أمريكا اللاتينية: صحيفة تبرز قمع قوات الأمن المغربية لطلبة صحراويين    الذكرى السابعة والستين لتأسيس فريق جبهة التحرير الوطني: إجراء مقابلة استعراضية بالقاعة البيضاوية    وزير الثقافة والفنون يشرف على حفل تخرج طلبة المعاهد العليا للفنون والتراث بالجزائر العاصمة    نصاب الزكاة لهذا العام قدر بمليون و ستمائة و خمسة عشر ألف دينار جزائري    استشهاد 7 فلسطينيين على خان يونس جنوبي    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 57012 شهيدا و134592 مصابا    تغيراتها وانعكاساتها الإقليمية ج1    سيتم إجراء "تقييم شامل" ودراسة نماذج ناجحة أثبتت نجاعتها    الشلف : تشل نشاط عدة مروجين و تحجز كميات من المخدرات    أمطار رعدية على عدة ولايات من الوطن    محلات الإطعام السريع بؤر للتسمّمات    المشاريع السكنية أصبحت تُنجز في غضون سنة واحدة فقط    ضرورة إعادة الاعتبار للضحايا وتحقيق عدالة تاريخية منصفة    متابعة المشاريع المهيكلة الكبرى    هذا جديد صندوق التعاون الفلاحي    نشكر الجزائر لحرصها على تقوية العلاقات بين البلدين    رصد تطوّر الإنتاج وفرص التصدير    أخبار اليوم تُهنّئ وتحتجب    عقوبات صارمة تطول مافيا الشواطئ بالعاصمة    إطلاق مشروع نموذجي بجامعة عنابة    مشروع مستشفى ب500 سرير في قسنطينة قريبا    سويسرا تفضح "مؤسسة غزة الإنسانية"    المغرب من يعرقل الحل في الصحراء الغربية    تعيين حجيوي محمد رئيسا جديدا لمجلس الإدارة    تحييد 35 إرهابيا وتوقيف 227 عنصر دعم    منظومة شاملة وكاملة لمجابهة التهديدات    الأمن الفرنسي يوقف بلايلي في مطار باريس    بيئة: جيلالي تبحث مع نظيرها الفنزويلي سبل تعزيز التعاون الثنائي    الجامعة العربية تدعو إلى تجديد التفويض الدولي ل"الأونروا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة    عطاف يتلقى مكالمة هاتفية من نظيره البولندي    كرة اليد/كأس الجزائر (سيدات)..نادي بومرداس- نادي الأبيار: نهائي واعد بين عملاقي الكرة الصغيرة النسوية    توأمة بين البلديات : انطلاق قافلة ثقافية من تيميمون باتجاه مدينة أقبو    تيزي وزو.. تدشين ملعب بلدي وقاعة متعددة الرياضات ببلدية ايللتن    استشهاد مدير المستشفى الإندونيسي تحت القصف..إسرائيل تقتل 44 فلسطينيا بينهم 15 من منتظري المساعدات    فاطمة الزهراء سليماني و عبد الباسط بودواو يتوجان في المهرجان الوطني السادس للمواهب الشابة في فنون الغناء    الهلال يُقصي آيت نوري    أطول جسر في الجزائر وإفريقيا    415 ألف مؤسسة مصغرة ممولة منذ 2020    تبّون يدعو إلى انتهاج سياسات أكثر واقعية    أمطار رعدية مرتقبة على عدة ولايات بشرق البلاد    إيليزي: إطلاق مشروع انجاز 240 مسكن بمنطقة تين تورهة سبه النائية    دعوة إلى الاستلهام من الثورة الجزائرية للتحرر من قيود الاستعمار    الفاف" تقرر تقليص الطاقة الاستيعابية لكل الملاعب بنسبة 25 بالمائة    ممارستنا التشريعية تعد "نموذجا واقعيا في التنسيق المؤسساتي"    مدّ جسور الإنشاد من البلقان إلى دار السلام    ستة مؤلفات جزائرية في أربع فئات    "بريد الجزائر" يطلق منصة للشكاوى والاستفسارات    ياسين بن زية يتجه لتوقيع عقد جديد في أذربيجان    630 مليار دينار مصاريف صندوق التأمينات الاجتماعية    برنامج خاص بالعطلة الصيفية    الكشف المبكر عن السكري عند الأطفال ضروريٌّ    بللو يشرف على إطلاق برنامج "هي"    بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم.. صوت الإسلام الأول    الدعاء وصال المحبين.. ومناجاة العاشقين    فتاوى : حكم تلف البضاعة أثناء الشحن والتعويض عليها    تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الإفريقي للصناعة الصيدلانية    الجزائر تستعد لاحتضان أول مؤتمر وزاري إفريقي حول الصناعة الصيدلانية    صناعة صيدلانية: تنصيب لجنة تحضير المؤتمر الوزاري الافريقي المرتقب نوفمبر المقبل بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحمل موروث حضاري عريق وتزين البيوت
نشر في الشعب يوم 13 - 05 - 2015

صناعة النحاس في قسنطينة تستغيث
تزخر عاصمة الشرق الجزائري، لؤلؤة وادي الرمال، قسنطينة بمختلف منتوجات الصناعات التقليدية والحرف.
