تشهد الجزائر خلال السنوات الأخيرة ديناميكية متصاعدة في مجال دعم المؤسسات الناشئة، باعتبارها أحد المحركات الأساسية للاقتصاد الجديد المبني على المعرفة والابتكار. وفي هذا الإطار، استفادت مجموعة من هذه المؤسسات خلال صيف 2025 من برنامج رحلات استكشافية نحو دول رائدة في مجال الابتكار، شملت الصين، كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة، على أن تضاف لاحقاً سلوفينيا. هذا البرنامج، الذي أشرفت عليه وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة والمؤسسات المصغرة، وأطره المسرّع العمومي "ألجريا فنتشر"، مكّن ممثلي الشركات الجزائرية من الاطلاع ميدانياً على تجارب عالمية ناجحة، والتفاعل المباشر مع قادة الابتكار في بيئات تُعدّ الأكثر تقدماً على الصعيد الدولي. أبرز المشاركون أن التجربة الصينية كشفت عن خصائص جوهرية، أهمها القدرة على تحويل الأفكار إلى مشاريع عملية في وقت قصير، فضلاً عن تكامل أدوار الحكومة والجامعات والقطاع الخاص. عبد الحميد قندوز، مؤسس "أمانة تك"، يرى أن هذه المقاربة يمكن تكييفها مع الواقع الجزائري، خاصة مع تزايد الاعتماد على الرقمنة والدعم المؤسسي للشركات الناشئة. كما أبدى الجانب الصيني اهتماماً واضحاً بإقامة شراكات مع الجزائر، ما يعكس إدراكه لمكانة السوق الجزائرية كبوابة استراتيجية نحو إفريقيا. من جهتها، لفتت فرح تومي، مؤسسة "أغرو تك سولوشنز"، إلى أن النظام الكوري يتميز بالتركيز على بناء نماذج أعمال قابلة للتطوير عالمياً، والاعتماد المكثف على البيانات في اتخاذ القرار، خصوصاً في القطاعات الزراعية الذكية. وأكدت أن هذا النموذج يقدم دروساً عملية للمؤسسات الجزائرية الساعية إلى رفع تنافسيتها وجذب الاستثمارات الأجنبية. أما التجربة الأمريكية، فقد أتاحت للمشاركين فرصة استكشاف "سيليكون فالي"، حيث عرض إسلام ماحي، مؤسس منصة "سوسيالو سكوب"، مشروعه أمام مستثمرين وخبراء، ما عزز ثقته ودفع فريقه لتسريع وتيرة التطوير. وأوضح أن العقلية الأمريكية تركز على صاحب المشروع أكثر من المشروع ذاته، وتثمّن الإنجازات قبل الأرباح، مع الاعتماد على دورات تمويل متعاقبة. تجمع شهادات المشاركين على أن هذه الرحلات مكّنتهم من إعادة صياغة نظرتهم إلى ريادة الأعمال، وفهم محددات نجاح المنظومات الدولية، من سرعة التنفيذ الصينية، إلى التخطيط الاستراتيجي الكوري، وصولاً إلى المرونة الأمريكية. ويؤكدون أن البيئة الجزائرية تمتلك المقومات البشرية والدعم المؤسسي، لكنها بحاجة إلى مزيد من الجرأة والمبادرة لتجسيد حلول محلية مبتكرة. كما أن الاهتمام الذي أبدته الأطراف الأجنبية بإقامة شراكات مع المؤسسات الجزائرية، خاصة في مجالات التكنولوجيا المالية والزراعة الذكية والتكنولوجيات الخضراء، يعكس إمكانية تحويل هذه المبادرة إلى فرص استثمارية ملموسة. يمثل هذا البرنامج خطوة عملية في اتجاه تموقع الجزائر كلاعب إقليمي في مجال الابتكار، إذ يجمع بين التعلم من التجارب الدولية وفتح قنوات تعاون مع أسواق رائدة. غير أن التحدي الأكبر يبقى في استثمار الدروس المستخلصة لتسريع وتيرة التحول الاقتصادي، وتحويل الطاقات الشابة إلى مشاريع ذات أثر اقتصادي واجتماعي ملموس.