قال المحامي عضو هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي مصطفى بوشاشي إن على النظام تقديم عربون حسن نيته في الاستجابة لمطالب الشعب، وذلك عبر الإفراج عن مساجين الحراك الشعبي، والترخيص بانعقاد ندوات ومحاضرات المعارضة، والانفتاح الإعلامي وغيرها، مشددا أن معنويات المناضل كريم طابو مرتفعة قبيل موعد محاكمته هذا الأربعاء. اِنقضت سنة أُولى من الحراك الشعبي. كيف تُقيّمون وتيرة التغييرات المُحققة فيها؟ بين من يقول إن مطالب الحراك تحققت وآخر بأن الحراك لم يحقق شيئا؟
سنة كاملة تمرّ على الحراك السلمي المبارك حقق الحراك والجزائريون خلالها أشياء كثيرة. أولى الإيجابيات المحققة أنّ جدار الخوف تمّ تحطيمه، وثانيها أن الجزائريين تعلموا في نفس الفترة النضال بطريقة سلمية، وهو ما يجب تثمينه، لأنه في فترات سابقة من تاريخ هذا الشعب والوطن اكتشف الجزائريون بأن النظام السياسي يملك وسائل تفوق وسائل الشعب، واليوم لجؤوا إلى هذا النوع من النضال، وهو الخروج والتظاهر لمدة تفوق السنة بطريقة سلمية وحضارية، ومع اختلاف المناسبات والفصول والفترات، وهذا شيء إيجابي لم تعرفه الكثير من الشعوب. وثالث الإيجابيات المحققة في السنة الأولى من الحراك الشعبي، هي الاتحاد والوحدة التي تعززت بين الجزائريين والجزائريات، وهذا رغم محاولات النظام الكثيرة لضرب الحراك والتفرقة من خلال اختلاق "قصة الراية"، وكذا من خلال الذباب الإلكتروني الذي سعى بكل الوسائل إلى كسر الحراك دون جدوى. ورابعا أن الجزائريين بقوا محافظين على صبرهم، مدركين أن الثورة السلمية هي التي تخلصهم من الحكم الشمولي، إضافة إلى الوعي منقطع النظير لدى المتظاهرين. في مقابل ذلك، ومع الأسف الشديد، أقول بأن النظام السياسي أو بقايا النظام رفضت الاستجابة للشعب الجزائري، ورفضت أن يكون هناك حوار شامل الهدف منه ليس استمراره وإنما وضع آليات الانتقال الديمقراطي. من ذلك تنظيمه لانتخابات لم يشارك فيها أغلب الجزائريين، معتقدا أن إعطاء واجهة مدنية للنظام سيُؤدي إلى تكسير الحراك. وهنا وجب التأكيد بأن النظام لم يُلبِّ مطالب الشعب، عكس ما يروج له البعض، من النظام نفسه وأتباعه، من كون الحراك حقق مطالبه التي خرج الجزائريون لأجلها، كون المتظاهرين لم يخرجوا لتعويض وجوه بوجوه أخرى. وبالتالي فإنه لحد الساعة لم يحقق الحراك مطالبه الحقيقية، وهي الذهاب إلى ديمقراطية فعلية ودولة سيادة القانون.
هل حققت انتخابات 12 ديسمبر 2019 التغيير المُنتظر للنظام السياسي؟
بالعكس. قلنا قبل الانتخابات بأنها ستكون انتخابات شكلية، كونها تنظم بنفس آليات النظام المعتادة، ودون توافق الجزائريين على الآليات والتشريعات، وهو ما أدى فعلا إلى انتخابات لم يشارك فيها الجزائريون، كونهم لم يصدقوا الفكرة المُرَوَّج لها "ننتخب رئيس وبعد ذلك سيحل لنا المشاكل". الانتخابات التي تمت في 12 ديسمبر 2019 هي انتخابات مطعون في مصداقيتها، ولم تحقق أي شيءٍ. واستمرار النظام الحالي في سياسة عدم الاستماع إلى الجزائريين قد يُعمق الأزمة أكثر، حيث أصبح الوضع غير مسيطر عليه، ويضعف الجبهة الداخلية للجزائر، ويضعفها دوليا أيضا. ومع هذا، فمازال الوقت أمام النظام من أجل التفاوض في كيفية الاستجابة لمطالب الشعب المشروعة.
