توقيف بث قناة الشروق نيوز TV لمدة 10 أيام على خلفية استخدام مصطلح عنصري على الفايسبوك    سفينة مساعدات متجهة إلى غزة تتعرض لهجوم صهيوني في المياه الدولية قرب مالطا    "الأونروا": الحصار الصهيوني على غزة "سيقتل بصمت" مزيدا من الأطفال والنساء    أضاحي العيد المستوردة: انطلاق عملية البيع الأسبوع المقبل عبر كافة الولايات    حرية الصحافة في زمن التحول: مسؤوليات جديدة للإعلام الوطني    الاتحاد البرلماني العربي: دعم القضية الفلسطينية ثابت لا يتزعزع    الجزائر وغانا تؤكدان التزامهما بالحلول الإفريقية وتعززان شراكتهما الاستراتيجية    الرابطة الثانية للهواة - الجولة ال 21: حوار واعد بين مستقبل الرويسات و اتحاد الحراش حول تأشيرة الصعود    كرة القدم بطولة افريقيا للمحليين 2025 /غامبيا- الجزائر: الخضر يحطون الرحال ببانغول    البطولة العربية لألعاب القوى بوهران: العداء الجزائري الهادي لعمش يحرز الميدالية الفضية    شركة بريطانية تتهم المغرب بالاستيلاء على مشروع قيمته 2.2 مليار دولار وتجره للعدالة    ربيقة يلتقي بمدينة "هوشي منه" بنجل الزعيم الفيتنامي فو نجوين جياب    جيش التحرير الصحراوي يستهدف مواقع جنود الاحتلال المغربي بقطاع البكاري    مراد يشيد بالجهود المبذولة في سبيل تطوير مختلف الرياضات بالجزائر    أضاحي العيد المستوردة: انطلاق عملية البيع الأسبوع المقبل عبر كافة الولايات    المعرض العالمي بأوساكا باليابان: الرقص الفلكلوري الجزائري يستقطب اهتمام الزوار    غلق طريقين بالعاصمة لمدة ليلتين    حجز 4 قناطير من الموز موجهة للمضاربة في تلمسان    وزير النقل يترأس اجتماعًا لتحديث مطار الجزائر الدولي: نحو عصرنة شاملة ورفع جودة الخدمات    افتتاح الطبعة الرابعة لصالون البصريات و النظارات للغرب بمشاركة 50 عارضا    صدور المرسوم الرئاسي المحدد للقانون الأساسي لسلطة ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية    اليوم العالمي للشغل: تنظيم تظاهرات مختلفة بولايات الوسط    خمس سنوات تمر على رحيل الفنان إيدير بعد مسيرة حافلة دامت قرابة النصف قرن    إعفاء البضائع المستعملة المستوردة المملوكة للدولة من الرسوم والحقوق الجمركية    البروفيسور مراد كواشي: قرارات تاريخية عززت المكاسب الاجتماعية للطبقة العاملة في الجزائر    وزارة الصحة تحيي اليوم العالمي للملاريا: تجديد الالتزام بالحفاظ على الجزائر خالية من المرض    الكشافة الإسلامية الجزائرية : انطلاق الطبعة الثانية لدورة تدريب القادة الشباب    البنك الإسلامي للتنمية يستعرض فرص الاستثمار    عميد جامع الجزائر يُحاضر في أكسفورد    يامال يتأهب