عندما يضطر رئيس الجمهورية إلى قيادة الحملة لفائدة تحقيق أوسع مشاركة في الاستحقاق البرلماني القادم، ويرسم لها سقفا عاليا، بلغ حد تشبيه الاستنفار الشعبي المطلوب لإنجاح هذا الاستحقاق بإعلان ثورة التحرير، فلا بد أن نقرأ أكثر من رسالة خوف وتحذير من تبعات الدعوة إلى المقاطعة أو العزوف الإرادي للناخبين عن المشاركة· على غير عادته لم يخف رئيس الجمهورية مخاوفه من تبعات مشاركة ضعيفة محتملة، ليس فقط على مصداقية الاستحقاق والبرلمان الذي ستفرزه الانتخابات، بل الخوف من تأثير المقاطعة المباشر على مصداقية الدولة التي يخشى أن تهتز، لأن ”العالم سوف يراقبنا” كما قال، ولأن المشاركة الواسعة سوف ”تقف سدا منيعا أمام التدخل الأجنبي”· وفي هذا التوصيف القوي لتبعات فشل الاستحقاق القادم تحذير مزدوج للطبقة السياسية، التي دعاها إلى الابتعاد عن ”اللغو والتشرذم والفوضى” وتحذير أقوى لعموم المواطنين من أخطار انسياق البلاد إلى حالة من التشكيك في مؤسساتها، قد توفر الذرائع للتدخل الأجنبي، في إشارة إلى ما حصل في العديد من الدول العربية· وفي إشارة غير مسبوقة لما يميز الاستحقاق القادم عن أي استحقاق تشريعي سابق، قال الرئيس ”إنها ليست كغيرها، لأنها سوف تفرز لنا برلمانا ديمقراطيا تعدديا من أبرز مهامه تعديل الدستور” ولأجل ذلك ذكر أكثر من مرة بالتجارب والمحن التي مرت بها البلاد: ”واليوم، إن أردتم الإصلاح والتغيير، فغيّروا من خلال اختيار وانتخاب من يكون جديرا بثقتكم”· وفي رسالة ثالثة أراد بها طمأنة الناخب والطبقة السياسية حيال إصراره على ضمان سلامة الاستحقاق، وحمايته من العبث والتزوير قال رئيس الجمهورية: ”إن الانتخابات ستكون رسالة من الجزائريين للعالم أجمع، لهذا وجهت تعليمات تدعو لاحترام القانون وتطبيقه الصارم، وسيحاسب كل من يتورط في التلاعب بمصداقية الانتخابات، أو يُقصّر في أداء واجبه، لأنني لن أسمح لأحد أن يتلاعب بمصداقية البلاد”· في معظم فقرات الخطاب انتقل رئيس الدولة بإيقاع مدروس، من لهجة التخويف والتحذير، إلى لغة التبشير والطمأنة، وفي الجملة حرص على أن يضع سقفا عاليا للاستحقاق القادم، الذي لا يحتمل من الطبقة السياسية الاستغراق في لغة التنابز واللغو والتشرذم، بالنظر إلى أن طبيعة المهمة التي تنتظر البرلمان القادم تفوق بكثير المهام التقليدية لبرلمان قد عطل نشاطه دستور غير متوازن، لطالما طعن فيه الرئيس وانتقد ضعف مؤسساته· ومع هذا التدخل القوي للرئيس في الحملة لصالح إنجاح الاستحقاق القادم، وقد رسم له هذا السقف العالي، فإن الطبقة السياسية مطالبة بالتقاط اللحظة والفرصة، والدخول في الاستحقاق ببرامج تشرح اجتهاداتها في رسم معالم العقد الاجتماعي الذي يستحقه البلد، وإعادة بناء الدولة ونظام الحكم المؤهل لتوفير الاستقرار للدولة وللبلد، وحمايتهما من الحملة الغربية الجارية على قدم وساق لتفكيك الدول، والانتكاس بشعوبها إلى الفوضى الخلاقة للفوضى·