حماس تدين إستخدام الولايات المتحدة "الفيتو" ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة    تصفيات مونديال أقل من 17 سنة/إناث: المنتخب الوطني ينهي تربصه التحضيري بفوز ثانٍ أمام كبريات الجزائر الوسطى    حوادث المرور: وفاة 62 شخصا وإصابة 323 آخرين في حوادث المرور خلال أسبوع    المهرجان الثقافي الوطني لأهليل: أكثر من 25 فرقة تشارك في الطبعة ال 16 بتيميمون    بلعريبي يتفقد مشروع إنجاز المقر الجديد لوزارة السكن    كرة اليد/كأس إفريقيا للأندية: إحتراف نادي الأبيار التحدي الجديد للإدارة    كرة اليد/بطولة إفريقيا للأندية: حفل إفتتاح بهيج، بألوان سطع بريقها بوهران    تجارة: زيتوني يترأس إجتماعا لتعزيز صادرات الأجهزة الكهرومنزلية    بجاية: مولوجي تشرف على إطلاق شهر التراث    هيومن رايتس ووتش: جيش الإحتلال الصهيوني شارك في هجمات المستوطنين في الضفة الغربية    عميد جامع الجزائر يستقبل المصمم الألماني لهذا الصرح الديني    باتنة: إعطاء إشارة تصدير شحنة من الألياف الإصطناعية إنطلاقا من الولاية المنتدبة بريكة    سنعود أقوى وبدعم من الجمعية العامة من أجل العضوية الكاملة لفلسطين بالأمم المتحدة    عطاف يجري لقاءين ثنائيين مع نظيريه البرازيلي و الاردني بنيويورك    بلمهدي يبرز أهمية التوجه نحو البعد الإفريقي عبر الدبلوماسية الدينية    الانتهاء من إعداد مشروع صندوق دعم الصحافة    وزير الاتصال : منع دخول الصحفي فريد عليلات الى الجزائر لا يتعلق به كمواطن بل كمبعوث للوسيلة الاعلامية التي يشتغل فيها    محاكم تجارية متخصصة: اصدار توصيات لتحسين سير عمل هذه المحاكم    "مشروع تحويل المياه من سدود الطارف سيحقق الأمن المائي لولايتي تبسة و سوق أهراس"    وزير الصحة يشرف على لقاء لتقييم المخطط الوطني للتكفل بمرضى انسداد عضلة القلب    مسار إستحداث الشركة الوطنية للطباعة جاري    وزارة الدفاع: إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار و توقيف 10 عناصر دعم خلال أسبوع    انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة : تأجيل التصويت على مشروع قرار الجزائر إلى غد الجمعة    من خلال إتمام ما تبقى من مشاريع سكنية: إجراءات استباقية لطي ملف «عدل 2»    سطيف: ربط 660 مستثمرة فلاحية بالكهرباء    أرسلت مساعدات إلى ولايات الجنوب المتضررة من الفيضانات: جمعية البركة الجزائرية أدخلت 9 شاحنات محمّلة بالخيّم و التمور إلى غزة    سترة أحد المشتبه بهم أوصلت لباقي أفرادها: الإطاحة بشبكة سرقة الكوابل النحاسية بمعافة في باتنة    سيشمل نحو 23 ألف مستثمرة: تجنيد 125 إطارا للإحصاء العام للفلاحة بأم البواقي    وزير الاتصال و مديرية الاعلام بالرئاسة يعزيان: الصحفي محمد مرزوقي في ذمة الله    كأس الجزائر: رباعي محترف يلهب الدور نصف النهائي    أكاديميون وباحثون خلال ملتقى وطني بقسنطينة: الخطاب التعليمي لجمعية العلماء المسلمين كان تجديديا    تابع تدريبات السنافر وتفقّد المنشآت الرياضية: بيتكوفيتش يزور قسنطينة    الحكومة تدرس مشاريع قوانين وعروضا    الجزائر ترافع لعضوية فلسطين بالأمم المتحدة    أطفال ونساء في مواجهة الجلاّدين الصهاينة    مجمع سونلغاز: توقيع اتفاق مع جنرال إلكتريك    68 رحلة جوية داخلية هذا الصيف    تظاهرات عديدة في يوم العلم عبر ربوع الوطن    عون يؤكد أهمية خلق شبكة للمناولة    تفكيك جماعة إجرامية تزور يقودها رجل سبعيني    هذا موعد عيد الأضحى    أحزاب ليبية