هذه المدينة التي لا تزال تحافظ على عبقها الجميل ونسماتها المليئة بالعادات والتقاليد،
تعتبر ثروة المدينة العتيقة والقديمة قدم حرفها وصناعاتها اليدوية الضاربة في أعماق حضارتها وتاريخها الزاخر.
سكانها اختاروا المحافظة على عاداتهم وتقاليدهم، متخذين مهنًا لهم يروون من خلالها تاريخهم وحضارات تعاقبت عليهم، فمن بين هذه الحرف تبقى حرفة النحاس تصارع الزمن وترفع التحدي لتواصل مسيرة أجيال متعاقبة اختارت مزاولة مهنة لها عراقة ومكانة خاصة لدى الجزائريين.
وتظل الصناعة التقليدية ركيزة أساسية لحياتهم اليومية، ونشاطًا تجاريًا يدخل كل بيت عبر الأواني المستخدمة في مختلف الأنشطة والاحتياجات المنزلية وكذا يعبر على ثقافة وأصالة مجتمع كامل، إلا أن العراقيل ونقص الإمكانيات المادية والمعنوية أثرت سلبا على استمرارية حرفة النحاس. التفاصيل تعرضها "الشعب" في هذا الاستطلاع.
تواجه حرفة النحاس، الفن الذي تشتهر به المدينة الأثرية والعتيقة قسنطينة "خطر الزوال" بسبب غياب آفاق تستهدف إعادة تثمينها وإحيائها وهو ما أجمع عليه بعض حرفيي النحاس بالولاية ل "الشعب".
هؤلاء الذين يعانون من نقص التأطير والمرافقة من طرف الجهات المعنية، فضلا على أن خطر الاندثار الذي يهدد حرفة النحاس يرجع بالدرجة الأولى إلى نقص التكوين والتمويل حيث أشار حرفيون في النحاس الى أن هذا الفن المتوارث عن الأجداد "قد عرف عزوفا من مهنييه الذين خضعوا للأمر الواقع بعد عديد المحاولات الفاشلة لمواجهة العوائق المفروضة خاصة غلاء المادة الأولية ونذرتها، كما أن أوراق النحاس المعروضة بالأسواق المحلية "من النوع الرديء، تباع بأسعار باهظة".
هذا ما أشار إليه الحرفي عمي محمد أحد مهنيي النحاس القدامى الذي يرى بأن هذه الأسواق التي "لا تخضع للمراقبة" لا تفسح المجال أمام أي حرفي ولا تحفزه على العمل والاستمرار.
من جهته أوضح عمار، صاحب محل متخصص في النقش على النحاس، أنه على مدار خمسين عاما كان شاهدا على مسار وتاريخ هذه الحرفة، فمنذ القدم هناك ارتباط وثيق بين الأواني النحاسية والأسرة القسنطينية، أو غيرها من الأسر على مستوى مناطق الشرق الجزائري"، فلا يخلو بيت أي عائلة من "الأدوات النحاسية، خاصة المرشات، والمزهريات، والشمعدانات، والسينيات التي تقدم من خلالها القهوة للضيوف بكل لوازمها".
وأضاف عمار: "كانت العروس لا تزف إلى بيت زوجها إلا بعد أن تقتني حاجتها من الأواني النحاسية"، لكن اليوم -يقولها بكل حسرة وألم- "باتت الأواني المقلدة والمستوردة من آسيا تغزو بيوت الجزائريين، وتقضي على الصناعة المحلية رغم جودتها العالية".
