اعتماد المقاربة بالكفاءات بشكل كامل خلال الدخول المقبل    استحداث المقاطعات الإدارية يستهدف التكفّل بانشغالات المواطن    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي في وفاة الإعلامي علي دراع    ما بعد صهيونية الإبادة: مصيدة اليهودي العاقّ    المخزن يفتح أبواب المغرب للصهاينة!    هذه رسالة فان بيرسي لحاج موسى    شرطة البليدة توقف 171 شخصا    عادة الحناء تُلغى من الأعراس الجزائرية    وفد من الخبراء يتفقد المشروع    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    استعراض فرص إطلاق مشاريع استثمارية استراتيجية طويلة المدى    إطلاق الفرع المحلي لمشروع كليم-قوف2    ضرورة تطوير منظومة الحماية الاجتماعية في الجزائر و إفريقيا    5شهداء وعدد من المفقودين تحت الأنقاض    مستوى لا مثيل له    تسجيل 14 تخصصا جديدا ذا كفاءة أو شهادة مزدوجة بتسجيل وطني"    المحاربات يواجهن غانا    مكتتبو عدل 3 يحبسون أنفاسهم    رقم قياسي للاستهلاك الكهرباء بالجزائر    نحن أمام تحديات كبرى وفرص واعدة    فرصة لابراز الجهود الجبارة للجزائر في مجال حماية الطفل    مهن موسمية تنتعش على الطرق الساحلية    معرض لأعمال ديني    الجزائر أسست لمشاريع استراتيجية كبرى تكرس التكامل الإفريقي "    سيدي محمد عمار : حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير لا يقبل المساومة    حديث عن مغادرة عمراني للعارضة الفنية    غياب بلايلي عن الترجي يثير الاستفهام    مترو الجزائر يتمدّد لتخفيف الضغط المروري    الجزائر تعود إلى خريطة الاستثمار العالمي    تحويل سيارات الأجرة بين البلديات إلى محطة سيدي إبراهيم    المخزن يكرّس خدمة دوائر المال والنّفوذ    استعراض الابتكارات الحديثة التي تستخدمها الشرطة الجزائرية    ناصري يؤكد التزام الدولة بحماية حقوق صناع الغد    من سطورة إلى "المارينا".. ليالٍ حالمة في روسيكادا    ساحة التوت.. هنا يلتقي الواقع بالأسطورة    تكوين القضاة للتكفّل بقضايا العقار    مطار الجزائر يوظف مضيفات استعلام    وفاة الفنّان القدير مدني نعمون    عنابة تسحر البولونيين    نزيف في كوادر الفريق والأسماء المستقدمة لا تلقى الإجماع    سباحة/مونديال: مشاركة مليح, صيود وسحنون في موعد سنغافورة    مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تطالب الكيان الصهيوني بإنهاء احتلاله للأراضي الفلسطينية    سيدي بلعباس: اختتام فعاليات الطبعة 15 للمهرجان الثقافي الدولي للرقص الشعبي    سطيف: افتتاح الطبعة الأولى للأيام الوطنية للوان مان شو    كأس أمم إفريقيا للسيدات 2024 (المؤجلة إلى 2025): المنتخب الجزائري يواجه نظيره الغاني في ربع النهائي    الجزائر أختارت أن تكون صوتا للمظلومين لا صدى للظالمين    بلادنا تضم قراب نصف مصانع إنتاج الأدوية بإفريقيا    الجزائر تستضيف الألعاب المدرسية الإفريقية    لاناب حاضرة في سيتاف    الجزائر لا تتلقى أي مساعدات للتنمية من باريس    إصلاح شامل للاستعجالات الطبية قريبا    شرطان لا يصح الإيمان إلا بهما    وضع حجر أساس مشروع إنجاز وحدة لإنتاج المادة الأولية لصناعة الأدوية المضادة للسرطان بسطيف    فضائل ذهبية للحياء    تلمسان ستصبح قطباً صحّياً جهوياً بامتيازّ    نجاح موسم الحجّ بفضل الأداء الجماعي المتميّز    من اندر الاسماء العربية    جامع الجزائر : ندوة علميّة تاريخيّة حول دروس عاشوراء وذكرى الاستقلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقابر جماعية للمثقفين.. مرقد المهدي لزوم. !