تطالب غوتيريس بتطوير أداء البعثة الأممية    استحداث مخبر للاستعجالات البيولوجية وعلوم الفيروسات    أول طبعة لملتقى تيارت العربي للفنون التشكيلية    توقعات بمستوى عال ومشاركة جزائرية مشرفة    ضرورة جاهزية المطارات لإنجاح موسم الحج 2024    شيء من الخيال في عالم واقعي خلاب    مكيديش يبرر التعثر أمام بارادو ويتحدث عن الإرهاق    نريد التتويج بكأس الجزائر لدخول التاريخ    حجز 20 طنا من المواد الغذائية واللحوم الفاسدة في رمضان    معارض، محاضرات وورشات في شهر التراث    تراجع كميات الخبز الملقى في المزابل بقسنطينة    انطلاق أسبوع الوقاية من السمنة والسكري    انطلاق عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان    أوامر وتنبيهات إلهية تدلك على النجاة    عشر بشارات لأهل المساجد بعد انتهاء رمضان    وصايا للاستمرار في الطّاعة والعبادة بعد شهر الصّيام    مع تجسيد ثمرة دروس رمضان في سلوكهم: المسلمون مطالبون بالمحافظة على أخلاقيات الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحَراك بين غزارة المبادرات وغياب عنوان المرسل إليه
بقلمبوعلام بطاطاش
نشر في الشروق اليومي يوم 15 - 08 - 2019

يقول أتوفون بسمارك مؤسس الإمبراطورية الألمانية: إذا قال رجلٌ إنه يوافق على شيء من حيث المبدأ، فهذا معناه أنه ليس لديه أيّ نية لوضع هذا الشيء حيِّز التنفيذ.
دخل حَراك الجزائر شهره الخامس، وتغيَّرت معه أشياء كثيرة، لكن المطلب الأساسي الذي وحّد الجزائريين حوله لم يتحقق بعد، فتغيير النظام لم نصل إليه على الرغم من أن أغلبية رموزه التي كانت على هرم السلطة قد أزيحت أو أدخلت السجن، فالشعب الذي سبق له وأن لدِغ من الجحر نفسه طيلة 57 سنة لا يريد أن يُلدغ من جديد ومن نفس الجُحر، لذلك يرى أنه من المنطقي المطالبة بإزاحة جميع الأشخاص الذين كانوا حلقة رئيسية في نظام بوتفليقة قبل الحديث عن العودة إلى المسار الانتخابي، فالحراك لم يخرج لتغيير الأشخاص واستبدالهم بأشخاص آخرين، وإنما خرج لتغيير نمط التسيير المتَّبع منذ عقود والذي أوصلنا إلى ما نحن عليه من تفشٍّ للفساد، وأزمة اقتصادية خانقة على الرغم من الخيرات التي تنعم بها البلاد.
إن انطلاق الحراك في 22 فيفري لم يكن نتيجة لدور منصَّات التواصل الاجتماعي، حتى وإن كان للذباب الإلكتروني التابع لأحد أجنحة السلطة آنذاك دورٌ في نشر الدعوة إلى التظاهر، فالأقطاب المتصارعة في تلك الفترة في هرم السلطة أشعلت حربا فاحت رائحتُها للعلن، محاولين القضاء على خصومهم بمختلف الآليات، لكنهم لم يكونوا على علم بمدى الاحتقان الذي كان الشعب يحسّ به إزاء تسييرهم العبثي، واستخفافهم بهم واستغبائهم بتصريحات غير واعية من قبل مسؤولين مستهترين لا يقدّرون عواقب ما يتلفظون به، الأمر الذي جعل أيَّ شرارة في ذلك الوقت يمكن لها أن توقد نارا عظيمة، وهذا ما حدث، لكن الأمر الذي لم يتصوّروه هو أن وعي الشعب جعلهم لا يتحكّمون في تلك النار، بحيث وجّهها الحراكُ لتستهدفهم فتساقطوا تباعا.
لقد مكّنت الانتفاضة من بلورة رؤية واضحة للمطالب المشروعة التي تنحصر أساسا في بناء جمهورية مدنية جديدة قائمة على سلطة القانون الذي يكفل العدالة الاجتماعية، لأن هذا الأمر قد غُيِّب منذ فترة طويلة، وازداد تغييبه أكثر منذ عقدين من الزمن إذ أصبحت القوانين توضع بمقاس مصالح الأشخاص لا مصالح الدولة، وأظهرت التحقيقات الأخيرة للعدالة مدى صحة رفض الشعب للنظام السابق، مع أن ما خفي هو أعظم بكثير مما أعلن.
