزيز ونشر الأنماط السلوكية وتحقيق التكامل الاجتماعي، وهي تلعب أو يتعين عليها أن تلعب دورا أساسيا في تطبيق السياسات الثقافية، وفي تيسير إضفاء طابع ديمقراطي على الثقافة وهي تشكل بالنسبة لملايين من الناس الوسيلة الأساسية في الحصول على الثقافة أشكال التعبير الخلاق كذلك؛ فالاتصال له دور في تدبير شؤون المعرفة وتنظيم الذاكرة الجماعية للمجتمع، وبخاصة جمع المعلومات العلمية ومعالجتها واستخدامها وهو يستطيع احتمالا على الأقل - إعادة صياغة القالب الثقافي للمجتمع، ومع ذلك ففي هذا المجال كما في سائر المجالات، فإنّ التطور السريع للتكنولوجيا الجديدة ونمو البنى المصنعة التي تستمد سيطرتها على الثقافة وعلى الإعلام يخلق مشكلات وأخطارا. وبينت الدراسة أنّ المسؤولية الملقاة على عاتق وسائل الإعلام الجماهيرية مسؤولية هائلة، ذلك أنها لا تقوم بمجرد نقل الثقافة ونشرها بل بانتقاء محتواها أو ابتداعه. ومن أهم الأخطار التي اكتسبت أبعادا كبيرة وأثارت نقاشات حادة ما يتعلق بمسألة السيطرة الثقافية التي تتخذ شكل الاعتماد على نماذج مستوردة تعكس قيما وأساليب حياة غربية وتتعرض الذاتية الثقافية للخطر من جراء التأثير الطاغي للأمم القوية على بعض الثقافات القومية واستيعابها، رغم أنّ الأمم صاحبة هذه الثقافات الأخيرة هي وريثة ثقافات أقدم عهدا وأكثر ثراء وحيث أنّ التنوع والتباين هما من أهم خصائص الثقافة وأقيمها، فإن العالم بأسره هو الخاسر من جراء هكذا تنميط ثقافي وهوياتي يطال الأمم والمجتمعات الصغيرة من لدن الثقافات القومية والعالمية وهذه السيطرة -الثقافية - أشار إليها الدكتور أحمد مجازي، وهو يتحدث عن بلورة ثقافية عالمية تتسم بسمات خاصة تستفيد منها الفئات المسيطرة على العمليات الاقتصادية والسياسية والإعلامية، حيث تحتكر التقنية والإنتاج الإعلامي على المستوى العالمي، ولا شك أنّ ذلك من شأنه تشكيل نمط محدّد من الوعي الثقافي، وفرض نماذج وفلسفات غربية من خلال إنتاج وتوزيع واستهلاك المواد الإعلانية والاتصالية، إذ تعتبر المعلومات في عصر ما بعد الحداثة عبارة عن مادة خام تستخدم في الصناعات، وأصبح من يمتلك المعلومات هو من يتحكم في زمام القوى، وهذا ما تسعى إليه الشركات متعددة الجنسيات والتي من بينها 24 شركة تسيطر على قطاع الاتصال المعلوماتي والترفيهي في العالم، منها 4 شركات كبرى تسيطر على 80 بالمئة من التدفق الإخباري في العالم وهي: رويترز، أسوسيتد بريس، يونايتد بريس، وكالة الأنباء الفرنسية، وهذا من خلال توزيعها لحوالي 32 مليون كلمة في اليوم إضافة إلى الصور، وهكذا أضحى التدفق الإخباري والإعلامي تبادلا رأسيا باتجاه واحد ووجهة نظر واحدة تعبر عن رأي القوى المسيطرة فقط، ممّا يؤثر على طرق تفكير الجمهور، وهذا ما تفسره نظرية وضع الأجندة ل "ماكومبز" و«شو" والتي ترى بأنّ أجندة وسائل الإعلام تؤثر على أجندة الجمهور؛ فالأخبار يمكن أن لا تنجح في إجبار الناس على تبني طرق معينة في التفكير، أيّ كيف يفكرون، ولكنها تنجح في تحديد مجال القضايا التي يفكرون فيها، وتتشكل أجندة الجمهور من خلال الوسيلة التي يعتمدون عليها أكثر في استقاء معلوماتهم، وهذا ما أثبتته دراسة تيكينور" و«واكمان" سنة 1973 والتي تهدف