عطاف يستقبل نظيره البلجيكي    بوجمعة يردّ على انشغالات رؤساء المجموعات البرلمانية    هذا جديد الدخول الجامعي القادم..    تسديد إلكتروني لفواتير الكهرباء    اتفاقية مع البنوك لمنح قروض للفلاحين    ديناميكية جديدة للسياحة الداخلية تتشكّل بالجزائر    سونلغاز: بحث فرص التعاون والشراكة مع اتحاد الأعمال العماني    كوبرنيكوس يُنصف الصحراء الغربية    ماذا قال أبو عبيدة عن الضيف؟    الجزائر تستضيف الألعاب المدرسية الإفريقية    ما حقيقة وشم محرز؟    تشلسي يكمل سجلّه الذهبي    36 ألف شرطي لتأمين الشواطئ    الشايشي يشيد بالمواقف الثابتة للجزائر    لاناب حاضرة في سيتاف    لإنتاج المادة الأولية لصناعة الأدوية المضادة للسرطان    الجزائر لا تتلقى أي مساعدات للتنمية من باريس    الأزمة تفتك بأطفال غزّة وتدفعهم إلى حافة الهاوية    المغرب يمضي في مشاريع توسّعية غير قانونية على أرض محتلّة    مستوطنون يعترضون شاحنات مساعدات من الأردن..استشهاد 15 فلسطينيا بهجمات إسرائيلية متفرقة على غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 58.386 شهيدا و 139.077 مصابا    توطيد التعاون الأمني وتقاسم التجارب والخبرات    تدعيم الطريق السيّار بمحطات خدمات جديدة    المكونات الثقافية للجزائر عامل هام في الترويج السياحي    مولودية الجزائر : الجنوب إفريقي رولاني موكوينا مدربا جديدا    الجزائر الجديدة لن تُبنى إلا بشبابها    67 طائرة ومروحية لمكافحة حرائق الغابات    مخطّط استراتيجي وطني لدعم الصحة المدرسية قريبا    تيزي وزو: الطبعة السادسة للصالون الوطني للفخار "آث خير" من 17 الى 20 يوليو الجاري    ابراهيم مراد:ضرورة رفع مستوى اليقظة لحماية الثروة الغابية من الحرائق    الصالون الدولي للسياحة والاسفار : يوم دراسي حول الإبتكار الرقمي في السياحة بالجزائر    وزير الاتصال يزور الإعلامي علي ذراع بمستشفى عين النعجة    ناصري يشيد بدور المجلس الإسلامي الأعلى في حماية المرجعية الوطنية    نص قانون معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي يهدف الى الانخراط في المسعى الدولي للتعاون القضائي    إصلاح شامل للاستعجالات الطبية قريبا    ماستر مزدوج بين جامعة هواري بومدين وجامعة نواكشوط    المشيخة العامة للصلح في إفريقيا : إشادة بمواقف الثابتة للجزائر في نصرة القضايا العادلة    وزارة الصحة تحيي اليوم العالمي للسكان    زيارات ميدانية عبر الولايات السياحية    فضاء مفتوح للفلكلور العالمي والتنوّع الثقافي    لا حضارة دون نخب حكيمة تجيد البناء الجماعي الجزء الثاني    شرطان لا يصح الإيمان إلا بهما    الجزائر تستضيف الألعاب المدرسية الإفريقية الاولى من 26 يوليو إلى 5 أغسطس 2025    شايبي يلتحق بتدريبات إنتراخت فرانكفورت    وضع حجر أساس مشروع إنجاز وحدة لإنتاج المادة الأولية لصناعة الأدوية المضادة للسرطان بسطيف    الصحراء الغربية: الابتزاز الذي يقوم به المغرب دليل على فشله في تكريس سياسة الأمر الواقع    ال5 جويلية62 بداية لمسيرة بناء الدولة الجزائرية الحرة المنتصرة    العرض الأولي لفيلم "دنيا" بالجزائر