سكن : بلعريبي يستقبل نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 58667 شهيدا و 139974 مصابا    تعاون جزائري زيمبابوي    جثمان علي ذراع يوارى الثرى    العرباوي سيترأس مجلس مساهمات الدولة    بوجمعة يؤكد حرص الجزائر على تحيين تشريعاتها    الكيان الصهيوني يعتدي على سوريا    حقّ الصحراويين ثابت    مرحلة عابرة أم سيناريو نيمار جديد؟    قواعد جديدة لحركة المرور في الجزائر    المنظمة الدولية للهجرة تشيد بجهود الجزائر    وهران : الطبعة الثانية لمعرض الحرمين الدولي للحج و العمرة بدء من 22 يوليو    موجة حر مرتقبة بعدد من الولايات الساحلية بوسط و شرق البلاد يومي الجمعة والسبت    سباحة : تطبيق برنامج الاتحاد الدولي لدعم المواهب الشابة بداية من الموسم الرياضي 2025-2026    اليوم الدولي لنيلسون مانديلا: دعوة الى الاستلهام من رجل "غير مجرى التاريخ"    البطولة الوطنية الصيفية للسباحة: شباب بلوزداد ينصب نفسه"بطلا فوق العادة"    العدوان الصهيوني على غزة: أكثر من 80 بالمائة من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة فقدوا احتياجاتهم الأساسية    تجارة خارجية: السيد رزيق يترأس اجتماعا لمراجعة قائمة المنتجات الفلاحية والغذائية المعنية بتجميد تصديرها    سوناطراك: إطلاق النسخة الجديدة للموقع الإلكتروني للمجمع    مجلس الأمن: أطفال غزة مثلهم مثل الأطفال في كافة أنحاء العالم يستحقون السلام    مزيان و زروقي يشرفان على افتتاح ندوة تكوينية حول الجيل الخامس(5G)    محاور اجتماع للحكومة برئاسة الوزير الأول, نذير العرباوي :    إحباط محاولات إدخال أزيد من 3 قناطير من الكيف المعالج    لا بديل عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية و إحياء المسار السياسي    إحصاء 13 ألف مسجل غالبيتهم من الإناث    مرضى السكري أكثر عرضة لانسداد الشرايين    الصيف موسم للعلاج والتجدد    عنابة تحتضن تظاهرة علمية لمكافحة التهاب الكبد الفيروسي    85 % نسبة أشغال التوسعة بمصنع "فيات" بوهران    رقمنة القطاع السياحي رهان استراتيجي    المخزن منصّة ثانية للدفاع عن المصالح الصهيونية    الجزائر تدين بشدّة العدوان الصهيوني على سوريا    جمعية "كافل اليتيم" في ضيافة المجلس الشعبي الوطني    الداخلية تدعو المواطنين إلى التبليغ الفوري عن الحرائق    إيتوزا تطلق خطا جديدا بين بواسماعيل وبن عكنون    جثمان الفنان مدني نعمون يوارى الثرى بمقبرة قاريدي بالعاصمة    جنوب إفريقيا تشيد بمستوى الجامعات الجزائرية    عروض تكوين تتماشى ومتطلّبات السوق لحاملي البكالوريا الجدد    ذروة قياسية جديدة لاستهلاك الكهرباء في الجزائر    بعنوان "بيوتر تشايكوفسكي موسيقى تتخطى الحدود"..حفل سيمفوني استثنائي بأوبرا الجزائر الخميس القادم    أفشوا السلام بينكم    فتاوى : اشتراط الشريك على شريكه أن يقرضه مالا    كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024:سيدات "الخضر" يستعدن لمواجهة غانا في ربع النهائي    ألعاب القوى/جائزة بريشيا الكبرى (800 م):الجزائري محمد علي غواند يحقق رقم قياسيا شخصيا جديدا    الطبعة السادسة لمعرض الكتاب بوهران تختتم مساء اليوم    بحلول عام 2030..أهمية الوقاية وتعزيز التكفل الطبي للقضاء على التهاب الكبد الفيروسي    30 عائلة بالسويدانية تلتحق بشققها    جثمان الفنان مدني نعمون يوارى الثرى بمقبرة قاريدي بالعاصمة    معسكر: المجاهد سعيد اسطمبولي في ذمة الله    ممثلة المنظمة الدولية للهجرة تشيد بجهود الجزائر للتكفل باللاجئين    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    معرض لأعمال ديني    أيمن بوقرة أول المستقدمين    حديث عن مغادرة عمراني للعارضة الفنية    مطار الجزائر يوظف مضيفات استعلام    عنابة تسحر البولونيين    شرطان لا يصح الإيمان إلا بهما    فضائل ذهبية للحياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شهادة أدبية
نشر في النصر يوم 17 - 10 - 2016


نزيهة زاوي درار تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد !
يوسف وغليسي
هي -طبعا- لم تكن خولة التي خلدتها معلقة طرفة بن العبد الخالدة، لكنها لاحت أمامي -فعلا- كباقي الوشم في ظاهر اليد. لم يدر في خَلَدي يوما أنني سألتقيها حتى أومضتْ حجارةً ملائكية كريمة في هيئة بشرية، لم أصدّق أنها هي حتى تفضّل رئيس المجلس الأعلى للغة العربية (الدكتور صالح بلعيد)، وقد جمعنا في لجنة نصّ عليها دستورنا الجديد باسم «ازدهار العربية»، فقال (مبرّرا تأخرها عن بداية الاجتماع التنصيبي للجنة) : هذه هي نزيهة زاوي، وقد تعطّلت سيارتها في زحمة الصعود إلى المجلس.
انتهلتُ اسمها بعذوبة بالغة، وبدأت أحفر في ذاكرة الاسم، نسيت مقتضيات اللغة الإدارية الخشبية، وفقدتُ انتباهي إلى خطاب السيد الرئيس ! لأنّني كنت غارقا في تفرّس هذا النور الملائكي المباغت؛ رُحت أتأملها (ولم أرها من قبلُ)، مستحضرا أعذب ذكريات طفولتي الأدبية، بنكهة الحب الأول، وبراءة محبّ وفيّ يلتقي حبيبه الأوفى بعد عمر من الضياع العاطفي، وحنينِ جامعيّ متخرّج يطالعه –فجأة- وجهُ معلمه الأول في مدرسة القرية، فتنفجر الذكريات في الأعماق شلالا عاتيا...
كدت أبكي طربا وأنا أستحضر اسمها بمديرةً لمعهدنا الإبداعي الأوّل، حين كانت تشرف على ركن «مسالك الإبداع» بجريدة (أضواء) الأسبوعية، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي؛ كنّا نحبو بحروفنا نحو تلك ال (أضواء)، مفعمين بأحلام لا حدود لها، وحين نتعثر ويستولي علينا الإعياء والإحباط، نأوي إلى «أعراف» نتوهّمها؛ بين أصحاب الجنّة المبشرّين بالنشر، وأصحاب النار المكتوين بلظى الحرمان، ثمّ ننادي أصحاب الجنة وكلّنا طمعٌ في اللّحاق به : «سلامٌ عليكم لم يدخلوها وهو يطمعون» !.
أذكر من الأنداد والأتراب في ذلك الزمان : المرحوم مالك بوذيبة، والمرحوم شريدي عمار، وعاشور بوكلوة، وجمال فوغالي، وحمامة العماري، وغزالة الزهرة، وأحمد عبد الكريم، وعبد الكريم قذيفة، وعلال سنقوقة، ومحمد شايطة، ورضا ديداني، وكمال قرور، وعبد الهاني مسكين، وحسين عبروس، وشارف عامر، ... وغيرهم من رفاق الطفولة الأدبية في مدرسة (مسالك الإبداع) التي تشرف عليها المعلمة نزيهة؛ صاحبة (الحلم والطفولة) المتوّجة بجائزة القصة الكبرى آنذاك.
في ذلك الزمن الأدبي الجميل، كانت الجرائد قليلة، والمنابر الأدبية محدودة، وطوابير الحالمين بالنشر طويلة، وكان الانتظار ممتعا...
لم يكن ممكنا أن يحين دور نشر قصيدتك في أقلّ من حول كامل عادة؛ كانت قصائدنا حوليات بمعنى مختلف قليلا عن حوليات أجدادنا الجاهليين؛ الحول الكَريتُ الذي كانوا يقضونه في التحكيك والتنقيح، كنا نقضيه في الانتظار على قارعة طريق النشر؛ نتلذّذ انتظارَ كتاباتنا منشورة بلهفة عاشق لا يزال يمنّي قلبه بلقاء حبيبته رغم مواعيدها العُرقوبية البعيدة!
كي تنافس على مقعد نصّي في (مسالك الإبداع)، لا بد لك من مواصفات لغوية عالية، وحدّ فنّي أدنى، وكثير من روح الصبر الجميل... وبعدها يحقّ لك أن تتساءل : هل يمكن أن تؤتى حظّ النشر العظيم؟!
من خاب حلمه، قنع بإمكانية تجديد الحلم على وقع الردّ التفاؤلي : «وصلت رسالتك، شكرا، ننتظر منك الأجود»، ومن أوتي ذلك الحظ، راح يحتفل بحلمه/نصه المنشور على طريقته الخاصة؛ فما أجمل اسمك حين ترى حروفه منضودة في ذلك الفضاء الآسر ...
