تفعيل آلية تقديم طلبات تحويل التلاميذ من مؤسسة الى أخرى    بحث فرص الاستثمار وتبادل الخبرات في الصناعة الطاقوية    ضرورة "دمج الثقافة في عجلة التنمية الاقتصادية"    ولاية الجزائر تشكل "فضاء مفتوحا للاستثمار والشراكة"    19 ألف اسير فلسطيني تحت رحمة مجرمي الحرب    انهيار غير مسبوق للأخلاق وارتفاع رهيب في الجريمة    أنا ولية… ما تفضحنيش".. سرقات نسائية تحت أعين الكاميرات    اضطراب ما بعد الصدمة في المجتمع الإسرائيلي 1/2    الجزائر تفرش بساطها السياحي لضيوفها من القارة    قطاع الصيدلة سيشهد توقيع عقود بقيمة 400 مليون دولار    الخضر يطرقون باب المونديال اليوم    هذه حسابات تأهل الخضر إلى المونديال    أولمبي آقبو ينفرد بالصدارة    نحو مضاعفة مِنح الأفارقة بالجزائر    سوناطراك تعقد لقاءات مع شركات دولية    المعرض الإفريقي يتواصل    أمطار رعدية    رئيس الموزمبيق يودّع الجزائر    مستوطنون يقتحمون الأقصى    الرئيس الموزمبيقي يزور جامع الجزائر    إفريقيا سوق للمنتجات الجزائرية بامتياز    اتفاق ب 480 مليون دولار لتزويد أسواق غرب إفريقيا بالمعدات    الوفد الجزائري لألعاب القوى يحلّ بطوكيو    تجسيد برنامج تمويل المشاريع الموجّهة للشباب    الجزائر و7 دول من "أوبك+" ترفع إنتاجها من النفط    التأكيد على الطابع الاستراتيجي لعلاقات التعاون    مخطط عمل لتطوير الاستعجالات الطبية    تكريس آخر لحقيقة الدولة الصحراوية    زيارات فجائية للمؤسسات والمراكز المتخصصة    إطلاق برنامج تكويني لأصحاب الخدمات    تدخل عاجل لتنظيف "المونوبري"    فصول الإبادة الصهيونية مستمرة في غزة    محافظة الصالون الدولي للكتاب بالجزائر: إطلاق الطبعة الثانية لجائزة "كتابي الأول" الخاصة بالشباب    حكومة بايرو على كف عفريت وماكرون يواجه مصيره    عقود ب400 مليون دولار في الصناعات الصيدلانية    غريب يستقبل باركس تاو.. طابع استراتيجي يميز العلاقات بين الجزائر وجنوب إفريقيا    تنعقد اليوم بجنيف..ندوة دولية حول عواقب تجاهل القانون الدولي للصحراء الغربية    مرحلة جديدة من أشغال الريادة والاستكشاف بموقع "مرسى الدجاج"    9 بلدان تحجّ إلى مدينة الجسور للمشاركة في المهرجان الدولي    مكانة رياض محرز مهددة وبيتكوفيتش تحت الضغط    قصة ثمرة صغيرة صنعت هوية مدينة    تقلبات جوية : السلطات المحلية تباشر عقد اجتماعات تقييمية استباقية لتعزيزالتدخلات الوقائية    جمعية صحراوية تندد ب" المناورة الجديدة" للمفوضية الأوروبية في محاولة الالتفاف على قرار محكمة العدل الأوروبية    تصعيد الاحتلال ضد غزّة إعلان نوايا إجرامية    الدبلوماسية الجزائرية تواصل تعزيز حضورها القوي    معسكر : إبراز القيم الإنسانية والفكرية للأمير عبد القادر    تصفيات كأس العالم 2026: المنتخب الوطني ينهي تحضيراته قبل لقاء غينيا بحصة تكتيكية    المعرض الإفريقي للتجارة البينية : حفل لتوزيع جوائز CANEX Book Factory    فيلما في الطبعة ال20 للقاءات السينمائية لبجاية    وهران: إقامة مراسم افتتاح بطولتي إفريقيا لكرة اليد إناث لأقل من 17عاما وأقل من 19 عاما    هذه دعوة النبي الكريم لأمته في كل صلاة    شراكة بين "صيدال" وشركة "أب في" الأمريكية    الإعلان عن قائمة الوكالات المؤهلة    اجتماع عمل تقني بين قطاعي الصناعة الصيدلانية والصحة    الإسلام منح المرأة حقوقا وكرامة لم يمنحها أي قانونعبر التاريخ    المولد النبوي يوم الجمعة    يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    ذكرى المولد النبوي الشريف ستكون يوم الجمعة الموافق ل 5 سبتمبر القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة ثمرة صغيرة صنعت هوية مدينة
عنابة والعنّاب
نشر في المساء يوم 08 - 09 - 2025

تطل مدينة "عنابة" على المتوسط في أقصى الشرق الجزائري، حاملة اسما فريدا، يرتبط ارتباطا وثيقا بإحدى أقدم وأندر الثمار التي تنمو في المنطقة وهي فاكهة العناب. هذا الاسم لم يُختَر عشوائيا، بل جاء نتيجة تراكم تاريخي، وثقافي وطبيعي، يعكس عمق العلاقة بين السكان والأرض، وبين الإنسان والنبات الذي أحاط به لقرون.
