اليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي: عائلات المكرمين يشيدون بثقافة العرفان لرئيس الجمهورية    البرلمان العربي: اقتحام مسؤولين صهاينة للأقصى المبارك انتهاك صارخ للوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس    استفتاء تقرير المصير هو الحل الوحيد لقضية الصحراء الغربية    القضية الصحراوية: نشاط سياسي وحضور إعلامي مميز في مختلف دول العالم لدحض أكاذيب المحتل المغربي    السلطة الوطنية تعلم الفاعلين بالتعديلات القانونية    إطلاق مبادرة حملة إنهاء فقر التعلم للجميع    جزائريون يتألقون في مسابقة عالمية    بنو صهيون ينتحرون    بن غفير يدنّس الأقصى    خطاب الهولوكوست في زمن الإبادة: شهادة إسرائيلية    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر-2025/: الجزائر تعزز صدارتها لجدول الميداليات بعد منافسات اليوم الثامن    الخضر بالعلامة الكاملة    الجزائر في النهائي    دوريات مراقبة جويّة لأول مرة    والي تيزي وزو يتفقد أشغال إنجاز مشاريع ويسدي تعليمات صارمة    مثلجات كريبوني الجزائرية في العالمية    أيام للمالوف بقالمة    وزارة الثقافة تنظم ورشة تكوينية دولية    وَمَنْ أحسن قولاً ممن دعا إلى الله    الدخول الجامعي2026/2025: بداري يجتمع بإطارات من الوزارة والديوان الوطني للخدمات الجامعية    الألعاب الإفريقية المدرسية /الجزائر2025/اليوم الاخير: ثلاث اختصاصات رياضية من أجل انتزاع المزيد من الميداليات    الجزائر وسبع دول أخرى تقرر زيادة في إنتاج النفط    التزام ثابت بتقوية قدراته المالية من أجل خدمة الاقتصاد الوطني    وفاة 9 أشخاص وإصابة 283 آخرين    أمواج عالية على عدة سواحل    ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 60839 شهيدا    المنتخب الوطني يعود الى أرض الوطن    ضرورة تفعيل مبادرة الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد)    محليو "الخضر" بنية التتويج القاري    ذهبية لمنصوري سليمان    رابطة مقدسة وعقيدة دفاعية راسخة    حذف المنصّة الإلكترونية "الإشارة للمغرب"انتصار للشرعية الدولية    الجزائر عصيّة على أعدائها بسواعد أبنائها المخلصين    الانضمام إلى نظام "بابس" خطوة هامة للسيادة التكنولوجية    25 مجمعا مدرسيا و14 مطعما جديدا    تسليم مشاريع التربية في الآجال المحددة    جهود لمحاصرة عدوى التهاب الجلد العقدي    مساع لحلحلة مشاكل المستثمرين بقسنطينة    "سوناطراك" تتمدّد بالخارج عبر استثمارات جديدة    السوق الموازية في مرمى نيران الحكومة    "الفيلة" يسحقون "صقور الجديان" ويواجهون "الخضر" في النهائي    آليات جديدة للتبليغ عن الآثار الجانبية لما بعد التلقيح    وزير النقل يكشف عن قرب تدعيم الرحلات الجوية الداخلية وإنشاء شركة وطنية جديدة    ورشة إفريقية عبر التحاضر المرئي لتعزيز ملفات ترشيح التراث العالمي    الجزائر تنضم إلى شبكة نظام الدفع والتسوية الإفريقي الموحد    اختتام التظاهرة الثقافية بانوراما مسرح بومرداس..تقديم 55 عرضًا مسرحيًا على مدار أسبوع كامل    سحب فوري للترخيص ومنع الوكالات من تنظيم العمرة في هذه الحالات    الجلفة تنزل بزخمها ضيفة على عروس الشرق عنابة    أمواج دوّاس تعرض "الفتنة القرمزية"    سؤال واحد أعادني إلى رسم تراث منطقة القبائل    إبداعات تشكيلية تضيء جدران المتحف الوطني للفنون الجميلة    دعم التعاون بين الجزائر وزيمبابوي في صناعة الأدوية    راجع ملحوظ في معدل انتشار العدوى بالوسط الاستشفائي في الجزائر    فتاوى : الترغيب في الوفاء بالوعد، وأحكام إخلافه    من أسماء الله الحسنى.. الخالق، الخلاق    غزوة الأحزاب .. النصر الكبير    السيدة نبيلة بن يغزر رئيسة مديرة عامة لمجمع "صيدال"    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيرة التقاة والعصاة في الوطن العربي
من بعيد
نشر في الشروق اليومي يوم 11 - 06 - 2008

بدت عليه علامات الحيرة والدهشة، تساءل، منذ احتلال بلاده، إلى أين تتجه الأمور بنا؟...
