لم نملّ من تكرار القول مع الإمام محمد البشير الإبراهيمي إن "احتلال الجزائر إنما هو قرن من الصليبية نجم، لا جيش من الفرنسيين هجم". (الآثار 3 / 164). و"أنه - الاحتلال الفرنسي - كان حلقة من الصليبية الأولى"، (3 / 163). وقد كانت أعمال فرنسا في الجزائر كلّها تأكيدا لهذه المقولة الإبراهيمية، وأبرهن على ذلك بدليل واحد هو أن فرنسا عند احتلالها لمدينة الجزائر الصغيرة المساحة آنذاك (باب الواد - باب عزون / الباب الجديد - باب الجهاد) كان يوجد بها 2 / 1 مسجد، لم تبق فرنسا منها بعد أمّة إلا أربعة مساجد هي" "الجامع الكبير، والجامع الجديد، ومسجد سفير، ومسجد سيدي رمضان"؛ وأما الباقي فقد حولته إلى كنائس ومصالح للجيش، وأكثره هدم، مع إجبار الجزائريين على دفع تكاليف الهدم. وكما عرفت الجزائر مجرمين فرنسيين من الإداريين والسياسيين والعسكريين عرفت مجرمين فرنسيين أشد إجراما هم رهبانيّوها وقسّيسوها، ورمزهم هو "شار لافيجري"، مؤسس أعلن جمعية تنصرية هي "جمعية الآباء البيض" ذات الأعمال السود. وهناك مجرمون فرنسيون آخرون تدثّروا بدثار "العلم"، ولكنهم خانوه، وخانوا الضمير العلمي، فكانوا أعوانا للمسئولين، وعلموهم "معلومات" لا صلة لها بالحقيقة، ومن هؤلاء "العلماء" المجرمون سيرفيي، وجوتيي، وما سينيون ولويس برتُزان، أستاذ مادة "الاستعمار" في جامعة السّوربون. كتب هذا المجرم تعليقا على ما سمع من أن الإدارة الفرنسية تنوي ترميم أحد المساجد جاء فيه ما معناه بأننا - الفرنسيين- ما جئنا إلى هذه الأرض إلا لتهديم المساجد ومحو الإسلام، وتحويل الجزائريين من الإيمان "بالهادي" إلى الإيمان "الفادي"، وما أجهل هذا "العالم" الذي لا يعلم - أو يتجاهل - أن إيمان المسلمين بقواعد الإيمان مردود عليهم، إن فرّقوا بين رسل الله - عليهم الصلاة والسلام- ومنهم سيدنا عيسى. كان ممن تصدى للرد على هذا الصليبي الفرنسي ذلك الرجل الذي ظلمناه، حيث تنكر كثير منّا لنضاله الذي دام نصف قرن، وحصرناه في كلمة قالها، فلما بيّن له الإمام ابن باديس خطأ تلك الكلمة، تراجع عنها، وأعلن عودته إلى الحق، إنه الزعيم فرحات عباس، وقد كتب الله له أن يكون أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة، وأول رئيس للبرلمان الجزائري. لقد جاء رد فرحات عباس في إحدى المقالات التي كان ينشرها في الثلاثينيات من القرن الماضي، ثم جمعت في كتاب تحت عنوان "الشاب الجزائري"، الذي بدأ ترجمته الأستاذ صديق سعدي، الذي صار أول رئيس للمجلس الإسلامي الأعلى.. لقد كانت الجملة التي هزّتني، وملأتني أنفة هي قول فرحات "ساستنا المحنكون يظنون أن الإسلام يتفكك لكون مسجد انهار، أو لأن الخلافة ألغيت. دعونا من هذا العبث! إني لأحمل في قلبي مسجدا في الجرانيت والفولاذ لن ينهار(1)..". وقد ذكرني هذا القول بقول المفتي الجزائري مصطفى ابن الكبابطي عندما حوّلت فرنسا مسجد كتشاوة إلى كاتدرائية، وهو "لئن تحولت العبادة في مسجدنا فإن ربّه لن يتحول في قلوبنا"، رحم الله الإمام ابن الكبابطي، والزعيم فرحات عباس، وكل من عمل لطرد الصليبية الفرنسية من الجزائر، "أرض الجهاد". إن الذين يعملون اليوم على محو الإسلام من الجزائر سيخزيهم الله كما أخزى بارتزان، ولافيجري وغيرهما. هوامش: 1) جريدة البصائر: 16 جوان 1939، ص5.