وقال سمير (48 عاما) عامل بالورشة التي يمتلكها عمار الذي وجدناه منكبا على نقش سينية كبيرة قال: ل "الشعب" إن الحرفة التي تعلمها منذ أكثر من عشرين عاما تواجه تحديات تهددها بالزوال، أهمها غلاء سعر المواد الأولية، والسبب في ذلك هو احتكار مجموعة من رجال الأعمال استيراد هذه المادة من الصين وإسبانيا، وكشف لنا أن سعر رقاقة واحدة من النحاس الذي تصنع به السينية يقدر ب 10 دولارات.
في جولة استطلاعية قامت بها "الشعب" للقرية الحرفية الكائنة بالمنطقة الصناعية بوصوف وقفنا على شروط العمل غير المتوفرة بدءا من نقص الإمكانيات المادية والبشرية وصولا إلى انعدام العنصر الأمني لتتحول القرية المستحدثة من طرف الولاية بمكان بعيد عن وسط المدينة إلى مرتع آمن للمنحرفين ومكان مهجور.
هذه الوضعية دفعت بالحرفيين إلى غلق محلاتهم التي تنعدم أساسا لكل الضروريات اللازمة، مثيرين حالة من الاستياء والتذمر .
ومن خلال حديثنا مع رئيس جمعية فن النحاس لولاية قسنطينة "بودينار لحسن" أكد لي أن خلفية اختيار المدينة لاحتضان فعاليات مجمل الصالونات في الحرفة والصناعة النحاسية أمر مرحب به مضيفا في هذا المجال:« وأننا كحرفيين محليين تمكنا من افتكاك علامة الجودة في صناعة النحاس على المستوى الوطني".
غلاء المادة الأولية يضع بثقله....على مستقبل الحرفة
وأضاف رئيس الجمعية أن حرفة النحاس بالولاية تتراجع بسبب عدد من المشاكل والعراقيل إلى غلاء المنتجات النحاسية والذي يعود بالدرجة الأولى إلى غلاء المادة الأولية المستوردة من الخارج والتي تتعرض لدى وصولها الى الموانئ الجزائرية للعراقيل، وهو ما يصعب الأمور في التزود بالمادة الأولية بالأسواق فضلا عن مشكل السوق الموازية التي تضع بثقلها على الحرفيين المسجلين بالغرفة والذي تتراوح أعدادهم ما بين 120 حرفي مقابل 200 حرفي غير مسجل.
وأثار رئيس الجمعية مشكل نقص المحلات وفضاءات تعليم الحرفة يدويا حيث طالب الجهات المعنية بضرورة الالتفات لوضعية حرفي هذه الصنعة وذلك من خلال توفير محلات وسط المدينة حفاظا على الموروث الثقافي لها.
وقال بودينار، إن الجمعية تخوض معركة من أجل المحافظة على حرفة النقش على النحاس، ليعطي مثال على ذلك القرية الحرفية الموجودة بتونس، مقترحا مجموعة الحرفيين التي حدثتهم "الشعب" على ضرورة تمكينهم من منطقة حرفية قانونية تجعلهم يزاولون نشاطهم بطريقة تمكنهم من حماية الموروث الثقافي والتاريخي.
اقترح بودينار استحداث قرية وسط المدينة لا بمخارجها والتي تتمثل في منطقة حي رحماني عاشور والمعروفة بمنطقة "باردو" التي كانت في الماضي معروفة بصناعة النحاس إلا أن القرارات العشوائية ساهمت في تغيير المكان هذا العامل الذي ساهم كثيرا في تهميش الحرفة هذا إلى جانب عوامل أخرى ستأخذ في ظل هذا التهميش إلى الزوال والاندثار.
من جهة أخرى، أشار حرفيون ل "الشعب" إلى أن هذا الفن المتوارث عن الأجداد عرف عزوفا من مهنييه الذين خضعوا للأمر الواقع بعد عديد المحاولات الفاشلة لمواجهة العوائق المفروضة خاصة غلاء المادة الأولية وندرتها. وقال الحرفيون: "الآن أوراق النحاس المعروضة بالأسواق المحلية من النوع الرديء وتباع بأسعار باهظة".
أكد الحرفي "عمي محمد" الذي يعتبر من بين الحرفيين القدامى والذي يجد بأن الأسواق لا تخضع للمراقبة ولا تفسح المجال أمام أي حرفي ولا تحفزه أساسا على العمل والمبادرة، أنه آن الآوان لرد الاعتبار لهذه الحرفة، فقد مضى الوقت الكافي لكي يتخذ المسؤولون المحليون الإجراءات الضرورية لحماية هذه المهنة المدرة للربح والموفرة لمناصب الشغل.