*
هذا السؤال لم يكن بالنسبة له تعبيرا عن محنة آنية، إنما هو امتداد لوضعه منذ سنوات في الجيش العراقي، وآنذاك كان مقصد السؤال: كيف السبيل إلى الخروج من تسلط نظام قام على البطش؟، لكنه اليوم يرى نفسه في ظل واقع ليس له نهاية.
*
مرة أخرى يعود صديقي إلى السؤال، بعد خمس سنوات لينقل الحالة العراقية من الخاص إلى العام ويكون السؤال هذه المرة، أين يلجأ الإنسان العربي والمسلم؟، وتبعا لذلك: ماذا تريد الحكومات منه؟ وماذا تريد منه الأمم الأخرى في تكالبها؟.
*
يرى صديقي في إجابات تلك الأسئلة، إن تحققت، رصدا ضروريا للتناقضات، فالإنسان العربي بالنسبة له، تائه في عالم متلاطم، دليله في ذلك نسبة المشاهدة العالية للبرامج الفنية والدينية وبرامج الشعوذة والسحر، بحيث أن نفس المشاهد تراه في كل حين يسيطر عليه هواه لعدم الثبات على موقف، وهو في ذلك رغم الحيرة لا يتناقض مع ممارساته اليومية، حيث الإجبار المتواصل للجم السلوك سواء أكان خيرا أو شرا، فلا العابد بإمكانه التقرب من ربّه لدرجة لا تزعج الأجهزة الأمنية، ولا العاصي بإمكانه أن يذهب في خطيئته، ثم يعود منها تائبا، ففي كثير من دولنا العربية ملفات السفلة عند الأجهزة الأمنية أقل سوءاً من ملفات التقاة، ولكل درجة، وبالطبع أهل التقوى أكثر خطورة على أجهزة الدولة من الذين يعيثون في الأرض فسادا.
*
صديقي العراقي وبعد تجربة مريرة يرى من الصعوبة بمكان الفرز في نظر الأنظمة، وانتقلت العدوى بعد ذلك للشعوب بين ماهو مقاومة وما هو إرهاب، وإذا كانت التجربة العراقية جلية بالنسبة إليه فهي ليست بمعزل عما يحدث في الدول العربية، فكل منّا عند إشراقة كل شمس وعند المغيب أيضا يحلم بيوم يكون هو نفسه، دون أن يتلبسه شيطان الآخرين أو زبانيتهم أو حتى ملائكتهم، إن كان لهم ملائكة، يحلم بأن تكون صلته بربه خالصة، ومن اتبع هواه يريد أن يكون بعيدا عن ضغط القوانين والسلطات؛ بمعنى أنه هناك حالة من البحث كأنها غابرة في أزمنة ما قبل الرسالات يتشوق الناس فيها إلى علوّ دون فواصل أو قواطع أو وسائط تحول بينهم وبين التعلق بالسماء.