العاصمة    المدرب البوسني روسمير سفيكو يلتحق بشباب قسنطينة    لجنة تفتيش من الداخلية بوهران    وفد "الكاف" ينهي تفتيش مرافق البلدان المستضيفة    ملتقى فكري حول مسرحية الممثل الواحد في نوفمبر    فضائل ذهبية للحياء    تلمسان ستصبح قطباً صحّياً جهوياً بامتيازّ    نجاح موسم الحجّ بفضل الأداء الجماعي المتميّز    من اندر الاسماء العربية    هذا نصاب الزكاة بالجزائر    جامع الجزائر : ندوة علميّة تاريخيّة حول دروس عاشوراء وذكرى الاستقلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خوزيه ساراماغو
مرايا عاكسة
نشر في الجمهورية يوم 09 - 04 - 2018

شدني إلى "انقطاعات الموت"، في بداية الأمر، هذا الإهداء الخاص من الأستاذ نصر سامي، مقدم الرواية: "آمل أن يكون هذا العمل الرائع عزاء لصديقي في فقده المزمن للحياة... هذه التفاحة التي التهمتها فينا دودة الموت". كانت عتبة تشبهني كثيرا، رغم أننا لم نكن نتعارف من قبل.. ثم جاء التقديم المبارك، وجدته عارفا، غاية في الإثارة، شيئا من النباهة الصافية التي كانت مكملة للترجمة الراقية التي قام بها صالح علماني، بتفوق كبير وجب التنبيه إليه إكراما له.
وكان في نبتي أن أقدم للقارئ رواية خوزيه دي سوزا ساراماغو ( 1922 2010)، وصاحب جائزة نوبل للآداب (1998)، بيد أني وقعت في حيص بيص، وفهمت لماذا وقف ضد الكاتب كلّ من صندوق النقد الدولي والكنيسة الكاثوليكية والإتحاد الأوربي، وكثير من الساسة الذين رأوا أنه مناوئ لتوجهاتهم، وحاد، ليعيش منفيا، مفضلا الكتابة على الصمت، الإدانة على الانمحاء في المنظورات السياسية التي لم يستسغها طوال حياته، كإنسان وككاتب. لذلك عرجت على نقاط أخر.
لخوزي دي سوزا ساراماغو عدّة مواقف تجلت في تصريحات مثيرة، وعميقة، أو ما يشبه المآثر الخالدة، هكذا ارتأيت ذكر نماذج منها لفهم طريقة تفكيره، أو كعتبة تضيء منحى الرواية، وكتاباته بشكل عام، ولو جزئيا:"أيّ عالم هذا الذي يستطيع إرسال السفن الفضائية إلى المريخ، بينما لا يفعل شيئا لوقف قتل الإنسان؟"، "من الصعب أن يفكر الإنسان ويصفق في وقت واحد"، "الوحيدون المهتمون بتغيير العالم هم المتشائمون، المتفائلون سعداء بما يملكون"، أو ما يسميه الشاعر الروسي يفجيني يافتوشنكو: "التفاؤل المورّد الخدين" الذي عادة ما يتحول إلى نخدّر، تلك عينات تمثيلية عن بعض ما كان يراه.
وأمّا إستراتيجية انقطاعات الموت فشبيهة بخططه السردية السابقة التي عرفت في رواياته، قريبة نوعا ما من كتابات أنطوان تشيكوف ( 1860 1904) ، كما يمكننا، بالعودة إلى المقارنة، أن نلاحظ نوعا من التماس الفلسفي بينها وبين ذئب البوادي، كما يمكن أن نجد مجاورة بينها وبين كتابات الأديب التركي الساخر عزيز نسين ( 1915 1995)، إذ عادة ما أسس ساراماغو على ما يمكن أن يكون ثنائية ضدية مفارقة، غريبة، وممتعة في آن واحد بالنظر إلى عفويتها، وإلى الدمار الكبير الذي يمكن أن تحدثه في النفس بإيقاظها من الموت، هناك حضور لافت في الرواية لعناصر من نوع: المعرفة، الجهل \ الجدّ، الهزل \ الحكمة\ الغباء، وهي العناصر التي تسم طرحه ومنظوره السردي على حدّ سواء.
