تعالت أنّاتُها مع تسارعِ دقّاتِ قلبِها. يعصِرُ الألمُ أحشاءَها. تنظرُ بشفقة إلى فِلذتيْ كبِدِها؛ يمينة و محمود، و هما يغطّان في سُبات عميقٍ. يفترِشان فرّاشية على حصير من دوم، يدّثُرُهما غطاء من صوف. إنّه مخاضُ الولادة فاجأ زوليخة في ليلة من ليالي شهر ديسمبر،لا ينيرُ ظلمتَها إلاّ كانكي، تآكلت فتيلتُه. يكاد جنينُها ، يلِجُ عالم الدّنيا. تذكّرت زوليخة وصيّةَ زوجِها قدّور لحظةَ الوداعِ : "أنا ذاهبٌ في مهمّة فدائية مع الخاوى، ادْعِ لي و انْتَهَلّي في الأولاد ، اسْتعيني بجيراننا" . يشتدّ المخاضُ، فتدقّ بيدها الحائطَ الفاصل بينها و بين بيت جارتها. هرعت إليها سعدية مسرعةً ، "لا بدّ من حضور خالتي فاطْمة القابِلة. أطلّت سعدية بحذر من ثقْب في الباب الخشبي، فاصطدم نظرها بحشد من العسكر، سيّارتهم من نوع "لاجيب"،تشقّ أضواؤها عتمة المكان ؛ "يا ربّي المنطقة مسركلة "! تلتحقُ الجارة مباركة، نيابةً عن القابِلة فاطْمة، تسخّنُ الماءَ على جمرات، تنبعث حرارتها من بين الرّماد، تبخّرُ بأعشاب، تتمتمُ أذكارا... تباطأت أنّاتُ زوليخة، هدأت أطرافُها، خارت قُوّاها... "هيّا هيّا ازْحمي، تنهّدي". إنّه ولدٌ، ولكنّه لا يصرخ و لا يتحرّك! ازرقّ لونُ جسدِه الصّغير، اختنق قبل أن يرى النّور". السْلامة في راسك يا زوليخة وأجرك على اللّه". أخذت مباركة و سعدية تُطمْئِنانها، و إذا بصوت رصاص، يخترقُ حُرمةَ سكونِ اللّيلِ؛ سقط الفدائي قدّور شهيدا !