قليلة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت قضايا الأعمال الخيرية والإنسانية أثناء ثورة التحرير الجزائرية، فموضوع “الأعمال الإنسانية أثناء حرب التحرير الجزائرية” يعتبر من الموضوعات التي لم تلق العناية الكافية، ولم تحظ بالاهتمام الواسع من قبل المؤرخين الجزائريين. وتطرق إلى هذا المناضل والمجاهد الكبير سعد دحلب؛ وزير الشؤون الخارجية في الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وهو بصدد تقديم كتاب الباحث الدكتور فاروق بن عطية، حيث ذكر أنه لم يهتم أي مؤلف إلى حد الآن بدور النشاطات الإنسانية أثناء حرب التحرير الجزائرية، مشيرا إلى محاولات الأستاذ بن عطية بإنجازه لعدة أبحاث شخصية، وإنارته للأوجه الخفية لجانب كامل من كفاح الشعب الجزائري في سبيل تحرير وطنه، حينما كان يرزح تحت نير الاستعمار الفرنسي. وقال الأمين العام الأسبق للهلال الأحمر الجزائري الدكتور مصطفى مكاسي في التصدير الذي كتبه لهذا الكتاب إن فاروق بن عطية الذي يعتبر رجل ثقافة وعالم اجتماع؛ أزاح الحجاب عن جانب غامض من جوانب ثورة التحرير من خلال تسليطه الأضواء على الجوانب الإنسانية فيها، وفعل ذلك بكفاءة وموضوعية وسيعترف بجهوده كل من يطلع على هذا الكتاب الثمين. ولا يدرس الكتاب الأعمال الإنسانية أثناء الثورة بصورة عامة، بل يؤرخ لها ويتتبع خطواتها بدقة وتحليل وافٍ. وما تجدر الإشارة إليه أن الدكتور فاروق بن عطية الذي كان مديرا للمدرسة الوطنية للإدارة في الفترة الممتدة ما بين “1967- 1970″؛ ليس جديدا عليه دراسة هذا الجانب الإنساني في ثورة التحرير، فقد سبق أن ألف عدة كتب متميزة من بينها “العمل النسوي بالجزائر” و”تمليك القضاء بمدينة الجزائر”. ولعل أهم كتبه كتابه الصادر عن جهود الرجل الخير محمد خطاب الذي قدم خدمات جليلة للثورة الجزائرية، ولجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والذي كان الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي يثني عليه في مقالاته بجريدة “البصائر” ويصفه ب”الرجل المنقطع النظير البار بأمته ووطنه، ويؤكد على أنه “نابغة من نوابغ المحسنين من طراز خاص يقل وجوده في الأمم، وكان يُطلق عليه الشاعر الكبير مفدي زكريا اسم بطل الفلاحة إمام المحسنين”. وكتب عدة قصائد يثني فيها على جهوده وأعماله الإنسانية والخيرية التي قدمها للثورة الجزائرية. في السياق ذاته، استهل بن عطية كتابه بتمهيد أشار فيه إلى أن بحثه موجه إلى الشباب قصد توجيه نظرهم إلى مجال دراسة تاريخهم لاكتشافه من جديد، فمن الأهمية ألا يجهل الجزائريون- وخصوصا منهم الشباب- ماضيهم من أجل استنباط الكثير من الدروس في الوقت الحاضر وإعداد مستقبلهم، فهذا الماضي يساهم في تعزيز الثقة، ويرسخ حب الوطن، ولذلك فإنه يتحتم على المرء أن يعرف ماضيه ويطلع على المحن التي عاشها شعبه، والطريق الطويل والشاق الذي قطعه الأجداد لاسترجاع استقلال هذا الوطن. ويشدد المؤلف على نقطة مهمة، وهي أن الجزائريين منذ اندلاع ثورة التحرير، ورغم حرب العصابات، كانوا يؤكدون ويلحون على إقامة أعمال إنسانية، ونظرا لوفائهم للقيم العربية والإسلامية، فقد احترموا منذ البداية قوانين الحرب، وطوروا مصالح الصحة. وأشار المؤلف إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم الذي امتاز بإنسانيته، ولم يسمح أبدا بقتل الرجال في الباطل، ولا النساء والأطفال، وكان يأمر بالعفو والتسامح والحوار.