انطلقت الثورة المضادة مباشرة مع الأسابيع الأولى آملة في وأد الحراك قبل انتشاره بشكل أوسع، لكنه لم يتحقّق لها ذلك، فباتت محاولاتها أشبه بشخص يحرث في البحر، وعلى الرغم من ذلك ازدادت حدّتها طمعا في تكسير شوكة الحراك، فتبنّت عدة آليات تركّزت أساسا على استهداف محاور قوة الانتفاضة، إذ أن سلمية الحراك جعلت أغلب أطياف الشعب ينْظَمُّون إليه: أطفالا ونساء وشيوخا، فحاولت السلطة التي تقف وراء هذه الثورة المضادَّة دسَّ بعض العناصر المنحرفة قصد جرّه إلى العنف، لكن فطنة المشاركين في المظاهرات وأعدادهم الهائلة لم تمكّنهم من مبتغاهم إذ أضحوا بمثابة حفنة صغيرة من المندسِّين وسط بحر من المتظاهرين السلميين، فما لبثوا وأن انفلتوا بجلدهم قبل أن يحاصَروا ويوضعوا بين يدي العدالة.
ثم عمدت السلطة المتساقطة إلى بث التفرقة بين الشعب والجيش أملا في انحياز هذا الأخير إلى صفها، متناسية أن الجيش ما هو إلا جزء لا يتجزأ عن الشعب، فكان ردّ المتظاهرين عفويا وقويا: جيش شعب، خاوة خاوة.
إن دور المؤسسة العسكرية في مثل هذه الظروف هام جدا، والتاريخ سيسجّل موقفها المشرّف الذي اتخذ مع بداية الحراك وذلك بمساندتها لمطالب الشعب عوض مساندتها للمؤسسات الدستورية التي كانت السلطة تتربّع على عرشها، وهذا الأمر قد جنّب الجزائر الدخول في فوضى عارمة، نظرا لتعنّت أصحاب القرار ورفضهم تلبية مطالب الشعب، لذلك جاءت تنحيتهم على مراحل تبعا لصمود الحراك واستمرار تمسّكه بمطالبه المشروعة.
أما الآن ونحن في الشهر الخامس للحراك أرى أن الشعب ليس بحاجة لا للدروس التوعوية بحكم أنه صمد أمام الثورة المضادَّة لأشهر عديدة دون أن يتخلى لا عن سلميته ولا عن وحدته ولا حتى عن مطالبه، وليس بحاجة أيضا إلى المزيد من المبادرات، لأن ما قدّم هو كاف لإخراج الجزائر من أزمتها. وبالتالي، فاستمرار الأزمة لا يعود إلى عدم وجود حلول وإنما إلى غياب النية الصادقة في تحقيق المطالب المرفوعة، فالشعب يريد انتخابات لا محل لرموز النظام السابق فيها، وهو أمرٌ يمكن له أن يتحقق سواء بإجراءات سياسية أو حتى دستورية، فخليفة بن صالح الذي يقبل به الحراك يمكن أن يسيّر المرحلة الانتقالية التي تسمح بتهيئة الظروف الملائمة لإجراء انتخابات حقيقية شفافة. وهناك عدّة آليات دستورية تمكّنه من استخلاف منصب رئيس الدولة كتنصيبه عضوا ثم رئيسا لمجلس الأمة أو تنصيبه عضوا، فرئيسا للمجلس الدستوري، علما أن الحكومة الموروثة عن النظام السابق يمكن لها تقديمُ استقالتها بحكم أن ذلك لا يتعارض مع مواد الدستور، وبالتالي تأسيس حكومة توافقية تسيّر الأمور إلى غاية انتخاب المؤسسات الدستورية الجديدة.
عندما نتحدّث إذن عن استمرار الأزمة فلكون المبادرات المقدّمة لم تجد بعد العنوان الحقيقي الذي يستقبلها ويعمل على تحقيقها، فالجميع يتهرّب من المسؤولية وكأنهم راضون بالوضع الذي نحن عليه الآن، على الرغم من خطورته، لذلك أرى أن الاستمرار في تبني ورقة الطريق القديمة المتمثلة في الحوار وإجراء الانتخابات الرئاسية في مثل هذه الظروف ما هو إلا عملية تكريس لاستمرارية النظام المرفوض جماهيريا، ألم يسبق للرئيس المنتهية عهدته دعوة الحراك إلى ندوة وطنية جامعة؟ ألم يسبق له أن وعد بتنظيم انتخاباتٍ حرة ونزيهة؟ إننا ندور في الحلقة المفرغة نفسها، فمن سيرعى الحوار؟ ومع من نتحاور؟ وعلى أي شيء سنتحاور؟. لقد أثبتت التحريات التي تقوم بها أجهزة الأمن بأننا كنا تحت حكم نظام مافياوي بأتمِّ معنى الكلمة، فهل من المعقول أن نضع ثقتنا مجدّدا في بقايا رموزه؟ أليس من المنطق استبعادُهم جميعا وبناء نظام جديد على أسس صحيحة لا مكان للفاسدين فيه؟.