يقول نصر سامي في التقديم: "لا أتذكر أنني قرأت كتبا مبهرا في عرضه، وعميقا في تناوله لجوهر الإنسان، بقوة هذا الكتاب. نص معرفي فلسفي شعري مصبوب بدراية العارف في قالب روائي يعرض سرديا عالما مهددا بدود الخوف والاستبداد والفساد والعمى في أقصى أشكاله".
هذا صحيح، ويمكننا أن نضيف، عطفا على التقديم، أنه فعل ذلك بأريحية كبيرة، بهدوء لا يتكرر كثيرا، بسرد تفصيلي متفرج على المأساة البشرية برمتها، بعيدا جدا عن الذاتية، عن السرد المتوحش، وبأسلوب ساخر جدا، رغم جدية الرواية في بعدها الدلالي، هي "التي تكاد تكون ملحمة في مديح الموت"، في تمجيد قيمته، أو حديثا فلسفيا ممتعا عن وفاة الموت، وأهم التحولات التي ستطرأ بعد فقدانه، قبل أن يعيد القارئ، بمنطق مقنع، إلى أهمية وجود الموت في حياته لأنه حتمية منتجة المعنى.
نحيل في سياق المعنى إلى "الرواية المسرحية" لميخائيل بولجاكوف التي بنت على ضرورة تواجد الاختلاف والتضاد كعنصرين يدخلان في باب الحتمية الحياتية، أو إلى بعض ما قاله علماء اللسان في هذا الشأن: "المعنى يوجد في الاختلاف، وحيث لا يوجد اختلاف لا يوجد معنى"، كذلك موضوعة الموت في هذا العمل البارع الذي عالج المسألة من زاويتين متضادتين: الهرب من الموت، الحنين إليه كضرورة لا يمكن تفاديها.
وهناك، إضافة إلى هذه الموضوعة التي كانت محورا مركزيا، القالب الذي صبها فيه، لكننا لا نقصد ها هنا ما تعلق بالبناء والسرد ومستوياته والشخصيات والمسائل الفنية والجمالية، بل ما كان ذا علاقة بالجانب السياسي كإطار مضمِّن، حامل لحكاية الموت التي ستحرك السياسيين كلهم بشكل مضحك، ومخز في الوقت ذاته. لقد عمد الكاتب إلى الفضح، إلى رسمهم رسما كاريكاتوريا.
سيجد المتلقي نفسه أمام مسرحية هزلية مكتملة العناصر، وسيستمتع بالجانب النقدي الذي أسس عليه الكاتب في قراءة الموقف السياسي من هذه الموضوعة التي ستحرك كلّ المسؤولين المعنيين بالتنظيم، وبالدفن، وبمحاولة إعادة التوازن إلى البلد. بيد أنّ المؤلف سعى، في جزء كبير من الرواية، إلى الكشف عن هذه الأعماق المتوحشة، عن الأرواح المظلمة، وعن سذاجة الحاكم، على شاكلة ما فعله هرمان هيسه، بنوع من المسخ الساخر، وبأبّهة استثنائية في تحليل حقيقة الشخصيات، بعيدا عن التجليات الممكنة التي تقدمهم بوجه آخر، نظيف وجذاب.
من المهمّ قراءة هذا الأثر الجميل لأنه مدهش، ذكي جدا، نبيه كفاية، وغاية في الثراء لوجود زاد معرفي كبير ساهم في ترقية المؤلف وتقويته، وفي السموّ به إلى درجة تكاد تكون مثالية. انقطاعات الموت ليست رواية فحسب، إنها تحفة أدبية نادرة جدا في تاريخنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.