إلى قياس مدى معرفة الناس بالخلاف المتعلق بموقع صرف المياه المحلية، وكانت النتيجة أنّ ما يصدقه الناس حول هذه القضية يرتبط بخط الصحيفة التي يقرأونها. وتظهر خطورة الاحتكار الإعلامي من قبل الشركات متعددة الجنسيات بإحلال عصر التخطي المعلوماتي للحدود القومية حاملا معه ظاهرة ثقافة عابرة للقوميات. وقد بين الأستاذ "مانكيكان" في دراسة بعنوان "تدفق المعلومات بين الدول المتقدمة والنامية خطورة الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الأمريكية في السيطرة الثقافية العالمية قائلا: وبفضل تحكمها في التقنية الحديثة والإنجازات المذهلة التي حققتها الثورة الإلكترونية" فقد نجحت الولاياتالمتحدة في تطوير ما أصبح يعرف باسم صناعات المعرفة والإعلام التي نجحت صادراتها الثقافية البالغة القوة والتأثير في تحويل التدفق الحر للمعلومات في اتجاه واحد، أيّ من الدول المتقدمة إلى الدول المتخلفة. وتفيد الإحصائيات بأنّ خمسا وستين في المائة (65%) من الأخبار والمعلومات التي يتم تداولها في العالم بشكل أو بآخر يرد من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأنّ سير المعلومات يمضي في اتجاه واحد من الدول المتقدمة إلى الدول النامية كما أسلفنا، وبذلك تواصل الولاياتالمتحدة سيطرتها على العالم وتلك هي المفارقة المثيرة للسخرية فيما يتعلق بحرية الإعلام وأكثر الأدوات التي تستخدمها واشنطن فعالية لتحقيق هذه الغاية هي وسائل الاتصال الالكترونية والهيئات متعددة الجنسيات لكي تنشر أسلوب الحياة الأمريكية وثقافة المال والتجارة، خاصة وأنّ صناعة الاتصال تحتل مكانا بارزا بين الصناعات الأخرى، وهي تحتوي كما يقول - ماكبرايد - على ما يمكن أن يسمى صناعة الثقافة بمعنى أنها تعيد إنتاج أو نقل منتجات ثقافيه أو أعمال فنيه وثقافيه بالوسائل الصناعية وكانت مصادر انتفاع الناس بأعمال الإبداع الثقافي في بدايات القرن العشرين مقصورة بصفة عامة على مجال بيع الكتب والمكتبات والمتاحف والمسارح وقاعات الموسيقى، أما اليوم، فإنّ منتجات الثقافة من كتب وأفلام وتسجيلات وبرامج تلفزيونية تصل غالبا إلى جمهور يعد بالملايين. وقد أوضح الدكتور السيد عليوة؛ وهو يحلل ظاهرة البث المباشر عبر الأقمار الصناعية من زاوية تأثيره على المشاهد العربي، أنّ الجوانب الإيجابية لهذا البث تتمثل فيما يلي: 1 - تجديد الثقافة الوطنية الراكدة في بعض الأحيان بتطعيمها بنماذج وتطلعات عصرية الحتمية التكنولوجية) جديدة تتعلق بالإبداع أو الأداء الرفيع والإيقاع السريع مع تشجيع التبادل الحضاري ونشر التسامح الثقافي بين الأمم والشعوب. 2 - تطور وسائل الاتصال المحلية وبالذات التلفزيون حيث تفرض عليها المنافسة مع القنوات العالمية ضرورة تحديث أساليبها. 