كوكا أحمد ، صاحب 91 ربيعا هو ذلك البطل الذي ناضل في صفوف حزب الشعب الجزائري و حركة انتصار الحريات الديمقراطية و سنه لا يتجاوز 17 سنة ، مع الوقت تخصص في توزيع المنشورات و الكتابات الحائطية و الدعاية كان له شرف الاحتكاك بمناضلين من الرعيل الأول الذين ساهموا في تهييج نار الثورة التحريرية في الغرب الجزائري على غرار احمد زبانة و الحاج بن علا و بن حاجي و منقور و مسؤولي مستغانم على شاكلة مولاي شريف و ولد عيسى ، حسين حمادو وغيرهم ، كبقية المناضلين الناشطين سقط الحاج كوكا في قبضة الاستعمار الفرنسي وعرف معنى التعذيب وطرق التنكيل التي تقلتع إرادة النضال من أعماق نفوس المناضلين ، بعد سنتين من الاعتقال قضاها في سجن مستغانم عاد الحاج كوكا مجددا إلى صف الثورة و ساهم عن طريق الدعاية و توزيع المنشورات إلى غاية استرجاع الجزائر سيادتها سنة 1962 ، أمنيته الوحيدة أن يرى العلم الجزائري يرفرف فوق سماء الجزائر الحرة المستقلة . المجاهد الحاج كوكا أحمد استقبل جريدة «الجمهورية « في بيته. - بداية نشكرك على استقبالنا في بيتك فمن هو الحاج كوكا أحمد ؟ ^ الحاج كوكا أحمد من مواليد 3 فبراير 1930 بمستغانم (91 سنة) ، مناضل سياسي في حزب الشعب الجزائري و حركة انتصار الحريات الديمقراطية منذ سنة 1947 ، مشواره النضالي صقل شخصيته و قواها بفضل احتكاكه بمناضلين كبار في مستغانم و المناضلين المنفيين إلى مستغانم . عُذب و زج في السجن لمدة سنتين ، بعد إطلاق سراحه عاد إلى أحضان الثورة إلى غاية استرجاع الجزائر لسيادتها . - وماذا عن حياتك المدنية ؟ ^ بخصوص حياتي المدنية ، و أنا في عقدي الثاني (16 سنة) قدمت طلب عمل في مؤسسة الكهرباء والغاز وهي المؤسسة التي كان يعمل فيها والدي رحمه الله ، بعد يومين أوقفني المسؤول وهو من أصول ألمانية عن العمل وأدمج ابنه ، لما حاولت معرفة السبب قال لي أنت «أنديجان « ، بحثت عن معنى «أنديجان» في القاموس فوجدت أنه صاحب الأرض . أما ما تعلق بتعليمي لم ألتحق يوما واحدا بالمدرسة ، رغم هذا تعلمت الحروف العربية واللاتينية في الشارع ، أما في السجن فحسنت تعليمي بنسبة كبيرة بفضل المناضلين الذين كانوا يشرفون على تدريسنا اللغة العربية ، النحو وخاصة كتابة الآيات والسور القرآنية وكذا الحساب واللغة الفرنسية . - ما الذي فعلته بعدما طردت من العمل ؟ ^ بعد هذا اشتغلت في مقهى ملك لجزائري ، هذا المقهى كان بمثابة مقر التقاء مناضلي الحركة الوطنية أمثال حسين حمادو وبن عينانا الذين فتحوا لي أبواب الانخراط في صفوف الحركة الوطنية في سنة 1947 ، فيما بعد كان لي اتصال مع السي محمد بلحول وهو أحد مسؤولي الحركة بمستغانم ، أدمجت ضمن خلية الآخ هلال محمد رفقة الآخ حسين حمادي ، كلفنا بكتابة الشعارات السياسية على الجدران «الجزائر حرة» ، «الجزائر مسلمة» ، توزيع المنشورات والدعاية ، فيما بعد و رغم سني المتواضع تم ضمي إلى «لجنة دعم ضحايا العنف ، حيث كلفت باستقبال المنفيين ، الفارين من عدالة الاستعمار و مسؤولي الحركة الوطنية و المكلفين بمهام سياسية ، كما كلفت ببعث طرود ملابس للمسجونين بوهران و مستغانم بأسماء عائلاتهم حتى لا يتم كشف أمرنا . - هذه المسؤولية سمحت لك بالاقتراب من شخصيات هامة في الحركة الوطنية ؟ ^ طبعا وفي مقدمتهم الشهيد احمد زبانة الذي نفي إلى مستغانم بعد قضائه عقوبة سجنه بوهران والأصنام (شلف حاليا) ، التقيت به سنة 1953 في السويقة بحي تيجديت ، كما التقيت بمنفيين آخرين من بينهم الحاج بن علا و بن حاجي و منقور . كانت نقطة إسقاطهم عند الإخوة العربي بن يعقوب وسيكا مصطفى ، عند وصول المنفيين إلى مستغانم كنت أنقلهم إلى ساحة الشارة الآمنة والبعيدة عن أعين الناس أو أنقلهم مباشرة إلى منازل المناضلين حسب التوصيات التي كانت تقدم لي ، كانوا مسؤولي الحركة الوطنية والمناضلين بمستغانم أمثال الإخوة بقرورا ، ولد قدور ولد عيسى ، مولاي الشريف وغيرهم يتضامنون فيما بينهم من أجل تقديم خدمات الإيواء والإطعام للمنفيين ، بعد فترة كان لزوما على هؤلاء البحث عن عمل لتلبية حاجياتهم الخاصة و دفع اشتراكات الحزب من جهة أخرى ، في نهاية سنة 1953 كان بمستغانم سبعة منفيين . - لنعود إلى 01 نوفمبر 1954 كيف عشت الحدث ؟ ^ الشعار الذي كان يراود الكثير من المواطنين قبيل اندلاع الثورة هو «أن الجزائري لا يمكنه صنع إبرة فكيف بإخراجه لفرنسا العظمى» ، لكن بفضل الرجال والإرادة خرجت فرنسا من الجزائر وهذا بالرغم من أن الحزب عاش سنة 1953 حالة من الفوضى ، تبعثرت على إثرها قواه و انقطع الاتصال فعاد المنفيون إلى مناطقهم ومنهم من التحق بالغابات والجبال ، في هذا التوقيت أي نهاية شهر أكتوبر 1954 طلب مني الآخ حسين حمادو المسؤول عن الخلية التي كنت انتمي إليها إخراج كل الوثائق الموجودة في مقر الحزب بحي تيجديت وحرقها ، نفذت الأمر دون علمي بأن الثورة على الأبواب ، يوم 2 نوفمبر 1954 اقتحم البوليس المقر بالقوة فلم يجد أي شيء ، بعد اندلاع الثورة زادت الهوة داخل الحركة و لم يعد النضال بمستغانم إلا في سنة 1955 ، حيث بدأ المناضلون يلتفون حول بعضهم لكن هذه المرة تحت راية جيش و جبهة التحرير الوطني ، حينها عدت إلى نشاطي الأول أي توزيع المنشورات و الكتابات الحائطية والدعاية إلى غاية إلقاء القبض عليه في 3 أكتوبر 1956 . - أسرد لنا كيف تم القبض عليك وحياتك في السجن ؟ ^ وأنا عائد إلى البيت العائلي في حي تيجديت رقم 28 وفي حدود الساعة منتصف النهار وجدت نفسي مطوق من كل الجهات من البوليس ، فسلمت نفسي وعلمت أن أحد المناضلين ذكر اسمي تحت التعذيب ، اتهمت بتشكيل خلية إرهابية و المساس بالأمن الخارجي للدولة الفرنسية ، تعرضت إلى التعذيب في مركز البوليس من 3 إلى 17 أكتوبر 1956 ، بعدها نقلوني إلى السجن المدني لمدينة مستغانم أين قضيت سنتين قبل أن أُحال أمام العدالة التي أفرجت عني سنة 1958 رفقة عدد من المناضلين من بينهم الشهيد بن عياد بن ذهيبة . أما عن الحياة داخل السجن دعني أقول لك بأن الثورة ضغطت على فرنسا التي سمحت للجنة الدولية للصليب الأحمر ملاقاة المسجونين السياسيين ، كان لي شرف لقاء هذه اللجنة ، لكن كلامي لم يعجب قاضي التحقيق الذي طلب فيما بعد من مدير سجن مستغانم تأديبي ، حيث تم ضربي بوحشية و كسر الحراس أحد أضلعي فأغمي علي و لما عدت إلى وعي وجدت نفسي منزوع الثياب ومرمي في زنزانة . كل سجناء مستغانم كانوا في نظر القضاء الإستعماري الفرنسي مجرمين يحكمهم القانون العام ، كانوا موزعين عبر أربعة قاعات أصغرها تجمع 50 سجينا تتربع مساحتها على 5 أمتار طول في 3 أمتار عرض ، تجمع أكبرها 100 سجين في مساحة تقدر ب 7 أمتار طول في 3 أمتار عرض ، كان السجناء في حالة يرثى لها سواء من حيث النظافة ، الرعية الصحية أو الحركة ، كنا 100 سجين في قاعة بها مطهرة واحدة ، في حالة المرض كانت صيدلية السجن تمد المرضى إلا بأقراص الأسبرين ، منع علينا إدخال