لم يكتب التاريخ للجزائر أن احتفلت برئيس للجمهورية، يصعد إلى هرم قيادة البلاد بشكل هادئ، وفي غير أزمة أو محنة، وفي غير ظروف استثنائية. في ظروف فتنة الصيف، التي اندلعت بين رفقاء السلاح في صيف 1962، جاء الرئيس الأول للبلاد أحمد بن بلة، ولم يكد بن بلة يستوي على كرسي الرئاسة، حتى كان وزير دفاعه هواري بومدين قد رتب انقلابا في 19 جوان 1965، كمخرج لأزمة حادة بين بن بلة والعسكر، وأصبح رئيسا لمجلس الثورة، ثم رئيسا للجمهورية. في ظل أزمة حادة بين أقطاب الحكم في الجزائر، جاء الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد في عام 1979 بعد وفاة الرئيس هواري بومدين بعد أن ألم به المرض الغادر، وانتهى حكمه باستقالة أو إقالة في خريف 1992، وجاء الرئيس محمد بوضياف في عز أزمة أمنية فتحت باب جهنم على الجزائريين، وتلاه الرئيس علي كافي، في ظل فترة داكنة السواد بعد اغتيال الرئيس بوضياف. وفي نفق الأزمة الدامية جاء اليامين زروال رئيسا للدولة عام 1994، وفي ظل ذروة أزمة الحكم وتدفق شلال الدم الجزائري، انتخب رئيسا للجمهورية عام 1995، ولم يشأ الرئيس زروال أن ينهي عهدته، ووضع البلاد على طرف أزمة، دفعت بالسلطة إلى البحث سريعا عن رجل أزمة. وفي عنفوان الأزمة الأمنية الداهمة، جاء الرئيس بوتفليقة عام 1999، إلى سدة الحكم، محملا بأزمات البلاد كلها، السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية. ليس بين كل رؤساء الجزائر السالفين، الأحياء منهم والراحلين عن الدنيا، من خط لنفسه مسارا طبيعيا للوصول إلى الرئاسة، بعضهم ساقه القدر، وبعضهم ساقته الصدفة، وبعضهم ساقه العسكر، وفي الحالات جميعها، كانت الجزائر تحتفل برئيس أزمة وتنهض من محنة وألم. الجزائريون يأملون أن يكتب لهم التاريخ للمرة الأولى انتخاب رئيس في غير موضع أزمة عام 2014، وفي غير حالة قلق مزمن، لكن التاريخ كتب على بلد ملايين شهداء الثورة والحرية والديمقراطية والربيع الأمازيغي وانتفاضة أكتوبر والمأساة الوطنية، أن ينتخب رئيسه الثامن في لحظة أزمة أيضا. اللهم اشف الرئيس بوتفليقة، وألهمنا رئيسا عادلا، يقضي على الفساد، ويصلح حال البلاد والعباد.