يلخص جايمس غليك نظرية الفوضى (علم اللامتوقع) بأن الفوضى هي التغيير غير المحسوب في عالم يقوم على النظام. * * ويبدو أن عنصر التغيير غير المحسوب لدى المقاومة الفلسطينية هو ظهور سلطة افتراضية في فلسطينالمحتلة وإجراء انتخابات وقيام حكومتين تتصارعان على السلطة وتقسيم »بقايا فلسطين« إلى »إمارة إسلامية« ودويلة متعددة الثقافات. والضحية هو الفلسطيني والأرض الفلسطينية. * * دحلان »غير المتوقع«! * اعتقدت حماس أن منع جماعة دحلان بغزة من المشاركة في مؤتمر فتح قد يقصي دحلان من الفوز بموقع في اللجنة المركزية والثورية في فتح. وهو اعتقاد خاطئ، لأن حماس التي ترفع شعار »رفع الحصار« عن غزة وفتح الحدود، صارت تمنع المواطنين من الخروج بحجة أنهم يحملون أفكارا لا تخدم الحكومة المقالة، وتريد »مقايضتهم« مقابل الإفراج عن عناصرها في سجون محمود عباس. * ومثل هذا السلوك يدل على »تخلف التيار الإسلامي« وعدم احترامه لحقوق الإنسان، ويسيء إلى المقاومة التي تحمل حماس شعارها، بالرغم من أنها تحاورت مع »جند أنصار الله« بعد إعلان زعيمها الإمارة بارتكاب مجزرة في حق المجموعة وإبادة هذه العناصر دون مبرر، اللهم إلا مسح الموس في »القاعدة« وكأن حماس تريد الاقتداء بالنظام اليمني في استئصال »الحوثيين« على حساب تشريد الشعب اليمني. * لا أعتقد أن المرحوم عبد اللطيف موسى زعيم »جند أنصار الله« يمثل خطرا على مقاومة تصدت للغزو الإسرائيلي. * يبدو لي أن غياب مشروع المقاومة لدى حماس أدخلها نفق البحث عن »مخرج« لأزمة سببها هو التشبث بالسلطة، وهي تدرك أن السطة يعطيكها الشعب وليس من يحمل السلاح لحماية نفسه. * * لو نأخذ ظاهرة دحلان ونتأمل فيها سنخلص إلى ما يلي: * 1- إما أ ن ما تردد حول دحلان مجرد إشاعات وأكاذيب حول مضمون الرسالة »الخيانة«، أو أنه يمتلك القدرة على الإقناع بمواقفه، وقدراته الإقناعية استطاعت أن تجعل منه رقما مهمّا في نتائج مؤتمر فتح. * ولو لم يكن كذلك لما كان أحد أدوات ياسر عرفات. * 2- وإمّا أن ترتيب أعضاء المؤتمر مدروس بشكل يمكن توجيهه من خلال قيادة محمود عباس. * لكن العالم بخفايا فتح يجد أنه من الصعب السيطرة على رموزها. ويبقى المقياس الوطني هو المرجعية الأساسية لأبنائها. لقد أخذت الكثير من تجربة جبهة التحرير الوطني. * والسؤال ماذا يعني فوز دحلان، بالرغم من منع حماس لجماعته بغزة من حضور المؤتمر؟ * * حروب الجيل الثاني في فلسطين! * لو كانت فتح وحماس تدركان أهمية »مشروع المقاومة« أو تمتلكان مشروعا وطنيا، لتنبهتا إلى أن مجرد بدء الصهاينة في مناقشة »الاستيطان« والمطالبة بتوقيفه مقابل التطبيع فهذا يعني أن المشروع الصهيوني في اتجاه التراجع. والتيار المتمسك بالاستيطان والمطالبة بإعادة تكريسه هو التيار المتخوف من تراجع مشروع الدولة الصهيونية والسبب هو أنه لا يوجد يهودي واحد دون جواز سفر احتياطي، وعلى رأسهم نتنياهو الذي يحمل جواز سفر أمريكي، وخلال حرب غزة فرّ الكثير من اليهود. * ولهذا فعلينا بتعميق ثقافة عدم اليقين أو الشك بسلامة المشروع الصهيوني عن طريق »دعم إيران« وحزب الله وسوريا ودول أمريكا اللاتينية، باعتبارها تمثل »المقاومة« التي تهدد أمن إسرائيل. * والمتأهل في نتائج مؤتمر فتح يكتشف أن الجيل الثاني بدأ يتوسع داخل الطاقم المسير للحركة، وهذا يعني أنه سيواجه الجيل الثاني الذي يحكم حاليا إسرائيل، بعد رحيل جيل الآباء المؤسسين للدولة الصهيونية، إذ لم يبق منهم سوى شيمون بيريز، وهذا الجيل يطلق عليه بالعبرية اسم »الصابرة«، وهم من مواليد فلسطين. * ومن يعيد قراءة أدبيات الجيل الأول يدرك مدى خوفه من المستقبل في فلسطينالمحتلة، فإبن غوريون مؤسس الدولة العبرية له تصريح واضح يقول فيه: * »لست واثقا من أن ابني غاموس سيدفن في إسرائيل« أوَليس هذا دليل على أهمية المقاومة والكفاح المسلح وعدم التطبيع مع إسرائيل للإبقاء على حالة الرعب هذه؟! * * عرفات والسادات * أي مشروع سياسي يحتاج إلى دعم أمريكي، هذه هي الحقيقة القائمة حاليا في العالم. وقبلها كانت أمريكا إذا شعرت بأي خطر يهدد أمنها تسارع إلى التخلص منه، يكفي أن ضياء الحق قتل ومعه أربعة ضباط أمريكيين عبر تفجير طائرته. ويكفي أن السادات حين أدركت أمريكا أنه استرجع أراضيه، وأنه يملك مشروعا، كانت نهايته عبر أحد العناصر الإسلامية. ويكفي أن ياسر عرفات حين رفض التنازل عن القدس كانت نهايته على طريقة بومدين. * عرفات كان له مشروع لا يختلف عن مشروع السادات وهو »المقاومة الدبلوماسية« ودعم المقاومة المسلحة. * ولهذا عندما خلفه محمود عباس كان بمثابة الوجه الثاني للرئيس حسني مبارك، فهو يشبهه في كثير من المواقف. * إن دحلان هو الوحيد الذي يربك حماس ولعل هذا هو عنصر القوة لديه والدعم الإسرائيلي هو »المواجهة« بن الفلسطيين. * وقوة دحلان ليست من »السند الإسرائيلي«، وإنما التنظيم السياسي والإقناع والتجربة والحنكة، ولعل حماس تدرك أنه في الانتخابات التشريعية بغزة حصل على أعلى نسبة من الأصوات وهو إبن مخيمات لاجئي 1948 وسجين سابق في إسرائيل، وأحد أدوات »أبو جهاد« ثم ياسر عرفات، وهو يمثل الضمانة الوحيدة للمشروع الأمريكي باعتباره يمتلك القدرة على تنفيذه. * فماذا سيكون موقف حماس من عودة دحلان إلى غزة وماذا يقول محمود عباس إذا عاد خالد مشعل إلى فلسطين؟