صنع براعم جمعية أشبال عين البنيان، الأربعاء، الحدث في مسرح قسنطينة الجهوي باستقطابهم جماهير واسعة أتت لمواكبة عرض "جيل الأنترنيت" (إنتاج ديسمبر 2015)، واقتنع من تابعوا الخرجة الجديدة للمخرج الجزائري الفينزويلي "محمد إسلام عباس" (43 سنة) أنّ جودة المسرح هي من تصنع الفارق وتأخذ بالتلابيب، وليس مثلما سعى "زعماء الركح" في الجزائر التسويق له على نحو مغلوط. على خشبة قاعة العروض الكبرى لمدينة "ابن باديس" بمسرح قسنطينة الجهوي، كانت المشاهد مثيرة من خلال تلك القوافل التي اصطفت أمام البوابة الكبرى، وتشكّلت في الأساس من الأطفال وأوليائهم، إضافة إلى كوكبة من عشاق المراكحات والفضوليين، وكانت اللوحات فسيفسائية داخل المسرح وخارجه. وفي غياب غير مفهوم لفناني ومثقفي عاصمة الجسور المعلّقة (.. !؟)، استمتع الحضور بالعمل الذي ألّفته "سمية بن عبد ربه" وأخرجه المايسترو "محمد إسلام عباس" الذي تحدى العدم واعتمد على نخبة من الأطفال والفتيان انخرطوا في الفن للمرة الأولى في حياتهم. وعلى مدار ساعة من الزمن الركحي، تفنّن طاقم عين البنيان في تقديم عمل توعوي نبّه إلى وجوب كبح هيمنة الأنترنيت والوسائط الالكترونية، وضمان التوازن عبر تشجيع الأطفال على منح الأولوية للتحصيل العلمي بدل الإفراط في اللهو وما يترتب عليه من أضرار. وانتصر العرض للبساطة والرمزية، عبر لغة قريبة من الأطفال وسينوغرافيا دالّة اتكأت على حاسوب عملاق لتأثيث اللعبة الركحية والإحالة على ابتلاع عالم الميلمتيمديا للأطفال، كما تمّ توظيف الفكاهة من اجل خلق مناخ الدُعابة في عمل يهدف إلى ترسيخ مفاهيم أساسية ومضامين تربوية سامية، عبر استعراض ما انتاب الرباعي مروان، ميرة، يارا وعماد الذين سعوا للتمرّد على قوانين العائلة في سبيل إرضاء النزوات، قبل أن يعودوا إلى جادة الصواب. العمل شهد لمسات "أحمد مدّاح" في الإخراج، و"بوبكر خليفي" في تصميم السينوغرافيا، و"نوّارة إيدامي" في الكوريغرافيا، و"عمر شتيوي" في تأليف الموسيقى والأغاني، و"شاكر يحياوي" في الاضاءة. وأتى تجسيد الأدوار عبر هشام منّادي، سارة براهيمي، إيمان معروف، أونيسة حمّاد، رشيد بن مختار، آدم منّادي، سارة طيابي، زين الدين حامد، شفيقة أوبلعيد، فضلا عن "مصطفى علوان" الفنان المخضرم الذي يرفض أن يشيخ.
فزّاعة المسارح المهجورة امتلاء الطوابق الأربعة لمسرح قسنطينة بالجماهير المتعطشّة للوحات الركح الجميل، يفنّد رأسا ما ظلّ يردده أباطرة أب الفنون في الجزائر بشأن أسباب هجرة الجماهير للمسارح، ويحيل على أنّ الأمر لا يتعلق بظاهرة ملغّزة أو زهد الجزائريين في الفن الرابع، بل بكون الجزائر تملك متفرجين عارفين بالمسرح ويفرّقون جيدا بين الغثّ والسمين. ولعلّ ابتعاد هؤلاء عن مراودة القاعات إنما كان رسالة قوية لفريق من مكرّسي الرداءة، مثلما أنّ حضورهم القوي يؤشر على توافر مقومات جمالية الأداء والإخراج، وهي معادلة تفرض على الممارسين العمل أكثر وتحويل السواكن إلى متحركات. في عمقي طفل يرفض أن يكبر في تصريحات خصّ بها "الشروق أون لاين"، أوعز "محمد إسلام عباس": "في عمقي طفل يرفض أن يكبر"، معلقّا: "لا أحد يقول للمبدع: ماذا يبدع ولا كيف يبدع؟"، مضيفا أنّه في خضم علاقته العميقة مع الأطفال للسنة السادس عشرة تواليا، ارتضى في عمله الحادي عشر في مشواري مع الأطفال، أن ينتقل إلى شوط أكثر تطورا مع فئة تتطلب نضجا فكريا وفنيا بحكم التعامل مع شريحة ذكية ولمّاحة وتتمتع بدقة الملاحظة٬ وهذا ما تطلب منه الإمعان أكثر في الدقة والإتقان، وهو رهان زاد من المسؤولية التي وقعت على عاتقه كمخرج رفقة ممثلين غالبيتهم يخوضون أول تجربة ركحية في حياتهم. "جيل الأنترنيت" سطّرت جملة أهداف تتفق مع الأسس التربوية المعتمدة للفئة العمرية المستهدفة وهي من 6 إلى 12 عاما، واللافت أنّ نجاح العمل أو فشله لا يرجع إلى مثالية الأبطال .. بل إلى تكثيفه الفرجة على وقع غنائي كوريغرافي أدائي أخّاذ، لتنمية ذوق الأطفال وإذكاء إحساساتهم وبعث التفاؤل في نفسياتهم. والأكيد أنّ المسرحية ستتطور أكثر في القادم، وإلى اللقاء في الشمعة الخمسين !