ألم تُسجلوا تغيرا في معالجة ملف معتقلي الحراك منذ انتخابات 12 ديسمبر؟
وجب قبل ذلك القول بأن معتقلي الرأي الذين بدأت اعتقالاتهم من جوان إلى غاية ديسمبر 2019 كانت نية النظام منها اعتقال نشطاء وبعض رموز الحراك بغرض إضعاف الحراك وتقسيم الجزائريين، وتمرير انتخابات كما يريدها النظام نفسه. وحتى اليوم فإن معتقلين موجودون في الحبس وآخرون متابعون ليس لأنهم ارتكبوا جرائم ولكنهم عبروا فقط عن مواقفهم السياسية! والخلفية الحقيقية للمتابعة سياسية، إذ كانوا رهائن عند النظام. فالوضع الطبيعي هو الإفراج عنهم والاعتذار لهم. اليوم هناك متابعات ولو أقل من الأشهر الماضية، ومع ذلك تستمر المتابعات، ولو بحبس موقوف النفاذ أو ستة أشهر. النظام عندما يُسوق بأنه بصدد إطلاق المعتقَلين، هذا ليس منًا، بل إن وضعهم الطبيعي هو الحرية، لإصلاح ما أفسده النظام لأغراض وخلفيات سياسية. نقول إن الإفراج عن المساجين شيء إيجابي، ولكن هذا لا يكفي، يجب أن نذهب إلى أبعد من ذلك. فما معنى أن تطلق سراح المساجين، ولكن تمنع الناس من دخول العاصمة، وتعتقل آخرين؟ النظام مزال يتصرف بنفس الطريقة من اعتقالات ومساس بالحقوق والحريات بما فيها حرية التعبير. لا يمكن أن نستدل بتلك الإفراجات للقول بأن النظام تغيرت طبيعته. وجب على النظام إعطاء عربون حسن النية، وذلك بإجراءات حقيقية من بينها إطلاق حريات الناس المحتجزة اليوم، وحرية التعبير في الفضاء العام ووسائل الإعلام المختلفة.
هل ما يعيشه سلك القضاء مؤخرا، من تضارب في الأحكام والقرارات خاصة في قضية معتقلي الحراك، صحّي لتحقيق استقلالية العدالة؟ أو مؤشر خطيرٌ على صراع في أعلى هرم السلطة؟
للأسف طبع بعض القضاة أنفسهم على أن مسارهم المهني أهم بالنسبة إليهم من تطبيق القانون وحماية الحقوق والحريات. فئة قليلة من القضاء الذين حكموا بالبراءة بالنظر لزخم الشارع موازاة مع الفترة الطيبة من تاريخ الجزائر وهي فترة الحرية. وحول ما إذا كانت تدل على وجود صراعٍ بين تيارات السلطة؟ أنا لا أملك معطيات دقيقة حول ذلك، ولكن لا أعتقد. المهم بالنسبة إلي أن السلطة القضائية لم تتحرر حتى الآن، وأحكام البراءة هي مبادرات فردية لقضاة طبقوا القانون كما يجب، البقية وهي الأغلبية لا زالت تدين وتعتقل. القضاة لم يتحرروا. وأقول لك إنهم لا يمكن أن يتحرروا وتتأسس سلطة قضائية مستقلة حقيقة إلاّ في ظلّ نظام ديمقراطي.