أتذكر الآن قصيدتي/ صرختي الأولى منشورة في(أضواء :27. 08. 1987)؛ هذا الكرونوطوب (الزمكان) صار عيدي الوطني في عوالم الإبداع، لأنّه عيد ميلادي الإبداعي الذي أشرفت السيدة نزيهة زاوي على طقوس الاحتفال به؛ فتحتُ الصفحة الإبداعية (التي كنا نذهب إليها مباشرة، ولا نكاد نقرأ من الجريدة غيرها !)، وحين لمحتُ قصيدتي المكرّمة مذيلة باسمي الكريم، كدتُ أسقط مغشيا عليّ، عدت إلى كشك الجرائد فاقتنيتُ كلّ النسخ المتبقية من ذلك العدد، شعرتُ أنّ منطقة (تمالوس)كلّها، وما جاورها، صارت تعرفني، بدأتُ أفكر –بدقة متناهية- في نوعية الأصدقاء الذين سأهديهم بعض تلك النسخ المحدودة، والذين سأكتفي بإهدائهم صورا طبق الأصل عن القصيدة فقط لا الجريدة كلها؛ ثمن الجريدة كان غاليا بالنسبة إلى درجتي في سلم الفقر (رغم أنّه لا يتجاوز دينارا ونصف الدينار). وتحت وطأة شعور نرجسي حادّ، ارتكبتُ حماقة من أطرف الحماقات، تصورتُ أنّ قصيدتي تلك (وكانت من بحر الرمل الغنائي) لا بدّ أن تلحّن وتؤدّى، وفي لحظة جنونية فكرتُ في أميرة الطرب العربي (وردة وما أدراك من وردة الجزائرية !)، وسارعتُ بإرسالها ضمن رسالة بريدية عادية على عنوانها الذي نقلته عن جريدة فنّية (شارع المرعشلي، الزمالك)، وكانت المفاجأة التي لم أتوقعها : وردة الجزائرية بجلال قدرها تردّ على رسالتي برسالة مثلها، في وقت قياسي! فتحتُ الرسالة وضربات قلبي كضربات طبل إفريقي تتزايد وتتصاعد، وسؤال حادٌّ يسكنني : هل صرتُ فعلا في رمشة شِعرٍ! مثل أحمد حمزة وحسين السيد وعبد السلام أمين ومرسي جميل عزيز؟!...
وكانت خيبة الأمل : مجرّد صورة للسيدة وردة وعلى ظهرها إهداء إلى (الأخ يوسف مع أطيب أمنياتي بالسعادة)، ولا حديث إطلاقا عن القصيدة!
بدأتُ ألوم نفسي وأوبّخها : علّيت السقف أيها (الأخ يوسف)؛ وردة الجزائرية دفعة واحدة؟ كان الأفضل أن تبدأ من زكية محمد مثلا (التي راسلتها فعلا بعد ذلك وردّت على رسالتي). في ذلك الزمن الجميل أيضا، كنّا نتدافع على الارتواء من ذلك النبع العذب، وكان المكان أضيق من أن يتّسع لنا جميعا، لا أحد كان مستعدّا للتضحية بحقه من الركن الثقافي الضيق، أو مستعدا لفعل ما فعلت ابنتا شعيب عليه السلام، في زحمة أمّة من الناس يسقون، حين قالتا :»لا نسقي حتى يُصدر الرّعاء»، ولا أحد يذود نصوصه عن السقي من ماء النشر. وحين رأت السيدة نزيهة ذلك الوضع المأساوي القاهر، اشتكت حالنا إلى إدارة الجريدة، فاستجابت بتخصيص صفحة أخرى، فضلا عن الصفحة الأسبوعية (مسالك الإبداع)، سمّتها (المرفأ الشهري)، لكنها كانت شهرية لا أسبوعية، وكم كانت فرحتي عارمة –ذات مرة- حين خصّصت المرفأ كلّه لدراستي الطويلة عن المرحوم مالك بوذيبة في خريف 1988، وقد وطّأتْ لها بكلمات تشجيعية خالدة عنّي وعن صديقي، وكلانا كان لايزال في المهد الإبداعي صبيا !
اليوم تغيّر الوضع، وتكاثرت الجرائد والمنابر والأسماء، ولم يعد في مقدور كتبَة اليوم أن ينشروا نصوصهم بالتقسيط، بل صاروا ينشرون المجموعة كاملة في العام الأدبي الأول! ومنهم من نشر (أعماله الكاملة) في سنواته الكتابية الأولى! وصار الكاتب المبتدئ مسؤولا على هذا المنبر أو ذاك الموقع؛ يسوس ويوجّه، يُزْجي القِلاص الإبداعية النواجي، ويهُشّ بعصاه النقدية على أغنام المواهب الأدبية!...
فكان لا بدّ أن يغيب أمثال نزيهة زاوي درار كلّ هذا الغياب الموجع، وأمثالها قليلون؛ يمكن أن نذكر ممّن برز في (عصرها) من رواد الصحافة الأدبية :المرحوم بلقاسم بن عبد الله وطيبة الذكر أمّ سهام(في الجمهورية)، عياش يحياوي والصادق بخوش ومحمد دحو (في الشعب)، الأخضر عيكوس والمرحوم مصطفى نطور(في النصر)، الطاهر يحياوي (في المساء)، أحمد منور (في الوحدة)، مشري بن خليفة (في المجاهد الأسبوعي)،...
أخيرا، تحية إكبار وعرفان وتقدير أيتها المبدعة التلمسانية الموصولة بالزمن الزياني السعيد، من تلميذك الذي تخرج في (مسالك الإبداع) منذ ثلاثين حولا كاملا، تحية خاصة لهذه ال(نزيهة)، لأنّها حين لاحت ذكرتْني بباقي الوشم في ديار «برقة ثهمد» من أطلال الزمن الإبداعي الجميل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.