لتحطيم رقم ميسي    اتحاد العاصمة ينهي تعاقده مع المدرب ماركوس باكيتا بالتراضي    وزير المجاهدين يمثل الجزائر في فيتنام ويؤكد على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين    الجزائر تحتضن المؤتمر ال38 للاتحاد البرلماني العربي يومي 3 و 4 مايو    وصول باخرة محملة ب31 ألف رأس غنم    تم وضع الديوان الوطني للإحصائيات تحت وصاية المحافظ السامي للرقمنة    خدمة الانترنت بالجزائر لم تشهد أي حادث انقطاع    تواصل عملية الحجز الإلكتروني بفنادق مكة المكرمة    بلمهدي يدعو إلى تكثيف الجهود    الاختراق الصهيوني يهدّد مستقبل البلاد    وزير الاتصال يعزّي عائلة وزملاء الفقيد    رئيس الجمهورية يتلقى دعوة لحضور القمّة العربية ببغداد    الحصار على غزة سلاح حرب للكيان الصهيوني    المتطرّف روتايو يغذي الإسلاموفوبيا    250 رياضي من 12 بلدا على خط الانطلاق    قافلة للوقاية من حرائق الغابات والمحاصيل الزراعية    انطلاق بيع تذاكر لقاء "الخضر" والسويد    إبراز أهمية تعزيز التعاون بين الباحثين والمختصين    عمورة محل أطماع أندية إنجليزية    المحروسة.. قدرة كبيرة في التكيّف مع التغيّرات    شاهد حيّ على أثر التاريخ والأزمان    ماذا يحدث يوم القيامة للظالم؟    نُغطّي 79 بالمائة من احتياجات السوق    معرض "تراثنا في صورة" يروي حكاية الجزائر بعدسة ندير جامة    توجيهات لتعزيز الجاهزية في خدمة الحجّاج    صفية بنت عبد المطلب.. العمّة المجاهدة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر و طرائق الاستهلاك
نشر في الجمهورية يوم 04 - 12 - 2017

ثمة فرق بين الكتابة الصامتة و التهريج المتصاعد. و بغضّ النظر عمّا يمكن أن يحمله كل منهما من رؤية جمالية و من مشروع فكري، فإن ما يمكن ملاحظته هو هيمنة المتصاعد على الصامت، لا بين جنس و جنس كما هو الحال في يمكن أن نراه من انقلاب للأدوار بين الشعر و الرواية حيث أصبح كل منهما يقوم بدور الآخر، قسرا أو اختيارا، من دون أن يعيه، و لكن كذلك داخل الجنس الأدبي نفسه، حيث أصبح التهريج المتصاعد يطغى على الكتابة الصامتة إلى درجة ترسّخَ من خلالها الاعتقادُ بأنْ لا كتابة بدون تهريج، فاستُبدِلت الكلمات هنا كذلك لتتلاءم مع متطلبات الراهن بما يحمله من وسائل توصيل آنيّ للقارئ المتسرع المتخلي عن الابداع و المتعلق بمظهره، فصار الحديث عن الكتابة المهرِّجة في مقابل الصمت، و صار مبدأ أن تكون مشهورا أهم بكثير من مبدأ أن تكون معروفا. ذلك أن التكريس، بوصفه مرحلة ترسيخ نهائية للمبدع في ذاكرة القارئ و في واقعه، أصبح يتم بالشهرة و ليس بما تحققه القراءة من معرفة حقيقية بالمبدع و بمنجزه.