أنتم عضو هيئة دفاع المناضل كريم طابو المنتظر محاكمته هذا الأربعاء. كيف هي معنوياته حاليا؟
خرجت للتوّ من عند المناضل الوطني والصديق كريم طابو الذي أفرج عنه من طرف السلطة القضائية ثم اعتُقل مرة ثانية! وستتم محاكمته في قضية لُفقت له. معنويات طابو مرتفعة جدا وينتظر هذه المحاكمة بفارغ الصبر ليشرح للمحكمة، ونتمنى أن تستمع إليه المحكمة وإلى دفاعه بأنه لم يرتكب جريمة، وهو موجود في الحبس نتيجة مواقفه السياسية ونضاله.
برزت العديد من المبادرات لتجسيد مطالب الحراك الشعبي. لماذا برأيكم لم تلقَ صدى لدى المُتظاهرين؟ ومتى يحين وقت تأطير الحراك؟
عندما نتحدث عن الحراك الشعبي، هو 22 مليون جزائري خرج وفي كل الولايات إلى الشّارع. وعليه لا توجد آليات لتأطير الحراك. الأمر الثاني هو أن ثورة الشباب التي بدأت في الملاعب، وبعد ذلك الإحساس بالإهانة وانسداد الأفق و "الحقرة".. كيف لثورةٍ بهذا العدد أن تُؤطَّر في ظلّ غياب آليات التأطير؟ ثالثا، التأطير هو مرحلة آلية تتأتى لمّا النظام السياسي "يخزي الشيطان"، مثلما نقول بالعامية، ويعلن أنه استمع أخيرا إلى صوت الشعب وأنه مُستعدٌ لتلبية مطالبه. آنذاك يمكن أن نتحدث عن فكرة إيجاد آليات لنتفاوض مع النظام الذي يرفض الانتقال الديمقراطي ويرفض سماع الشعب، وبعد ذلك يدعي بأنه لا يوجد من يمثل الشعب!
أحدث لقاؤكم رفقة ناشطين آخرين مع الشيخ علي بن حاج ضجّة، واعتبره البعض تمهيدا لمشروع سياسي محتمل. هل هو كذلك؟
هو ليس مشروعا سياسيا مقبلا. الشيخ علي بن حاج يتعرّض كإنسان إلى انتهاكات خطيرة لحقوقه. هذا الرجل لا يمكنه أداء صلاة في المسجد. ولا أن يذهب إلى أفراح عائلية، ولا إلى المقبرة لتوديع عزيز أو أي شخص من أهله، وهذا دون أيّ سندٍ قانونيٍ. النظام يقوم بانتهاكات خطيرة لحقوقه، وتأتي الزيارة استمرارا لمواقفي كمناضل حقوقي وقفت طيلة حياتي مع أي إنسان تُنتهك حقوقه، دون أن أبحث عن توجهاته السياسية أو الأيديولوجية. وبالتالي لا وجود لأيّ مشروع سياسي وراء الزيارة.
هل الخروجُ من الأزمة السّياسية الحالية يستدعي مقاطعة النظام أو التحاور معه؟
الكرة عند النظام. يكون التحاور مجديا إذا أبدى النظام حسن نيته، وهذا من خلال إجراءات وليس فقط من خلال خطابات. فالملاحظ حاليا أن النظام يريد ربح الوقت وكسر الحراك. فإذا كانت لديه رغبة في التوافق مع المجتمع للخروج من الأزمة فإن ذلك لا يكون إلا بالاستجابة لمطالب الشعب.
البعض يربط القطيعة مع النظام مع انهيار مؤسسات الدولة. ما مدى صدقية هذا الطّرح؟
الحوار كوسيلة لحل المشاكل هو شيء حضاري، ولا أحد يرفض الحوار، ولكن يجب دائما أن نطرح السؤال: هل يريد النظام حوارا من أجل تكسير الحراك أو استمراره؟ المشاورات الأخيرة التي نظمها توحي بأنه لا يملك نية الحوار. الأولى الآن أن يعيد حريات الناس المسلوبة، يسمح للنشطاء والمناضلين الذين يخالفونه الرأي بأن ينظموا محاضرات، ويدع وسائل الإعلام تغطي الحراك، وغيرها من الإجراءات.