لقد عملت الثورة المضادَّة على تشويه جميع صور آليات التحوُّل الديمقراطي الحقيقي، بدءا بتخوين الشخصيات الوطنية المسانِدة للحراك، وشيْطنة جميع الحلول المنطقية كرفض المجلس التأسيسي وكأن أعضاءه سيُستقدَمون من تل أبيب، أو التخويف من النظام البرلماني وكأن النظام الرئاسي الذي أفرز لنا إمبراطورا هو الكفيل بترسيخ الحكم الراشد. إن الديمقراطية الحقيقية في مثل الأوضاع التي نعيشها حاليا تستوجب العودة مباشرة إلى الشعب، لكن الواقع يضعنا أمام جهاز إداري منحاز للسلطة، وبالتالي لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا بعد تحييده واستحداث آليات رقابة وتنظيم ومتابعة حقيقية للانتخابات، فعبر هذه الآلية يمكن الدعوة لاستفتاء يحدّد المصير السياسي للجزائر بدءا باستشارته حول قبوله أو رفضه إنشاء مجلس تأسيسي سيِّد يقوم بالإصلاحات الجوهرية على الدستور، وباختيار حرّ للنظام المسيِّر للدولة بين البرلماني والرئاسي، انتهاء بالآليات التي تمكِّننا من القضاء على التسيير المركزي الذي خلّف دولة متخلفة في كامل القطاعات، لأن الحديث مجددا عن الطاعون والتيفوئيد والسل يعكس بشكل واضح الحالة الاقتصادية للمواطنين.
لا ينتظر الشعب من السلطة أن تقدّم له صدقاتٍ على النحو المنتهج من قبل، بل يطالب بتجسيد مشاريع اقتصادية تحقّق تنمية حقيقية وتساهم في تجسيد مناصب عمل دائمة على أرض الواقع، وعلى هذا الأساس يجب استحداث تغيير جذري في المنظومة الاقتصادية والصناعية والزراعية، بحيث تُبنى على قوانين صارمة تساهم في تسريع وتيرة الخروج من تبعية الميزانية للجباية البترولية، أما الاستمرار في النهج نفسه وذلك بالتنقيب عن البترول في البحر أو التنقيب عن الغاز الصخري في الصحراء، فهذا دليلٌ على محدودية الرؤية لدى بقايا السلطة، لأننا بصراحة سنظل حبيسي منطق: موسى الحاج- الحاج موسى، في الوقت الذي يهتم فيه جيرانُنا بالزراعة والسياحة والطاقات المتجددة، وأمور أخرى تمكّنهم من الانطلاقة الفعلية نحو التطور والرقي. إنه لمن المؤسف حقا أن نتذيل الدول العربية في مجال الإنفاق على البحث العلمي: 12.5 مليار دولار للسعودية مقابل 0.2 مليار دولار للجزائر، أما إسرائيل التي تتربع على عرش دول العالم في هذا المجال فتخصص سنويا ميزانية تفوق كل ما تخصصه الدول العربية مجتمعة!.
إن المشاركين في حَراك الجزائر يحلمون ببناء دولة مدنية عصرية مبنية على أسس متينة تمكنّنا من تحقيق الطفرة التي تسمح لنا بالاستغناء النهائي عن كل أشكال التبعية الخارجية، والجميع يعلم بأن الثورة المضادة لا تتضمن أفرادا من السلطة المتساقطة فحسب، بل تضم أيضا دولا لا تريد النجاح للحَراك، فتمكُّنُ الشعب من استعادة حريته وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي سينقل حتما العدوى إليهم إذا ما كانت أنظمتُهم مبنية على الاستبداد، أو سيتوقف الضرع الذي كان إلى عهد قريب يملأ ميزانيات بعض الدول المتقدّمة، لهذا كله رفض الحراك الاستسلام، فوعيُه جعله يستميت في سلميته ووحدته والتأكيد على مطالبه بينما أنصار الثورة المضادة كالمعتاد يغرِّدون خارج السِّرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.