العناب في الذاكرة التاريخية.. من الفسيفساء إلى المؤرخين
تشير الأبحاث التاريخية إلى أن شجرة العناب كانت موجودة منذ العهد الروماني، إذ تُعد فسيفساء "إيون" (Eon Mosaic)، واحدة من أبرز الشواهد على ذلك. هذه الفسيفساء المحفوظة اليوم في متحف هيبون بعنابة، تُظهر بوضوح جذع شجرة العناب، ما يدل على رمزية هذه النبتة، وأهميتها عند الرومان، سواء لأغراض طبية، أو غذائية، أو حتى دينية. وفي القرن الحادي عشر، شهدت المنطقة ميلاد مدينة جديدة على يد الأمير زاوي بن زيري، الذي أسّس مدينة "بونة" على هضبة تُعرف باسم كدية العناب. وهو اسم موثق في عدة مصادر تاريخية.
هذه الهضبة لم تكن مجرد موقع جغرافي، بل شكلت منطلقا لتسمية أوسع، رسّخت علاقة المدينة بهذه الفاكهة. كما لم يغفل المؤرخ ابن خلدون الإشارة إلى هذا الارتباط، حيث ورد في كتاباته ذكر "بلاد العناب"، كناية عن المنطقة المحيطة بمدينة بونة، ما يعكس شيوع الاسم وشهرته، حتى في الأدبيات التاريخية التي تناولت جغرافيا المغرب الأوسط.
من "بلاد العناب" إلى "عنابة"
مع بداية العهد العثماني دخلت المدينة مرحلة إدارية جديدة، حيث أصبحت تُعرف رسميًا ب"سنجق بلاد العناب" . وهو تعبير عثماني يشير إلى وحدة إدارية كبرى، ما يعكس بقاء الاسم، واستخدامه في السجلات الرسمية. وعقب الاستقلال الوطني في عام 1962، اعتمدت الدولة الجزائرية الاسم الرسمي "عنابة" للمدينة، محافظة بذلك على الهوية التاريخية والطبيعية التي ترافق هذه التسمية. وبذلك لم يكن اختيار الاسم مجرد عودة إلى الجذور، بل كان، أيضا، تأكيدا على استمرارية ثقافية تهم سكان المدينة، وتربطهم بمحيطهم البيئي.
فاكهة العناب.. من التراث الطبيعي إلى مصدر للرزق
فاكهة العناب هي شجرة معمرة تنتمي إلى الفصيلة السدرية. وتتميز بقدرتها على التكيف مع مناخات جافة، وشبه جافة. وتنمو بكثرة في المناطق الريفية المحيطة بمدينة عنابة، خاصةً في المناطق الجبلية والوديان ذات التربة الرملية، والحصوية. ثمرة العناب صغيرة الحجم ذات لون بني مائل إلى الأحمر الداكن عند النضج. وطعمها يتراوح بين الحلو والحامض. وتُستهلك طازجة أو مجففة. وتُستخدم في الطب الشعبي كمضاد للأكسدة، مقوٍّ للمناعة، ومهدئ طبيعي، إلى جانب دورها في تحسين الهضم.
ومع اقتراب نهاية فصل الصيف يبدأ موسم جني العناب، حيث تنشط حركة البيع في الأسواق الشعبية، وينتشر النساء والرجال على أطراف الطرقات، وفي الأحياء لعرض ما جُمع من هذه الفاكهة. ولأنها لا تحتاج إلى وسائل معقدة للحفظ أو التوضيب، تصبح موردا اقتصاديا حيويا لعائلات بسيطة، تعتمد على ما تجنيه خلال أسابيع قليلة.
العناب في الثقافة المحلية.. بين الرمزية والاستهلاك
لا تقتصر أهمية العناب على بعده التاريخي أو الاقتصادي، بل تمتد إلى الثقافة الشعبية المحلية. فهذه الفاكهة كثيرا ما تُذكر في الأمثال والحكايات، وتُربط بالبساطة والشفاء. وتعكس نمط حياة مرتبط بالأرض والفصول. وفي السنوات الأخيرة، شهدت بعض الجمعيات الفلاحية المحلية محاولات لإعادة تثمين هذه الشجرة، من خلال تنظيم معارض موسمية، أو إطلاق مشاريع صغيرة لتجفيف العناب، وتغليفه، وتسويقه كمنتج بيولوجي طبيعي. كما بدأت بعض التعاونيات النسوية في تصنيع مستخلصات العناب على شكل مربى، أو مسحوق مجفف، يُستخدم كمكمل غذائي.
العناب... رمزٌ مستمر في الذاكرة الجماعية
من فسيفساء رومانية قديمة إلى أيدي فلاح بسيط، يبيع ثمارها على قارعة الطريق، تواصل فاكهة العناب سرد قصتها عبر الزمن. ليست مجرد فاكهة موسمية، بل رمزٌ لهويةٍ جغرافية، وتاريخية، واقتصادية، واجتماعية، رسّخ اسم مدينة عنابة في ذاكرة الجزائر، والعالم. وتُجسّد هذه الشجرة العلاقة العميقة بين الإنسان وأرضه، وبين التاريخ والنبات. وتُعلّمنا كيف يمكن ثمرة صغيرة أن تحمل على عاتقها اسم مدينة بأكملها، وتظل شاهدة على تحولات الزمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.