ربيعيات
نشر في الجمهورية يوم 29 - 07 - 2019

ليس من عدو للثقافة والفن، شرسٍ أكثر من النسيان. وفي تاريخنا الثقافي تمتد مقابر النسيان الجماعية ، يُدفن فيها مثقفون كبار تحت شاهدة «قبر مجهول».
لكن الموجع أن المثقفين، هم أنفسهم حفارو قبور المثقفين. فكرة ترسخت لدي وأنا أحاول منذ سنوات عديدة أن أنفض غبار النسيان على العديد منهم.
ها أنا ذي من جديد أفكر في ذلك، وأنا أسترجع زمنا ثقافيا كان متنورا. يميزه الكثير من الاجتهاد الفني والفكري. إنه زمن ملحق «الشعب الثقافي»، الفضاء الذي كانت تلتقي فيه أقلام، منها من أصبحت كبيرة لاحقا، وأخرى طواها النسيان.
لا بد أن الكثير من المثقفين والأدباء الجزائريين، يتذكرون مثلي هذا الملحق بما يحويه من مادة ثقافية، كنا طلبة، وكانت نافذة نطل منها على الأسماء الجديدة والمثيرة للأسئلة المتنورة خاصة باللغة العربية، تماما كما كنا نقرأ أسماء وازنة باللغة الفرنسية في جريدة «Algérie-Actualité - الجزائر الأحداث»، التي كانت هي أيضا تشكل الصوت الثقافي المركزي.
يمكن القول بأن في هذه الفترة من تاريخ الجزائر الثقافي، تشكلت مدرستان أساسيتان: مدرسة «الشعب الثقافي» ومدرسة «آلجيري أكتياليتي». كان المنبران يعدان بحق صوت الثقافة الجزائرية الجديدة في تنوعها، وفي تطلعاتها الجديدة.
اليوم وأنا أستعيد هذين المنبرين الجادين اللذين قدما أسماء مهمة للإبداع الأدبي في الرواية وفي الشعر وفي النقد الثقافي، تذكرت اسما لامعا، كان حاضرا وبشكل متميز، ليس على مستوى الكتابة فقط، بل أيضا على مستوى اختيار موضوعاتها، إنه الناقد التشكيلي المهدي لزوم.
أعرف أن هذا الاسم لا يحدث ارتدادات في ذاكرة الكثيرين، لا يدق أي ناقوس، لا يثير أي سؤال، على الرغم من أن « المهدي لزوم» كان أهم ناقد تشكيلي باللغة العربية في السبعينات .
إنْ كانت الساحة الثقافية النقدية في الفن التشكيلي قد عرفت بعض الأسماء التي كانت تكتب باللغة الفرنسية، مثل رشيد بوجدرة، وزواوي بن حمادي، وعلي حاج الطاهر، وعبد الرحمن بن حميدة، وجعفر إينال، ومحمد خدة (كتاباته في النقد التشكيلي)،فإنّ حقل النقد التشكيلي باللغة العربية كان غائبا تماما، ومغيبا في الصحافة الوطنية إلى أن جاء المهدي لزوم، الذي استطاع أن ينحت له موقعا في «الشعب الثقافي». وأعتقد أن من خلال كتابات المهدي لزوم ، تعرف القارئ على أسماء كثيرة من الفن التشكيلي الجزائري. فمقالاته التحليلية والبيداغوجية في الوقت نفسه، في تناولها لكثير من التشكيليين من الجيل الأول والثاني، تمثل أولى المقاربات للفن التشكيلي باللغة العربية. فمن خلال مقالاته تعرف القارئ على عمر راسم، ومحمد راسم، وازواوي معمري، وباية محيي الدين، وعبد القادر فراح، ومحمد خدة، وإسياخم، ومسلي، وبن عنتر، وغيرهم من الأسماء التي كنا نكتشفها من خلال تحليلاته.
