في البداية ارتأينا الحديث عن الغربة بإيجابياتها وسلبياتها مع الشاب عبد الرحيم عبر موقع الفيسبوك، الذي يبلغ من العمر 28 سنة، مقيم بلندن، موظف في مطعم، يقول: "دام مكوثي هنا 9 سنوات لم أعرف معنى طعم الحياة دون أهلي دائما أنتظر اليوم الذي أكون بجوارهم، أخاف أن أموت ولا أرى والدي"، فحقيقة أختي الغربة تسرق منك كل شيء، لا يعرف مرارتها سوى الذي يبحر فيها للوصول إلى غاياته من دون أهل وأصدقاء يواجه الصراعات والمشاكل في بلد غير بلده، مليء بمختلف العقليات والأديان، صحيح أنك في بلد متطور وفيه كل شيء وأي شخص يطمح أن يكون في مكانك، لكن الغربة تسرق منك اللحظات الجميلة مع أصدقائك وأهلك وكل شيء، رغم العيش الجيد هنا دائما تشعر أنه ينقصك شيء، فالشيء الجيد في الغربة هو عندما تعمل لتحقيق غاياتك وتحسين ظروفك الاقتصادية والعودة إلى الوطن، هنا في الغربة تشعر بالوحدة القاتلة وتفتقد إلى الدفء العائلي، وأحيانا أتواصل مع عائلتي عبر السكايب أو الواتس آب لكي يعرفوا أنني بخير ولا أتواصل معهم كثيرا، لأنه في بعض المرات أسافر إلى مناطق أخرى ولا أتركهم منشغلين علي. خفت على أولادي أن تسرقهم الغربة حدثتنا لامية أم لستة أولاد، عاشت في اسبانيا لمدة 14 سنة، ربت وكبرت أبنائها وعلمتهم في مدارس أجنبية، ما جعل الأم تخوض تجربة تكون بالنسبة لهم الحل الأمثل لحمايتهم مستقبلا من مشاكل وصراعات تقاليد وعادات لا تمد أي صلة بهم، حيث فضلت الرجوع إلى بلدها والاعتناء بأبنائها، بعد أن واجهتها العديد من المشاكل والعراقيل هناك لاختلاف العادات والتقاليد ووجدت نفسها تعيش في مجتمع غير مجتمعها الإسلامي، وترى أبنائها يعيشون في مجتمع لن تكون مسرورة بشأنه أبدا، على حسب السيدة لامية صحيح أن الغربة تجعلك شخص قوي وتحقق فيه جميع غاياتك خاصة ا ذا كنت تعمل في مرتب جيد، لكن سلبيات الغربة كثيرة تجعلك تنسى أحبابك وأهلك ويمكن لك أن تنسى مجتمعك وتنغرس في تقاليد غير تقاليدك لذا أنا وزوجي حرصنا على العودة إلى الوطن مع أطفالنا، حقيقة في الأول أطفالي لم يتأقلموا بالوضع هنا في الجزائر، وبدؤوا بافتعال المشاكل مع كل فرصة تتيح لهم، لكن الآن بعد مرور 3 سنوات على مجيئنا الحمد لله أدخلتهم في مدارس خاصة لكي يكملوا تعليمهم وأنا راضية الآن بهم. فنحن المسلمين نملك أخلاقا وقيما أصيلة يجب الحفاظ عليها والتمسك بها، وأن لا نتأثر بعادات وتقاليد المجتمعات الغربية، فحنين الوطن وقضاء الأعياد ورمضان مع الأحباب والأصدقاء نفتقد إليه كثيرا في الغربة، صحيح أن الغربة توفر لك ظروف اقتصادية ومعيشة جيدة لكن سلبياتها كثيرة خاصة إذا انخرط أولادك في متاهات لا يمكن لك إخراجهم منها، لذا أنا وزوجي بعد تحقيق ما كنا نصبو إليه حرصنا على العودة إلى الوطن، واسبانيا تكون سوى للسفر للارتياح فقط وليس للمكوث فيها. الغربة تجعلك قويا لتحقيق مبتغاك أما عباس، من إيطاليا وبالتحديد نابولي، يملك متجر لغسيل الملابس، فأكد لنا أن الغربة تجعل منك شخصا قوي ومحارب في وجه الصعاب والشدائد، خاصة إذا كنت وحدك من دون أحد يساندك ويقف إلى جانبك في المحن، فالغربة تتعلم منها الكثير، يقول السيد عباس:«استطعت أن أوفر لأسرتي حياة جيدة على أعلى مستوى من الرفاهية لأولادي وتعليمهم وتحقيق كل ما يرغبون فيه، كما أن زوجتي لعبة الدور الكبير عندما كنت غائبا عن البيت في تربية أولادي تربية جيدة، حيث كانت ترعاهم ولعبت دور الأب والأم معا في تحقيق لهم ما يريدون دون أن يشعروا بغيابي، والآن بعد تحقيق كل ما كنت أريده، الآن أنوي العودة إلى الوطن إلى حضن أولادي والوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم على تحقيق