*
إننا والحال تلك، نعبّر عما في الضمائر ولو حملت أوجه الباطل لنكون أسوياء مع ما في أنفسنا، فلا أحد، طبقا للمنظومة القانونية وإن ادعت الأنظمة ذلك، ينظر إليه بعين الرضا إن كان تقيا، بدليل رصد حركة المصلين في بعض الدول العربية، خاصة من يولون وجوههم شطر المساجد عند صلاة الفجر، ويقابلهم، كما ذكرنا في البداية، ملفات السكارى والحيارى.
*
الكل مطارد في معظم دولنا العربية، وهنا نتساءل أي تطبيقات للإيمان تلك التي تقض مضاجع الملتزمين، بسوط أهل السلطة؟!، وأي معصية يريد أصحابها التوبة يوما ما وهم لم يكملوها؟... فالمواطن العربي هاهنا ليس مسموحا له بالتوبة ولا مسموحا له الغرق في المعصية، وكثير من الأنظمة عاجزة عن الجهر بالسوء مع أنها تمارسه، وأخرى تطاول فيها الأقزام على رسالة النبوة، فاعتقدوا أنهم الأولى بالفصل في القضايا المصيرية للناس مع أنهم بقصد أو بدونه يزعزعون مناطق الإيمان باتساع مساحة الجور التي اعتمدوها منهجا.
*
لنتسائل جميعنا وفي رقعة هذا العالم الإسلامي الممتد: أليست الأسئلة السابقة تراودنا كل لحظة وتخيفنا تقييمات الأجهزة لنا إيمانا وفجورا؟، ويستثنى من ذلك الذين يروّجون للمعصية من موقع الترف والجاه والسلطة... أولئك الذين يسترون أنفسهم في السمر بدجى الليل رغم الأضواء الكاشفة، ويكشفون عورات الناس بالقوة وبأساليب أخرى، فقط لأنهم أناس يتطهرون.
*
إذا نحن في حيرة ودهشة وضياع، وطبقا لقاعدة »الدين المعاملة«، ما كان للدماء أن تستباح بهذا الشكل في أوطاننا لو أن هناك إيمانا يتساوى ظاهره بما في القلوب والضمائر... لقد تشابهت لدينا مواقف الحياة مثلما تشابه البقر على بني إسرائيل، فصارت حالتنا كما نرى، وإنها لذاهبة إلى نهايات محزنة ما لم يتم تمييز الخبيث عن الطيب، وما لم يتم الإعلان صراحة عن شروط التعايش ضمن قيم تثبت أركان الإيمان في علاقاتنا الاجتماعية.
*
من الناحية العملية، لا أحد منّا ينكر درجة الضبابية التي تعتري مجمل مواقفنا، لكنها ليست حالا من التسليم نقرّ بها لنبتغي عند الغربيين سبيلا، رغم أن كثيرا من قادتنا وعناصر النخبة يعتقدون في ذلك، والصراحة في مثل هذه المواضيع تؤرق أولئك الذين يعتبرونها مطية للوصول إلى أهداف واضحة لدى قادتهم فقط.
*
للخروج من حالتنا السابقة الذكر، علينا النظر إلى علاقتنا بالمساجد وبالتالي العبادة، من زاوية التغيير المطلوب للدور وللوظيفة وإلى إدراك أهمية الزمن في تحقيق القيم، هذا من ناحية وتصغير المواقع الأخرى للأجهزة وللحكومات ولمؤسسات الدولة بشكل عام بما في ذلك القضاء، فبيوت الله أكثر علوا والقادمون إليها في أمان، وحراستها من أهل الشر تنطلق من اعتبارها موقعا أساسيا للدولة إذا احتمى به الشعب تراجع دورها، وباختصار لابد من إقامة علاقة سوية بين الدول والمساجد وبين مؤسسات الدولة والشعوب، لعل ذلك يخرج الشعوب الإسلامية من حيرتها ويجعلها في إيمان قاطع بالملجأ والآمان وبالتالي يمكن استعادة قيم تناثرت هنا وهناك فضاعت أهميتها بجهل أهلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.