مرت أمس 5 سنوات كاملة على رحيل صاحب روائع الغزل والمديح وأيقونة الفن البدوي الصحراوي خليفي أحمد تاركا عرشا لم يظهر ورثته بعد، ما يدفع إلى السؤال عن حال نوع فني طالما صنع دهشة وبهجة العائلات الجزائرية، ورغم أن الكثير من المواهب تبرز في المدن الداخلية وتؤدي المديح والأغنية البدوية، إلا أنها لم تحظ بالرعاية، ولعل السبب الأول يعود لنوع الفن الذي تحول إلى فن نخبوي غير تجاري، لكن استطاع رغم ذلك بعض الفنانين أن يقتنصوا «الآي ياي» والنمط الصحراوي في مقدمات الأغنية النايلية التي تشكل امتدادا للأغنية البدوية، وهو ما وجد انتشارا في العديد من مناطق الوطن ، فعلى على مدار نصف قرن استطاع خليفي بال»الآي ياي» أن يتربع على عرش الآداء، ليس بقدراته الصوتية الخارقة فحسب، لكن بنباهته وحسه الفني العالي فقد هذب الأذواق وشغل الآذان. هو أسطورة صنعتها عبقرية الصوت والخيارات، وقد ولد عباس أحمد بن عيسى و هو اسمه الحقيقي سنة 1922 في مدينة سيدي خالد ، نشأ على طريقة أترابه متعلما لدى شيخ البلدة، وكان لهذا التعليم أثره حيث يتداول التلاميذ المدائح إلى جانب القرآن،وجد خليفي الطفل خاله سباقا في عالم المديح فاستلم من عنده السر وشاركه بعض السهرات في مسعد والجلفة وبسكرة، ثم انفصل عنه ومر بمرحلة فراغ قصيرة قبل أن يسكن قصر الشلالة سنة 1941، في قصر الشلالة بدأ الفنان يتربص كنجار، لكنه وجد فرصة للعودة إلى الفن من خلال معلمه الذي كان عازفا ومحبا للفن، وبدل أن يتخرج من عنده نجارا تخرج مغنيا أكثر هوسا بالفن، و ابتداء من 1943 فتح فصل التجربة العاصمية، بدأ مؤديا للمدائح الدينية، وسريعا صنع له اسما انطلق من حي بلكور لينتشر في أرجاء المدينة، ومع نهاية الأربعينات وضع قدميه ومد خطاه في رحاب الأغنية الصحراوية وتنقل إلى خارج العاصمة لاقامة حفلات في مختلف المدن، أشهر أغنية ارتبطت بالتراث البدوي هي ملحمة «حيزية» لبن قيطون،إلى جانب رائعة «قمر الليل» لبن كريو ، قبل أن يلتقي الشاعر الشلالي الكبير عيسى بن علال الذي قدم له «قلبي تفكر عربان رحالة».