هناك أسماء قدمت الكثير وما زالت، في صمت وبساطة وتواضع وسخاء في مختلف المجالات الإبداعية، لكن المؤسسات الثقافية والتربوية المعنية لم تعرها الأهمية التي تستحقها، كما أن الإعلام عن قصد أو عن جهل أو إهمال بكل بساطة لم يعطها حقها ولم يجهد نفسه في أن يضع إبداعها في الواجهة أو على الأقل يقربه من الجيل الجديد ؛ من بين هذه الأسماء امرأة تحول كل ما تلمسه وبشكل سحري، شعرا وموسيقى ولحظة صفاء تشرك فيها الآخرين بكل اختلافاتهم وتوجهاتهم وقناعاتهم؛ لأن الإبداع بالنسبة لها هو الجامع بكل بدفء وهو المساحة المثلى التي تنسج فيها ومن خلالها العلاقات الإنسانية العميقة. هي المبدعة المتميزة حواء جبالي التي كتبت القصة والرواية والمسرحية والشعر والسيناريو والتي نشطت وأنتجت الكثير من البرامج الإذاعية ثقافية واجتماعية وفكرية وعلمية دون أن ننسى إسهاماتها الكبيرة في الصحافة والتي كانت توقعها باسم مستعار " Assia D ". جاءت وعمرها لم يتجاوز 12سنة مباشرة من مدينة "كريتاي" الفرنسية التي شهدت ولادتها سنة 1949 إلى بلدها الجزائر لتعيش بين الأخضرية والجزائر العاصمة وقسنطينة منتعشة بتنوعها الجغرافي والثقافي الأمازيغي العربي، فخورة بكل ما تعلمته من فن الحياة على أيدي نساء صقلتهن التجارب وحفر الوقت أوشامه على أجسادهن ، عايشت كمعظم أطفال وشباب جيلها مخلفات الحروب وإرهاصات وتحركات الجزائريين وهم يرتبون أنفسهم بشتى الطرق والوسائل للوقوف في وجه الاستعمار. عايشت الفقر والجوع والظلم وكل أنواع المعاناة في زمن بشع لم يرحم أحدا بجشعه وأنانيته، وحب التسلط والاستقواء. خزنت في ذاكرتها الطفولية وفي قلبها الهش الصور والوجوه والحكايات اليومية، خبأت ألوان الأزهار وقوس قزح كما خبأت السواد والعتمة ؛ لينفجر كل ذلك إبداعا متنوعا وغنيا على مستوى المواضيع وعلى مستوى البناء الفني والجمالي وعلى مستوى التعامل مع اللغة بكل حمولتها الإبداعية والإنسانية. جعلت من اللغة الفرنسية بيتا جميلا تؤثثه بما تشاء من معارفها وارتباطها الشديد بكل ما هو موروث حضاري عربي أسلامي حافرة بكل قواها في الذاكرة الجمعية الجزائرية التي توارثتها عن الأمهات والجدات والنساء العابرات كالفراشات والطيور المهاجرة. هي الحكاءة الجميلة على الركح أو في أي مساحة متاحة، هي المفتونة بالتراث الشعبي الجزائري والإفريقي والمتوسطي والعربي والإنساني بشكل عام، جاعلة منه مادتها الخام الخفية أو المعلنة في كل كتاباتها شعرا ونثرا. هي المرأة المتعددة لأنها ترى نفسها في كل النساء اللواتي حملت قضيتهن بعمق وقناعة بمختلف ثقافاتهن وأديانهن ووسطهن الاجتماعي. تواضعها وبساطتها وفضولها الهادف والنبيل جعلها ترحل وتنغمس في كل الأوساط النسائية تلتقط تجاربهن وتلمس معاناتهن. لغتها شعر وموسيقى وألحان داخلية تحفر في الموروث الثقافي بكل غناه وتستقي من المعيش اليومي المرتبط بالمعاناة الحقيقية مهما كانت قاسية. كتاباتها ناقدة وجارحة ومحرجة لأنها تلمس الواقع في العمق دون لف ولا دوران. وأنت تسمع همسها الخفي وهي وتوشوش لك في لحظة صفاء وتجلي غارسة أصابعها في شعرها الأحمر مثل شعلة نار: " لم أكن أفكر أبدا في مغادرة أرضي وتربتي لكنني اضطررت إلى ذلك اضطرارا سنة 1989" تقول جملتها بحرقة وألم غارسة عيونها الكثيرة في عمق تربة لم تبرح ذاكرتها هي المتعددة الجذور التي آمنت أنها امرأة عمرها بعمر منبت الأرض، في السنة نفسها التحقت بالمركز الثقافي العربي في بروكسيل والذي كان قد أسسه المبدع والمناضل العراقي علي خيدر سنة 1988، ليجعلا منه نقطة إشعاع وملتقى المبدعين والأدباء والمفكرين بمختلف اللغات ومنصة جميلة لحوار الأديان والثقافات بشفافية وتسامح وتقبل الآخر . هي التفاتة طيبة فقط لمبدعة تستحق الكثير والكثير. لك كل الحب العزيزة حواء.