عابد شارف قال مرشح للمجلس الولائي في العاصمة أنه دخل الحملة الانتخابية بشعور غريب، حيث أحس أنه يحمل عبء ثقيلا دون أن يكون متأكدا أنه يقوم بعمل إيجابي. ورغم أنه معتاد على خوض المنافسات الانتخابية، فإنه يضيف أنه يشعر بالملل، ولأول مرة، وذلك فبل أن تبدأ المنافسة. وأكثر من هذا، يقول أنه يندم لأول مرة على دخول المنافسة الانتخابية لأنه أصبح يشك في جدواها. ولحد الآن كان من أنصار رفض ترك المجال لأهل السلطة وحواشيها، حيث يقول أنه يجب على كل طرف أن يحاول المشاركة في التغيير، ولو كان أمل النجاح ضئيلا جدا. لكنه يعتبر أن المعركة هذه المرة ستؤدي إلى فشل الكل، سواء منهم من فاز في الانتخابات أو من فشل. ويعبر هذا المرشح عن شعور انتشر في البلاد منذ مدة، لما أدرك الكثير أن الانتخابات لا تشكل إلا عملية تقنية شكلية تكرس المأزق الذي تعاني منه البلاد. وأصبح الكل يعتبر أن البلاد تدور في حلقة مفرغة، وتبحث عن حلول لمشاكلها بطريقة لن تؤد إلى نتيجة تذكر. ولم يبق الهدف من العملية الانتخابية إلا البحث عن حلول فردية لصالح من لايؤمن بالحل الجماعي أو لصالح أشخاص كانوا يبحثون عن حلول جماعية لكن أصابهم اليأس فقرروا أن يخرجوا من المأزق بصفة فردية. إضافة إلى ذلك، فإن الجزائر تنتظر مرحلة ما بعد الانتخابات، لا لأن العملية الانتخابية ستغير شيئا ما، باستثناء التأكيد على عدم اهتمام المواطن بما يجري في السلطة، لكن الانتخابات المحلية تشكل آخر مرحلة للهو قبل أن تجد الجزائر نفسها مضطرة على طرح الأسئلة الحقيقية التي فرضت نفسها منذ عهد طويل ومازالت مطروحة إلى اليوم. فبعد الانتخابات المحلية، تجد الجزائر نفسها أمام موعد سياسي أكبر، يتمثل في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في النصف الأول من سنة 2009. ولا يفصلنا عن هذا الموعد إلا ثمانية عشر شهرا، لكن القرار الحقيقي سيتضح قبل ذلك بكثير، ومن المحتمل أن الأمور ستتضح في الصيف القادم، لنعرف إلى أين ستذهب البلاد في العشرية القادمة. ولا يوجد أمامها إلا خياران. إما أن تختار الجزائر أن تخرج من الحلقة المفرغة لتفتح لأبنائها آفاقا جديدة، ليدخلوا العالم المعاصر بمشاريعهم وطموحاتهم، مسلحين بالعلم والحرية والمسئولية، ليصنعوا مستقبلهم بأيديهم، إما أن تبقي البلاد على النظام الحالي، تأكل أكثر مما تنتج، وترفض الفكر، وتحارب الحرية، وتخرج نهائيا من التاريخ. الخيار الأول هو الأصعب. إنه يتطلب مجهودا كبيرا لإدراك الأخطار التي تواجه البلاد، ومدى التحولات التي تحدث في العالم، ومعناها، ومدى المجهود الذي يجب على الجزائر أن تبذله لتساير الركب. إنه يفترض كذلك مجهودا أكبر لاستيعاب التحديات التي يجب مواجهتها في الداخل، وحجم التغيير الذي يجب أن يحدث في البلاد لإقامة نظام جديد يستطيع أن يحول اموال البلاد وطاقاتها إلى ثروة وسعادة وحرية. أما الخيار الثاني، فهو الأسهل، لأنه لا يتطلب أي مجهود. إنه يقتصر على الحفاظ على نظام تسيير البلاد الحالي، لتضيع أموال الجزائر وخيراتها في التبذير والرشوة وتحويل الأموال إلى الخارج، لتبقى الجزائر بلدا لا تنتج قمحا ولا بطاطا ولا تصنع سيارة ولا كمبيوتر. هذا الخيار يتمثل في تمجيد برنامج فخامة رئيس الجمهورية، الرئيس الحالي أو الذي يليه، والذي يكون من صنع نفس السلطة التي تحافظ على نفس ميكانيزمات الحكم ونفس الوسائل في التسيير. ولا يهم أن نعرف اسم من سيكون رئيسا، ومن أين سيأتي، حيث يكفي أن يكون "فخامة"، يسجد له الساجدون، ويسبح ببرنامجه المسبحون، ويشهد على عبقرية قوم كثيرون من الغلمان وأعضاء المخزن والشعراء من الدرجة الثانية. وسواء أدعى أنه رئيس ونصف، أو نصف رئيس فقط، فإنه سيرمز للفشل المتواصل، لأنه سيأتي نتيجة قرار يهدف إلى بقاء البلاد في الطريق المسدود. وسنرى عن قريب هل أن الجزائر مازالت تملك من القوى ومن العقل والوطنية ما يسنح لها بدخول عهد جديد، أم أنها ستبقى تدور في الفراغ. ومهما يكن من أمر، فإن موعد الحسم قد اقترب.