«المهدي لزوم» بفضائه النقدي التشكيلي المتواصل في ملحق الشعب الأسبوعي، كان يحاول أن يجمع أطراف الثقافة الجزائرية، إذ لا أدب بدون فن تشكيلي، ولا سينما أو مسرح بدون فن تشكيلي، والأديب، شاعرا أو روائيا، الذي لا يعرف الفن التشكيلي، ولا يتمتع بعوالمه، يكون قد خسر كثيرا من اتساع الرؤية في كتاباته.
كان محمد ديب على علاقة وطيدة بالفن التشكيلي، وجميع من يقرأ روايته «من الذي يذكر البحر» يدرك العلاقة الوطيدة بين عالم هذه الرواية ولوحة «غرنيكا» لبيكاسو، وهو ما يشير إليه صراحة محمد ديب في الخاتمة التي كتبها للرواية. تشبه علاقة كاتب ياسين بمحمد اسياخم علاقة التوأم، بحيث لا يمكن تصور عمل أحدهما بعيدا عن عالم الآخر. أما رشيد بوجدرة فقد كان قريبا من محمد خدة، وهو ما نكتشفه في سرد هذا وفي ألوان وهواجس ذاك من تقاطع.
شكل قلم المهدي لزوم في تحليلاته للفن التشكيلي، خاصة استكمالا لما كان يكتبه مرزاق بقطاش، ومحمد علي الهواري، وأبو العيد دودو، ومحمد مصايف، وعمار بلحسن، وأحلام مستغانمي، وأحمد حمدي.. ومن خلال ما كان يقدمه من نصوص تحليلية ، جعل القارئ باللغة العربية يكتشف الثراء الذي تقوم عليه الثقافة الجزائرية في باب التشكيل. ومع ذلك ..لا أحد يذكر المهدي لزوم . لا صورة له لا تعريف له على نعم.. المثقفون هم من يصنعون مقابر النسيان الجماعية لبعضهم البعض. وبصمتهم وتناسيهم، ولعل ذاك ما يجعل الثقافة تعيش حالة من العطب التاريخي، و حالة من فوضى التراكم. اختلاط الغث بالسمين. الدقيق بالنخالة.
اليوم.. وبعد عشر سنوات تقريبا على رحيل الناقد التشكيلي المهدي لزوم في صمت. في تجاهل. حيث لا أحد علم برحيله، وكأنه لم يشكل يوما ما مساحة من حياتنا الثقافية، ومن انشغالنا النقدي في هذا البلد الجاحد لمثقفيه.
رحل المهدي لزوم، فهل فكر أحد في جمع مقالاته التي نشرها في الشعب الثقافي وفي منابر أخرى، وهو الذي كان قلما متميزا في ثقافته يبهر في أسلوبه ولغته.
كثير من الكتاب رافقوه على صفحات الشعب، والشعب الثقافي، ولكن هل يوجد منهم من فكر في تنظيم حدث، يعيد هذا الاسم بتجربته المتميزة، إلى الساحة الثقافية وإلى النقد التشكيلي بالأساس. لا أحد من أساتذة مدارس الفنون التشكيلية اقترح عملا أكاديميا على الباحثين الجدد، يتصل بما قدمه هذا الكاتب والناقد,
لو سألت عن مصير المهدي لزوم أي مثقف. كاتب. صحفي. ممن جايلوه، وصادقوه، وكتبوا معه، لو سالتهم عن مصيره. عن رحيله. عن مكتبته. عن مخطوطاته. فهل ستجد جوابا لدى واحد منهم؟.. وتلك هي مصيبة المثقفين وتلك هي مصيبة تاريخ الثقافة في بلادنا.
كم هو محزن ظلم ذوي القربى، وكم هو أشد مضاضة. كم مؤلم أن يحفر المثقفون قبور النسيان لمثقفين آخرين. قبور نسيان جماعية. والمهدي لزوم واحد من ضحايا هذه المقبرة.
أقف عند قبر المرحوم المهدي لزوم، أزيح شاهدة « قبر مجهول» وأكتب :
«هنا يرقد الناقد المتفرد للفن التشكيلي المهدي لزوم «.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.