لقد غيّر القارئ مفاتيح النص و نحن على بعد أمتار قليلة من إعادة صياغة جذرية لنظرية القراءة من طرف وسائل التواصل الاجتماعي نظرا لما أنتجته هذه الأخيرة من تصورات جديدة و من إمكانات من خلال إعادة صياغتها لمفاهيم التلقي بتوفيرها لإمكانية أن تكون مشهورا من دون أن تكون معروفا. فأن يكون المبدع معروفا يعني- في ما يعنيه- اتصاله الوجودي بالمعرفة بمعناها الإبستمولوجي و الفلسفي كقياس لحجم إدراكه، في منجزه الابداعي و من خلاله، لما يضمن لهذا المنجز صيرورته الأدبية تمثّلا و وعيا و ترسّخا في واقع القراءة نظرا لما يحمله من قيم عظيمة تشبه المبدع، بل تكاد تكون المبدع نفسه. و هذا الوعي بالذات و بالعالم هو الذي يجعله معروفا عند القارئ. أما أن تكون مشهورا فقد يعني ، فيما يعنيه، اتصاله بالشهرة كظاهرة عابرة للحظة، غير متوقفة عند كينونتها، بل إن كينونة الشهرة في حدّ ذاتها هي تجاوزها لحواجز ما تُشكّله المعرفة من معوقات تضطر الجمهور إلى التوقف الطويل و التأمل المتبصر في الحياة بوصفها نصا إبداعيا يمتح من راهن اللحظة و من آنيتها لتنتج قيما جمالية تشكّل وعي القارئ المستعجل بما تنتجه الحياة السريعة من أشكال و من أجناس و من مواقف. ربما تحوّل مفهوم القراءة، و كذلك مفهوم أثرها في الواقع و عند القارئ بصفة جذرية، بسبب هذه التحوّلات و تأثيرها الفاعل في بنية التلقي و في أساليبها المخادعة في كثير من الأحيان. و قد صار القارئ النموذجي، بناء على ذلك، منجذبا لما يخدم مصلحته الوجودية المرتبطة بتسارع نبض الحياة لأنه أصبح بإمكانه أن يكوّن موقفا فكريا أو إيديولوجيا متكاملا و رأيا نقديا متبصرا بمجرد النقر على ما تقدمه نصوص الحياة السريعة في وسائل التواصل الاجتماعي من إشارات عميقة ليس له أن يمتلك فكّ رموزها بالدقة نفسها و بالعمق نفسه و هو يركن إلى ما أصبح في نظره طُرقًا تقليدية مُتجاوزَة في تشكيل معياريّةٍ ذوقية حول منجز إبداعيّ ما، و من ثمّة، حول صاحبه.
ربما تحققت عقدة التواصل هذه في الشعر بالذات نظرا لما يمكن ملاحظته من غيابه الحاضر أو حضوره الغائب داخل منظومة لا تعير اهتماما بما كان يجعل من الشعر نبضا للحياة نظرا لتغيّر إحداثيات المقاربة التي أضحت تحملها القراءة بمفهومها الآني المرتبط بالزمن، لا بوصفه مفهوما قادرا على بسط الأفكار و تقليبها أنطولوجيا و واقعيا، و لكن بوصفه مفهوما مكظوظا في محتواه، قادرا على طيّ المسافات الواسعة التي كان يؤثثها القراء المتكاسلون في بهو الحياة الفاصل بين المبدع و بين منجزه الابداعي.
لم يعد للشاعر خاصة و للمبدع عموما ما كان لهما في زمن سابق من دور الشجرة العظيمة المضلّلة التي تغطي الغابة، غابة الجمهور المهرول إلى خنق القاعات و الساحات بحضوره الكثيف الدال، فيما كان يدل عليه، على ترسّخ الشعر، لا في بطن الشاعر فحسب، و لكن في بطن الجمهور العريض كذلك.
و ربما كان الشاعر محمود درويش آخر الشعراء الحاملين لمشعل الشعر بوصفه تمازجا وجوديا بين أن يكون مشهورا و أن يكون معروفا في الوقت نفسه، لأنه كان رمزا لقضية كانت عظيمة في وقت قريب و لم يعد كذلك في راهن اللحظة التي يحملها القارئ الآني عن الحياة و عن الوجود و عن الشعر و عمّا يمكن أن يمثله من قيم إبداعية. و ربما كان موته، كشاعر جامع للبعدين، محطةً فاصلة بين واقع الشاعر المعروف من طرف مقربيه الذين يقرؤون له و يجهدون أنفسهم في التلاحم مع منجزه الابداعي فنيّا و جماليا، و بين واقع الشاعر المشهور الذي يجعل من الأشكال سبيلا مختصرا يسوّق تأثيرها الآني على الجمهور في ما أصبحت تدل عليه طرائق التسليع و الاستهلاك من تأكيد على تغيّر طرائق تلقّف الجماليات المعاصرة و طرائق ترسيخها في مستقبل ما يمكن أن تنتجه الإنسانية من أشكال إبداعية جديدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.