3 - اختفاء فكرة السيادة الإعلامية التي كانت تتمسك بها الدول، الأمر الذي سوف يثير قلق الحكومات الاستبدادية والنظم العنصرية وانتشار الخوف المرضي من التكنولوجيا أو ما يسمى ب (التكنوفوبيا) لأنه يتضمن مزيدا من الدعوة إلى التحرير والانطلاق كما سوف يزوّد الناس بالمزيد من المعلومات التي تساعدهم على حرية الاختيار. وتتمثل الجوانب السلبية فيما يلي : 1 - تشكيل العقول والتلاعب باتجاهات الرأي العام وتوجيه رغبات بما يتفق مع السياسات ومصالح أصحاب هذه المحطات من الدول الصناعية الغربية (وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية وغيرها من رجال الأعمال. حقن الوجدان القومي بقيم ومعايير وسلوكيات قد لا تتفق مع التقليدية الأمر الذي سيهدد النسيج الاجتماعي. إشاعة الميول الاستهلاكية المهمة والرغبة في التقليد والمباهاة (1-إنسان -2 الثقافة -3 السوق إنسان الربح والخسارة لا إنسان القيم والمبادئ. 2 - تركيز بعض المحطات الإخبارية في الولاياتالمتحدةالأمريكية على جذب اهتمام المشاهد في تقديم الأخبار بعيدا عن المجرى الصحيح أو الحقيقي للأحداث بغرض الإثارة والتشويق والملاحقة. 3 - التهديد الذي تمثله وكالات الإعلان العالمية بما تفرضه من أساليب إعلانية غربية رأت فيها اليونسكو، تهديدا للذاتية الثقافية والتحقيق الذاتي لكثير من البلدان النامية، فهي تعرض على جماهير غفيرة قيما أخلاقية أجنبية، وقد تحول طلبات المستهلكين في البلدان النامية إلى مجالات استهلاكية قد تعوق أولوياتها الإنمائية، وهي تؤثر في أنماط المعيشة وأساليب الحياة وكثيرا ما تشوهها، فضلا عن ذلك فإنّ تهديد المصالح الخاصة أو الحكومية بحسب إعلاناتها قد تشكل تهديدا لحرية الصحافة. وهو نفس ما أشار إليه الدكتور محمد السيد محمد" في كتابه "الغزو الثقافي والمجتمع العربي المعاصر" حيث يقول : إنّ وسائل الإعلام في الوطن العربي قد انزلقت انزلاقا واضحا في سلبيات الإعلان وانعكست الأشكال الغربية للإعلان على الإعلان في العالم العربي بدرجات مختلفة. وقدم الدكتور " محمد "شومان" تحليلا لأثار "عولمة الثقافة والإعلام" على الواقع الاتصالي والثقافي في النظام الإعلامي العربي عبر عنه ب (عدم التوازن في انتشار تكنولوجيا الاتصال الجماهيري قائلا: إنّ وسائل الإعلام في بعض الدول العربية ما زالت عاجزة عن استيعاب التطورات التكنولوجية المعاصرة واستخدامها وملاحقتها وعن توفير الكوادر الإعلامية الوطنية التي تفي باحتياجات الإنتاج كما ومضمونا وشكلا، والملفت للانتباه أنّ الفجوات بين الدول العربية أو داخل كل قطر تتسع فيما يتعلق باستخدام تكنولوجيا الاتصال الحديثة أو وسائل الاتصال غير التقليدية كالانترنيت وهو ما قد يرتب آثارا وتداعيات اجتماعية وثقافية خطيرة، كما أنّ التبعية الإعلامية العربية للإعلام الغربي من حيث استيراد مضامين إعلامية ترفيهية دون مراعاة للثقافة المجتمعية وخصوصيات الأقطار العربية والإسلامية يمثل خطرا آخر أكبر على الهوية الوطنية. جاء في المادة رقم 52 من إعلان مبادئ بناء مجتمع المعلومات الصادر عن القمة العالمية لمجتمع المعلومات (جنيف 10-12 2003) أنّ "التنوّع الثقافي هو التراث المشترك للإنسانية جمعاء. وينبغي أن يقوم مجتمع المعلومات على أساس احترام الهوية الثقافية والتنوع الثقافي واللغوي والتقاليد والأديان وأن يعزّز احترام هذه المفاهيم، وأن يشجع الحوار بين الثقافات والحضارات ومن شأنه تعزيز وتأكيد الهويات الثقافية المتنوعة واللغات المختلفة والحفاظ عليها، كما جاء في الوثائق المعتمدة ذات الصلة الصادرة عن الأممالمتحدة، بما في ذلك إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي، أن يدعم إثراء مجتمع المعلومات."