انخرط وليد في بعض المجموعات والصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، حتّى صار في رصيده زهاء مئة اشتراك. ومضى وقتٌ طويل دون أن يُؤدِّيَ واجب الاطّلاع عليها. ثمّ قرّر ذات مرّة أن يشاركَ، على الأقلِّ ليثبت وجوده، فليس من اللباقة والواجب في عُرف الأنترنت والقواعد المعمول بها في العالم الافتراضي حسب رأيه أن يُسجِّل المرءُ نفسه في مجموعة ثمّ لا يدلو بدلوه! فدَأَبَ على تعويض ما فاته من تقاعس، فاتحا في مجموعة موضوعا تارة، ومناقشا منشورا في صفحة تارة أخرى. أخذ وليد هذه المهمّة على محمل الجدّ، حتّى صارت شغله الشاغل. وبعد مُضيّ شهر وهو على ذلك الحال،جاءه ساعي البريد يحمل رسالة. نهض صاحبنا وهو يقاوم النعاس، وجفناه شبه منطبقان، يعاني أعراض السَّهر أمام شاشة الكمبيوتر والنَّوم المتأخّر...راح يجرّ رجليه نحو الباب في شعور غريب، استلم الرسالة وأغلق الباب ثمّ فضّ ظرفا كُتب على ظهره: من طرف:الحياة العنوان: كوكب الأرض وداخلَ الظرف ورقةٌ مكتوب عليها خطاب مقتضب، كالتلغرام الذي يصل عبر البريد للمتغيّبين عن عملهم: " إشعار إلى وليد من مصلحة إدارة الوقت..عليك أن تعود إلى الحياة..لقد سجّلتَ نفسك فيها بتاريخ كذا...ولم تكتب فيها سطرا منذ يوم كذا وكذا.. ملاحظة: الرجاء قبل فوات الأوان". قرأ وليد هذا الخطاب فزعا. استفاق من نومه ولم يجد شيئا، إلّا ضوء الحاسوب مسلّطا على وجهه، وبعض المنشورات على الفايسبوك تنتظر جوابه بإلحاح...لا ساعي البريد، ولا الرسالة ولا قرع الباب.. فقط هو والحاسوب وغرفةٌ تغزوها الفوضى، وتنتشر بين جنباتها أوراق وملابس مرمية على الأرض.لم يكن هذا حاله دائما، لكن البطالة ضربت بأطنابها على حياته فاستحالت إلى هذه الحال. بين الأوراق المزروعة على البلاط، ظهرَ لوليد استدعاءٌ لحضورِ مسابقة توظيف. لقد طفاأمام عينيه وحدَهُدونَ كلّ الأوراق،كأنّما يناديه.تناول وليد الاستدعاء. حمله مرعوبا، وتفحّصه كأنّما ينظر إليه للمرّة الأولى. كان عقلُه اللّاواعي يومضُ بالأحمر، ويسردُ كلّ التَّجارب السيّئة في طرفة عين. سَرَت في جسده سيالة عصبية،عندها فارق سريرَه وأبعدَ السَّتائر، فانفتحت الغرفة على يوم جميل. فَعَلَ كلَّ هذا وهو يكوّر يده ضاغطا على الاستدعاء. تسرّبت أشعّة الشمس، خارقة حَضرَ التجوّل الذي فرضته الظلال والظلمات على الأنوار منذ شهر. وهي تَكشفُ عن أماكن الخراب الذي طال غرفته ونفسه معا. توجّه لمنضدة بجانب سريره بخُطى وئيدة، وعينين تتسّع حدقاتهما ببطء، ثمّ وَضَع الاستدعاء بقوّة كأنّما ثبّته بمسمار. ثمّ تلقّف حاسوبه بخطفة سريعة كنسر ينقضّ على فريسته، ووضَعَه دون مراعاة في ركن الغرفة. ذَرَع وليد الغرفةَ مرّاتٍ عديدة قبل أن يستقرّ أمام المنضدة مرّة أخرى. جلس على السرير، وقد سكنت أعصابه. أخرج قلم رصاص وورقة بيضاء، وكتب: برنامج المراجعة...