وتأسف عمي محمد لدخول معظم حرفيي النحاس بمدينة الصخر العتيق مرحلة التقاعد في فترة متقدمة بسبب العراقيل والمشاكل التي وقفت في وجه تقدم هذه الحرفة، أين تجدهم ينشغلون في جل أوقاتهم بتنظيف القطع القديمة المصنوعة من النحاس داخل محلاتهم الصغيرة.
عزوف الشباب عن الحرفة مشكل قائم
إن المشاكل والعراقيل التي تواجهها حرفة صناعة النحاس أثرت سلبا على اهتمام فئة الشباب في تعلم هذه الحرفة حيث أكد رئيس جمعية صناعة النحاس بقسنطينة أنهم لا يولون أي اهتمام لهذه الحرفة التي أصبحت بالنسبة إليهم غير مربحة ولا تلبي احتياجاتهم.
هذا ما أوضحه مسؤولون بغرفة الصناعة التقليدية والحرف الذين أشاروا إلى العوائق الكثيرة التي تعرقل تنمية هذا الفن.
ويبرز غلاء أسعار المادة الأولية وانعدام المساعدات التي من شأنها الإسهام في تجاوز الصعوبات من بين العوائق الرئيسية التي تعرقل أي مشروع لاستحداث ورشة لصنع منتجات نحاسية حسب ما أوضحه مسؤولون بغرفة الصناعة التقليدية والحرف الذين أكدوا على تلقي عدد "قليل" فقط من طلبات الحصول على بطاقة حرفي مختص في صناعة النحاس.
كما اعتبر مسؤولو غرفة الصناعة التقليدية والحرف بأن فن النحاس يشكل أولوية مستعجلة لضمان بقاء هذا التراث الذي يرمز إلى هوية القسنطينيين خصوصا والهوية الوطنية عموما.
أكد لنا الشباب الحرفي من جهته تخوفهم من اقتحام حرفة النحاس بحجة عدم ضمان مستقبل، مرددين الحجة المألوفة المتداولة ومردها أن غلاء المادة الأولية السبب الأول والرئيسي وراء عزوف الحرفيين عن العمل في هذا الموروث الفني الأصيل، كما أن نقص تكوين الشباب الراغبين في تعلم الصنعة بالمراكز المهنية يقف حائلا دون تعلمهم لهذه الحرفة، خاصة وأن المدة المخصصة لتعلم الشباب بالمراكز لا تتعدى ال 18 شهرا.
ونفس المشكل أثاره حرفيون بمنطقة الرصيف حيث أكدوا أن الحرفة ستندثر إذا لم تتدخل الدولة لتوفير المادة الأولية، مطالبين بضرورة توفير الإمكانيات اللازمة للحفاظ على هذا الإرث العريق.
رغم العوائق والمشاكل...النحاس زينة حياة القسنطينيين
وبالرغم من كل هذه المشاكل التي تعاني منها هذه الحرفة العريقة، إلا أنها مازالت تقاوم الاندثار والزوال، متحدية بذلك كل التطورات والتغييرات.
وقفنا على هذا الواقع من خلال الحديث إلى الأسر القسنطينية التي أكدت أنه ورغم كل ما قيل إلا أن جل بيوت سكان سيرتا لا تكاد تخلو من أواني النحاس ولو بوجود قطعة صغيرة، كما أن غلق بعض المحلات بوسط المدينة أو تغيير نشاطها ورغم تأثيره السلبي على حرفة صناعة الأواني النحاسية إلا أنه لم يقف حائلا أمام هذه الحرفة التي تبقى صامدة.
فالأواني النحاسية بمدينة قسنطينة ضرورية جدا لأي منزل، ذلك لأن مدينة الصخر العتيق تبقى عاصمة للنحاس ومعقلا للإبداع من طرف الكثير من الحرفيين الذين عمدوا على نقل الحرفة من الأجداد الى الأبناء من خلال الرسوم التي كانت تنقش على السينيات وأواني الزينة وغيرها من الأواني المنزلية التي كانت تحمل صور الجسور المعلقة، أو ما يرمز لعادات عاصمة الشرق، كالملاية وأبواب المدينة، وكذا منبع المياه لسيدي الجليس أو عين الباي، إلى جانب أبواب المدينة القديمة، وهي الأواني التي كانت ولازالت تستخدم كثيرا في البيت القسنطيني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.