«حروف الضباب.. طبعة جديدة لرواية قديمة"، بهذه العبارة وصف الروائي والكاتب الصحفي، الخير شوار، عودة روايته إلى الظهور، ولكن هذه المرة من بوابة صالون الجزائر الدولي للكتاب، وفي طبعة صادرة عن دار "متون" للنشر. وقد تعددت القراءات السابقة لهذه الرواية، واختلفت زوايا المعالجة والتحليل، ولكنها أجمعت على قيمة النص واقتدار صاحبه، ما يجعل هذه الرواية القديمة/الجديدة جديرة بالقراءة. «كانت الصورة واضحة على شاشة التلفزيون.. شاب بملامح حزينة.. الصورة الجامدة وجدوها في بعض أوراق المختفي الخاصة، تمثله عندما كان يستعد للتسجيل في قائمة المقبلين على الدراسة في المرحلة الثانوية.. فوق الصورة كتبوا بخط الكتروني عبارة "نداءات"، وتحت العبارة جاء ما يلي: الاسم: الزواوي.. العمر: 18 سنة تقريبا".. بهذه الفقرة تبدأ رواية "حروف الضباب"، للروائي والكاتب الصحفي الخير شوار، التي عادت إلينا في طبعة جديدة، بعد طبعة قديمة لاقت الاستحسان وحظيت بالدراسة والتحليل. قيل في هذا النص الروائي إنه، "ذو طابع درامي بامتياز، ينصرف الكاتب من خلاله إلى محاولة التوغل في العوالم الذاتية لمختلف الشخصيات"، كما أن "الأساس في هذه الرواية هو، على الأرجح، التحدث بلسان هذه الشخصيات في إطار ما لا يتفوهون به في حواراتهم المعتادة مع الآخرين". تدور أحداث رواية "حروف الضباب" حول شاب في الثامنة عشرة يدعى "الزواوي"، يختفي فجأة في ظروف غامضة، ما يبعث الحيرة والذهول في أوساط قريته، فتقرر عائلته البحث عنه في الحصة التلفزيونية الشهيرة آنذاك "وكل شيء ممكن". وتتعدّد شخصيات الرواية وتمتد أزمتنها إلى مئات السنين، فاسم "الزواوي" يتكرّر أكثر من غيره طيلة الأحداث، ولكن لا يوجد "زواوي" واحد في الرواية بل ثلاثة أشخاص، من أزمنة مختلفة، يحملون هذا الاسم، وجميعهم مولعون بنسوة يحملن نفس الاسم: "الياقوت". ورغم اختلاف الأزمنة، يجمعهم المكان الواحد، ومن هنا تنشأ المفارقة التي تجعل الزمن يمتدُّ دون أن ينقطع ذكر الزواوي وحكايته مع المعشوقة الياقوت. كما يمكن تقسيم الرواية إلى حكايات، كل واحدة منها تحيل إلى الأخرى، وإذا كاد القارئ أن ينسى الحكاية السابقة كلما بدأ في قراءة حكاية جديدة، إلا أن هذه مرتبطة أشد الارتباط بتلك. وقد حظيت هذه الرواية باهتمام الباحثين والدارسين في مختلف جامعات الوطن. ومن هذه الأعمال نذكر مذكرة ماستر بجامعة أدرار عنوانها "البناء الفني في رواية حروف الضباب للخير شوار"، وخلصت هذه الدراسة إلى أن رواية شوار استمرار للأدب الواقعي الثائر على شرور الحياة، الذي يختار مادته من مشكلات الواقع الاجتماعية. كما أن العناصر الفنية التي شكّلت العمل الروائي "كانت بناءً وهيكلا محكما شكله التناسق والتفاعل الوظيفي". وفي مذكرة "ماستر" أخرى بجامعة أم البواقي بعنوان "محكى الفانتاستيك في رواية حروف الضباب للخير شوار"، نقرأ: "يتجاوز العجائبي القاعدة الثلاثية المعروفة للعمل الأدبي، فيوظف شخصيات تملك قوى خارقة لا يملكها البطل الكلاسيكي، كما يكون عالمه الخاص يحكمه زمن يتمطط أحيانا ويتقلص أحيانا أخرى، ومكانه يتأرجح بين الواقعي والخيالي. وكان الروائي الخير شوار في عمله "حروف الضباب" قد ألبس رداء العجائبي لعمله هذا فكان خارقا للعادة وعجيبا بامتياز". كما نشير إلى مذكرة ثالثة بجامعة جيجل عنوانها "الأبعاد الأسطورية في رواية "حروف الضباب" للخير شوار"، خلصت الدراسة إلى أن الأبعاد الأسطورية في الرواية تجلت في الأجواء الروحانية، والأبعاد الأمازيغية، والأساطير والخرافات الشعبية، "التي صبغت الرواية بصبغة أسطورية" جلية. وبجامعة المسيلة مذكرة حول جماليات الخطاب الروائي في "حروف الضباب"، رأت في هذه الرواية "تصويرا جماليا للواقع الجزائري"، والأسطورة فيها "ترمز إلى أبدية الحياة وتجدّدها، حيث تشبه التاريخ فتروي ما اعتقد الناس أنه حدث". ونقرأ من بين النتائج أيضا: "تميز أسلوب الكاتب بالحبكة الفنية، وقوة الروابط السردية، والقوة في توظيف الموروث الشعبي، ما يدل على أنه صاحب ثقافة واسعة غزيرة في التراث". كثيرة هي الأمثلة عن المذكرات والمقالات التي تصدت بالدراسة والتحليل لهذه الرواية، ولكنها أجمعت على قيمة النص الفنية، وقدرة صاحبه على الإمتاع، ما يجعل هذه الرواية القديمة/الجديدة جديرة بالقراءة.