اختلفت أجواء تأدية اليمين الدستورية من قبل الرؤساء المتعاقبين على حكم الجزائر، باختلاف أولويات الرؤساء واختلاف الظروف توليهم لقيادة البلاد، إلا أن الخطابات والكلمات والأجواء المهيبة التي ميزت مراسم تنصيبهم وأداءهم اليمين الدستورية بقيت راسخة في ذاكرة الجزائرية، خاصة أن الرئيس يضع يده اليمنى على المصحف الشريف ويتلفظ بنص "اليمين الدستورية" الذي لم يتم تعديله بالرغم من التعديلات المتعددة للدستور الجزائري، حيث إن القسم نفسه الذي نطق به هواري بومدين، أداه بعده الشاذلي بن جديد ثم محمد بوضياف ثم اليامين زروال... وسينطق به اليوم عبد العزيز بوتفليقة. وتميزت مراسم تأدية اليمين الدستورية للرؤساء السابقين بخطابات وتصريحات حاسمة ومفصلية في تحديد سياساتهم بقيت خالدة إلى يومنا هذا، فمن التصريح الشهير للراحل هواري بومدين دولة لا تزول بزوال الحكومات إلى "الكلمة الشهيرة للمغدور به محمد بوضياف التي قال فيها "هذه يدي أمدها لكم" إلى دموع زروال إلى مصالحة بوتفليقة، كلها رسمت سياسات الرئيس المنصب وحددت رؤاه لمستقبل البلاد. فالرئيس الأسبق أحمد بن بلة الذي يعتبر أول رئيس للجزائر بعد الاستقلال، بعد أن وافق الشعب الجزائري على الدستور الأول للبلاد، تم ترشيح بن بلة كأول رئيس للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وانتخبه الشعب بأغلبية ساحقة في استفتاء 15 أكتوبر 1963 فاتخذ من فيلا جولي، مقر بنك الجزائر المركزي حاليا، مقرا للرئاسة، وتم تنصيبه في ظروف أقل ما يقال عنها أنها حالكة، ميزها انهيار شبه كلي في مختلف القطاعات، وكان بذلك أول رئيس للجزائر المستقلة حتى عزل من قبل مجلس الثورة في 19 جوان 1965 عزل من طرف مجلس الثورة بقيادة وزير الدفاع آنذاك هواري بومدين. 17 ديسمبر 1976، في مثل هذا اليوم من سنة 1976، أدى الرئيس المرحوم هواري بومدين اليمين الدستورية بقصر الأممبالجزائر العاصمة، بصفته رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية وهذا خلال حفل رسمي نقله التلفزيون وكل الإذاعات الوطنية مباشرة، وجرى هذا الحفل بحضور أعضاء من المجلس الثوري والحكومة إضافة إلى مسؤولين سامين في حزب جبهة التحرير والدولة وممثلين منتخبين. الرئيس الراحل هواري بومدين الذي جاء بعده مباشرة تولى مقاليد الحكم في أعقاب ما أطلق عليه أنذاك بالتصحيح الثوري، الذي قاده بومدين لتنحية أحمد بن بلة، ألقى كلمة في حفل أدائه القسم الدستوري، بقيت خالدة في تاريخ الجزائر إلى يومنا هذا، حيث صرح بومدين في أول خطاب له في نفس اليوم الذي تولى فيه رئاسة البلاد "سنعمل على إقامة دولة لا تزول بزوال الحكومات والأفراد". فيما نصب ثالث رئيس للدولة وهو الشاذلي بن جديد الذي لقب فيما بعد بأبي الديمقراطية، غداة وفاة الرحل هواري بومدين، وأعيد انتخابه مرتين، وبذلك يكون الشاذلي قد أدى اليمين الدستورية ثلاث مرات، إلا أن الخطاب الذي خلده هو الخطاب الذي أعلن فيه عن دخول الجزائر مرحلة التعددية ومنحه لقب أبي الديمقراطية في الجزائر. محمد بوضياف في يناير 1992، غداة مغادرة الشاذلي بن جديد الرّئاسة وحلّ المجلس الشعبي