القفة إلا في الأعياد ، لكن بفضل النظام تمكنا من تجاوز هذه المرحلة ، حيث وضع كل من محمد بن زحاف ، العربي بن يعقوب وبن عياد بن ذهيبة طريقة نظمت الحياة داخل القاعة ، فمن بين ما تم إقراره عدم الحديث مع الحراس ، عدم البصق و رمي الأوساخ في الأرض ، عدم تعارك السجناء فيما بينهم وإذا امتنع أي كان على تطبيق هذه المبادئ تفرض عليه الأعمال الشاقة وإن تمادى نهجره لمدة يومين أو ثلاثة أيام يمكن أن يمتد الهجر إلى شهر وإذا رفض الامتثال نبعده كليا من القاعة . - ما الذي فعلته بعد خروجك من السجن ؟ ^ بعد خروجي من السجن واصلت النضال طبعا كمناضل دائم في القاعدة ، حيث واصلت توزيع المنشورات وإطلاق الدعاية ، كما كنت أوقع أسبوعيا في مقر الشرطة ، بما أنني كنت أعمل كنت أقدم اشتراكاتي للجبهة شهريا والمقدرة بمبلغ 2 ألفين فرنك فرنسي ، قبيل الاستقلال ارتفع الاشتراك إلى 5 آلاف فرنك فرنسي ، للتذكير ما كان يرعب المناضلين هو طردهم النضال لذا كان الانضباط قائم والعقيدة صحيحة وثابتة الشيء الذي ساهم بقدر كبير في إنجاح الثورة التحريرية . - في عجالة حدثنا عن العمليات الفدائية الأولى التي عاشتها بمدينة مستغانم ؟ ^ أول عملية فدائية نفذها الشهيد قابورة عبد الله سنة 1956 ، حيث رمى قنبلة داخل مقهى بالقرب من السوق المغطاة بوسط المدينة سجلت ضحايا ، لكن سرعان ما تم إلقاء القبض عليه وعلى 27 مناضلا ، كان يجاورني في السجن ، في إحدى الليالي أخرج من السجن واغتيل دون محاكمة ، ما يؤسفني أن اسمه غير معترف به إلى اليوم ، لعلمك ليس هو الوحيد في هذه الحالة ، بعد هذه العمليات تكاثفت الضربات واختصرت في تنفيذ حق الإعدام في الحركى والخونة منهم ضابط البوليس ميسوم جيلالي الذي اهتزت مستغانم لواقعتها نظرا لما فعله في المناضلين وكذا عملية الشرطي دواجي .أضف عملية أخرى حدثت بوسط المدينة داخل إحدى المقاهي إلا أن القنبلة لم تنفجر لكنها أحدثت هلعا كبيرا بين الأوربيين وهناك عمليات كثيرة حدثت . - أعتقد أنك تتذكر الكيفية التي استشهاد بها بن عياد بن ذهيبة ؟ ^ وكيف لا ، الشهيد بن عياد بن ذهيبة رحمه الله كان يقطن بالقرب من منزلنا وكنت أعرفه تمام المعرفة ، بعد خروجه من السجن في سنة 1958 توقف عن التوقيع بمركز البوليس والتحق بالجبهة بعدما نجح في تكوين خلية ، لما تعرض إلى وشاية كان داخل منزله العائلي رفقة مصطفى عياشي ، غوبريني وبن عائشة طلب منهم الخروج فخرج غوبريني وعياشي فيما بقي معه بن عائشة وتم الاشتباك مع الجيش الفرنسي الذين فجروا البيت و قتلوا الشهيدين وعرضوهم على الرصيف أمام مدرسة مهدي بن خدة حاليا . - ما هي الأشياء السيئة و الجميلة التي ما زلت تتذكرها من أيام الثورة التحريرية ؟ ^ من الأشياء السيئة لا أزال أتذكر العذاب الذي تعرضت له ، لمجرد ذكره أرتجف ، حيث مورست ضدي كل أنواع التعذيب كالضرب والتعنيف المرفق بأسئلة تتكرر دوما كمن كان معك ؟ ماذا كنت تحمل ؟ ماذا فعلت ؟ دوري كان توزيع المنشورات و مساعدة المنفيين لأماكن آمنة بمعنى كنت ما يسمى ب«الخيط» ، لا أخفي عليك في فترة ما ضعف إيماني بالعمل الثوري نظرا للتعذيب والإرهاب البوليسي المسلط علي وعلى المناضلين ، أما الذكريات الجميلة فكنت أحلم أن أرى علم الجزائر يرفرف فوق كل بيت عبر التراب الجزائري ، الخلاصة أنني وصلت إلى النتيجة التي كنت أحلم بها وهو أن تكون لي هوية ، بلد ومواطنة لو بقي الاستعمار أعتقد كان يصعب علي بلوغ هذه الأهداف .