كشفت الفضائح المتتالية التي طالت أكبر الشركات السيادية في البلاد "سوناطراك"، عن ضعف هائل لدى مؤسسات الدولة المعنية بالعمل على إبقاء المال العام بعيدا عن أيدي المتلاعبين به. وهو ما يضع الرئيس المقبل أمام مهمة انتحارية، أولى أولوياتها إعادة الاعتبار للمؤسسات الرقابية. يقول وزير الاتصال والثقافة الأسبق، عبد العزيز رحابي: "سيجد الرئيس المقبل نفسه أمام ملفات ثقيلة من الفساد، تراكمت بسبب عدم اضطلاع المؤسسات المخولة بمحاربة الظاهرة، مثل العدالة والأمن، بمهامها الدستورية ". واستغرب عبد العزيز رحابي اختفاء البرلمان من مشهد محاربة الفساد، وهي الهيئة التي تملك من الآليات الرقابية ما يمكنها من الوقوف بالمرصاد للتلاعب بالمال العام، بحيث عجزت حتى عن فتح نقاش حول الظاهرة، كانت أطراف سياسية قد دعت إليه، في ظل استمرار تفشي الفضائح المدوية. في حين استثنى الصحافة الوطنية من التواطؤ، قائلا إنها كانت الطرف الوحيد الذي ظل ثابتا يدق ناقوس الخطر ومحذرا من مخاطر تفشي الظاهرة.. وشهدت الجزائر في السنوات الأخيرة فضائح فساد ورشوة (الخليفة، بي آرسي، عاشور عبد الرحمن، سوناطراك 1 وسوناطراك 2، فضائح البنوك الخاصة) شوهت سمعة البلاد، ضاعت بسببها الملايير من الدولارات، ولولا نعمة أسعار البترول المرتفعة لكانت الخزينة العمومية قد وصلت عتبة العجز عن السداد، كما حصل في بداية التسعينيات. سفير الجزائر الأسبق بإسبانيا انتقد بشدة تغييب العمل بالقانون في الكثير من القطاعات التي تفجرت فيها فضائح الفساد، ومنها قطاع الطاقة، وتساءل: "هل يعقل أن يبقى المجلس الوطني للطاقة مغيبا منذ 1999، لم يعقد ولو اجتماعا واحدا، بالرغم من أنه الجهة التي تحدد السياسة الوطنية للطاقة وتعكف على تفعيلها؟ وقدر المتحدث بأن الجزائر خرجت للتو من الملف الأمني إلى ملف محاربة الفساد، وتابع: "لأول مرة في البلاد تطرح قضية الرشوة السياسية، لأن السياسيين هم من يخلق سياسة اللا عقاب، التي باتت وكأنها علامة خاصة بالجزائر"، مشيرا إلى أن ظاهرة الفساد كانت موجودة من قبل، غير أنها لم تكن بالمستوى الذي وصلت إليه في أيامنا الراهنة، إلى درجة أنها أصبحت خطرا على الأمن الداخلي. ولفت الأستاذ الجامعي إلى بعض الممارسات التي كان يتبناها وزير الطاقة السابق، شكيب خليل، في إدارة القطاع، مشيرا إلى أن اتفاقية تموين الجزائر لفرنسا بالغاز التي وقعتها سوناطراك مع غاز دوفرانس، في عام 2007، على هامش زيارة الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، لم يسلمها شكيب خليل لبنك الجزائر. ولما طلب البنك من الوزارة الحصول على نسخة من الوثيقة، وفق ما تنص عليه القوانين السارية، رد الوزير السابق مبررا رفضه بأن هذه الوثيقة تعتبر "سرا من أسرار الدولة". وتحدث الوزير الأسبق عما يثار عن امتلاك شكيب خليل للجنسية الأمريكية، وقال: "إذا ثبت فعلا أن وزير الطاقة السابق من مزدوجي الجنسية، فهذا لا يقبله العقل، لأنه من غير المنطقي أن يسند صناع القرار تسيير قطاع يدر على الخزينة العمومية أكثر من 98 بالمائة من مواردها، إلى شخص مزدوج الجنسية". وتابع: "هل يعقل أن يتم وضع ما يفوق 700 مليار دولار تحت تصرف شخص بهذه المواصفات دونما تفكير في تداعيات ذلك؟"