أحلامهم. الغربة سرقة من أولادي فرحة الحضن المتين من جهتها ارتأت السيدة زهية من دالي إبراهيم أستاذة لغة عربية أم لطفلين، الخوض معنا في حديث عن سلبيات الغربة التي تركتها في نفسيتها عندما سافر زوجها إلى ايطاليا وتركها مع أولادها من دون معيل يرعاهم، فتقول: عندما سافر زوجي شعرت أنا والأولاد باللهفة والشوق إليه وكنا نعد الأيام والأشهر ننتظر عودته، ولكن مع مرور الأيام والسنين تأقلمت أنا والأولاد على الحياة بمفردنا وتعودنا على غيابه، صحيح كنا نفرح بقدومه لقضاء بعض الوقت معنا ولكن سرعان ما تزول هذه الفرحة عندما يبدأ الخلاف بيننا على طريقة إدارتي للبيت ولحياة الأولاد، ضاربا بعرض الحائط ما تحملته وحدي من مشقة وعناء في تربيتهم والسهر على راحتهم وتحمل مسؤولية نجاحهم في دراستهم وحل المشاكل التي تعترض حياتهم وحدي، حقيقة الآن عندما يحين وقت مجيء زوجي نشعر أنه ضيف، ففي الفترة الأخيرة التي أتى زوجي إلى هنا صارحني أنه ينوي العودة إلى الوطن والاستقرار هنا، لكن صراحة أقولها لكم لم أشعر بالفرح عندما صارحني بالعودة وتمنيت لويبقى مغترب، فالغربة سرقته منا ل 30 سنة والآن لا أريده أن يأتي ويفسد كل طموحاتي التي بنيتها وحدي مع أولادي من دونه، فجميع الصراعات والمشاكل واجهتها بدونه، بعد أن سرقه منه الغربة حياته وسعادته. صرامة أبي جعلتنا نتمسك بعاداتنا أما الشاب سفيان يقطن بفرنسا، فيقول بعد سفرنا مع والدي إلى فرنسا نظرا لشغله الدائم هناك، لم أجد راحتي بتاتا هنا، لأن عقلية أبي الصارمة والقوية، خاصة من جهتي أنا الولد، خوفا أن انخرط في عادات وتقاليد هذا المجتمع غير المرتبطة بديننا، حيث كان دائما يترقبني في كل أموري، وكان حريصا على أن نتسم بأخلاقنا وقيمنا التي تميزنا عن باقي الدول الغربية، وأنه علينا أن نتمسك بها، وأن لا نتأثر بأخلاق وعادات هذا المجتمع الذي انتقلنا إليه، حيث لم يكن لنا أي صلة بالجيران أو أصدقائي في المدرسة، وكنا دائما نفتقد إلى حنين الوطن ونترقب بشغف وقت رجوعنا إلى الوطن لقضاء أوقات ممتعة مع الأهل والأصدقاء، يقول سفيان عبر مكالمة هاتفية عبر الفيبر "صحيح أن الغربة تجد فيها كل شيء لكن فيها سلبيات كثيرة يمكن أن تدفع ثمنها إذا لم تعرف كيف تبحر في حيثياتها، كما أن الآباء يلعبون دورا كبيرا في دفع أبنائهم ثمن الغربة بإيجابياتها وسلبياتها". طبيعة الحياة هي التي تجعلني متردد في الرجوع وأكد لنا الشاب مراد من باريس، أنه قرار صعب عندما تعمل على تحقيق غاياتك وأهدافك كلها في الغربة، وتنوي بعدها الرجوع إلى الوطن، فهنا ينتابك نوع من الخوف أن تعود ولا تجد راحتك في الوطن بعد أن كنت في بلد حققت فيه كل ما ترغب وتعود إلى وطن لن تجد فيه ما تريد، صحيح أن الغربة تنسيك أحباءك وأصدقاءك وتسرق منك أجمل اللحظات، خاصة في الأعياد والمناسبات عندما تكون العائلة كلها حاضرة وأنت تنقص تلك "اللمة"، صعب عليك جدا عندما تفارقهم، لكن الغربة دائما ندفع ثمنها عندما تسرق منك عمرك وأنت مشغول في تحقيق أهدافك وغاياتك ومتطلباتك، خاصة إذا كنت متزوجا، فهدفك الوحيد هو تحقيق غاية أولادك وزوجتك، وهنا تجد نفسك منهمك في رحلات الغربة دون أن تشعر بعمرك الذي يزول مع إبحارك فيها، يقول مراد:« أعيش هنا منذ 13 سنة ولا أعرف لماذا يزيد الطموح كلما زاد وقت الغربة ويكون من الصعب اتخاذ القرار بالرجوع، وكلما فكرت وحاورت نفسي: "حان الأوان للعودة إلى الوطن، أجد نفسي أردد الإجابة نفسها دائما: لا....فمن الصعب أن أنقل مشروعاتي إلى طريق جديدة للحياة، وحقيقة لا يمكن أن ننكرها، فطبيعة الحياة مختلفة تماما هنا هناك، وهذا ما يجعلني دائما مترددا في اتخاذ قرار الرجوع".