الوطني وجدت الجزائر نفسها تعيش فراغًا دستوريّا، ولمعالجة حالة الشغور وأمام هذا الوضع الخطير استدعت الجزائر محمد بوضياف لإنقاذ الدولة من الانهيار، فتمّ استدعاؤه ليتم تنصيبه رئيسًا للجمهورية الجزائرية في 16 جانفي 1992، بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد وحظي باستقبال رسمي من أعضاء المجلس ورئيس الحكومة والوزراء وعدة شخصيات، وكانت كل الأنظار مشدودة إليه، وأدى اليمين مع أعضاء المجلس الأعلى للدولة في نفس اليوم وعند الساعة العاشرة مساء ألقى كلمة للأمة الجزائرية عبر التلفزيون، عبر فيها عن رغبته في إعادة الأمل للشعب الجزائري، وبأنّ يده ممدودة إلى الجميع لمساعدته، وممّا جاء في الخطاب أنّه سيعمل على محاربة الفساد والرشوة وأهل الفساد في النظام وإحقاق العدالة الاجتماعية، ودعا القوى السّياسية إلى التوحّد لمواجهة التحديّات الجديدة، وطلب من الشعب الجزائري مساعدته في أداء مهامه، وقال: هذه يدي أمدّها إلى الجميع من دون استثناء". في 17 أكتوبر سنة 1995 أدى الرئيس اليامين زروال القسم الدستوري، بعد أن فاز في الانتخابات، وأهم ما يذركه الجزائريون عنه، المشهد الذي يظهر فيه زروال وهو يبكي خلال تحية النشيد الوطني، أثناء مراسيم آدائه اليمين الدستورية، وقد تولى زروال مقاليد الحكم عندما كانت الجزائر تمر بأوج أزمتها الدموية سنة 1995 في أجواء أقل ما يقال عنها أنها دموية، وعقب استقالته، انتخب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999 لتجسيد سياسة المصالحة الوطنية، وحقن الدماء وتحقيق الأمن والإستقرار، عبد العزيز بوتفليقة الذي يؤدي اليوم رابع يمين دستورية له، تميز حفل أداء اليمين الدستورية الذي أداه للمرة الثالثة بقصر الأمم بنادي الصنوبر، بحضور مميز لرؤساء سابقين، حيث حضر أول رئيس للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية أحمد بن بلة وثالث رؤساء الجمهورية الشاذلي بن جديد والرئيس الخامس للجمهورية علي كافي، وهم من عادتهم الاستجابة لدعوة رئيس الجمهورية في مختلف المناسبات الوطنية والدينية. في حين غاب عن الحفل الرئيس اليامين زروال الذي فضل منذ خروجه من قصر المرادية في 1999 العزلة في بيته بباتنة، كما حضر المناسبة إطارات المؤسسة العسكرية الحاليين والمتقاعدين، ومن بينهم القائد السابق لأركان الجيش الوطني الشعبي الفقيد الجنرال محمد العماري والجنرال المتقاعد محمد بتشين والجنرال المتقاعد محمد عطايلية. ومن أبرز الشخصيات التاريخية والسياسية حضر المجاهد الفقيد علي محساس والعربي زبيري، بالإضافة لحضور المرشحين الذين تنافسوا معه على الرئاسة، حيث حضر محند السعيد بلعيد، موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، وجهيد يونسي الأمين العام لحركة الإصلاح الوطني، فيما غابت رئيسة حزب العمال لويزة حنون، ورئيس حزب عهد 54 علي فوزي رباعين، أدى بوتفليقة آنذاك اليمين بين يدي رئيس المحكمة العليا قدور براجع الذي أملى نص اليمين الدستورية طبقا للمادة 75 من الدستور، وقد توجه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بخطاب إلى الأمة.