الحاج حمو غزالي من مواليد 1935 بحي تيجديت العتيق بمدينة مستغانم ، انخرط باكرا في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية وبرع في النشاطات التربوية التي تحولت فيما بعد إلى نشاطات سياسية وعسكرية خلال الثورة التحريرية المباركة ، ولم يتوقف عن النضال إلى غاية استرجاع الجزائر سيادتها في 1962 ، و بعد الاستقلال واصل الحاج حمو غزالي العطاء إلى يومنا هذا رغم بلوغه سن ال83 ، حيث نجده حاضرا في كل النشاطات الكشفية لتحقيق هدف واحد ، وهو غرس الرسالة الوطنية النوفمبرية في نفوس الشباب . @ كيف التحقت الكشافة الإسلامية الجزائريةبمستغانم ؟ انخرطت في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية سنة 1945 ، فإعجابي بقادة الكشافة الذين كانوا ينظمون خرجات إلى الغابات المجاورة لمدينة مستغانم وكذا تدريب الأشبال على الأناشيد الوطنية، دفعني للالتحاق بفوج الفلاح وأشبال الكشافة بمستغانم . بعد ذلك ، انتقلت من فوج الأشبال مع أصدقائي الحاج مكي بن سعيد والشريف العياشي رحمهما الله إلى فوج « الجوالة « ، ولم نكون بعيدين عن رتبة فوج « الرياس «، وهنا دخلنا مرحلة التدريب السياسي والتدريب الوطني الحقيقي ، إذ كان قادتنا منخرطين في صفوف حزب الشعب الجزائري، وكانوا يحضروننا إلى ما هو آت دون أن نشعر بذلك ، فأنا أتذكر المؤتمر الذي انعقد بمدينة تلمسان سنة 1944 ، والذي جمع مناضلي الحركة الوطنية بمناضلي جمعية المسلمين الجزائريين ، حيث عاد « الرياس» إلى مستغانم وهم يحملون النشيد الوطني «فداء الجزائر روحي ومالي في سبيل الحرية» ، كنا نعتقد ونحن شباب أنه هو النشيد الرسمي للجزائر بعد الاستقلال ، ثم تم إصدار نشيد ثاني وهو «من جبالنا» وقد أنشدناه في الفاتح من ماي 1945 خلال الفترة المسائية بعد العرض الذي نظمته السلطات الفرنسية في الفترة الصباحية ، حيث كان عددنا حوالي 200 كشفي ، خرجنا بملابسنا الكشفية من مقرنا بحي « تيجديت « ، واتجهنا نحو وسط المدينة حاملين الراية الكشفية ، بعد طوافنا بوسط المدينة وعند عودتنا إلى مقرنا وفي المكان المعروف باسم بالجسور الثلاثة أخرج قادتنا العلم الجزائري وأنشدنا نشيد من جبالنا إلى غاية وصولنا إلى المقر. @ وكيف كان رد فعل السلطات الفرنسية ؟ بعد نصف ساعة من الواقعة ، دخل علينا البوليس الفرنسي وطلب من قادتنا إخراج العلم ، لكنهم لم يجدوا غير علم الكشافة ، فعادوا خائبين من حيث أتوا ، لكن بعد أيام قليلة ألقوا القبض على أغلبية قادتنا ، أي على حوالي 30 قائدا وتم الزج بهم في السجون ، وهذا هو السبب الرئيسي الذي حرم مستغانم من المشاركة في أحداث 8 ماي 1945 . @ ما الذي حدث بعد ذلك ؟ بعد 8 ماي 1945 جاءت أحداث 1947 التي عرفتها مدينة تلمسان بعدما تبين أن الإستعمار الفرنسي لا يريد الوفاء بالعهود التي قطعها على نفسه بخصوص تقرير مصير الشعب الجزائري ، وهنا بدأ التحضير الجاد للثورة ، حيث ظهرت المنظمة السرية التي شكلها قادة الحركة الوطنية وكلهم ينتمون إلى الكشافة الإسلامية الجزائرية على غرار أحمد بن بلة وآيت أحمد ... أما بمستغانم أذكر كل من حميدة مولاي شريف ، الإخوة مزاجة ، لعرج بلمالطي ، عبدالله بداني وغيرهم ، حيث صدر في هذه الفترة نشيد «كلنا للقطر فداء شبابنا لا يخشى القتال، إما أن نموت شهداء أو نعيش في الإستقلال» ، كما تلاحظ كان هذا النشيد يحمل إشارات الشهادة في سبيل الوطن. أما عن تنظيم الثورة فقد تكفل رياس من الكشافة بجمع المال وآخرون بجمع الأسلحة ومجموعة ثالثة مختصة في جمع المواد الغذائية ، تزامنا مع هذه الفترة تم فتح مواقع لإستقبال الجنود وتدريبهم في الجبال والإستنجاد في البداية بالجزائريين الذين جندوا في حرب الهند الصينية ، كل القادة الكشفيين الذين أطلق سراحهم شاركوا في هذه العمليات والتي كانت تجري في مقر الكشافة بحي تيجديت ، أنا مثلا كلفت بالتدريب العسكري دون استعمال الأسلحة ، بعدها دخلت النشاط الفدائي . @ وبعد اندلاع الثورة التحريرية ؟ عندما اندلعت الثورة التحريرية، بدأ المجاهدون يتدربون على كيفية التعامل مع الأسلحة، لكن بطرق ارتجالية ، حيث كانت الأمور مبهمة وغير واضحة من 1954 إلى غاية « انعقاد مؤتمر الصومام « ، رغم هذا تكونت أول خلية للثورة بحي « تيجديت « يتزعمها قادة كشفيون ، حيث كان المركز بمنزل مولاي الشريف، وفي سنة 1957 دخلت العمل الفدائي بفضل أحد أقاربي الذي كلّفني بتخزين الأسلحة المستعملة في العمليات الفدائية ، وهذا إلى غاية 1959 ، حيث قمت بتدريب تلاميذ الكشافة ، وقد استشهد منهم 18 شابا بعد التحاقهم بجيش التحرير ، وأذكر من بينهم كل من بن زازة عبد القادر، بوعزة ، جلول ، بلحمري ...و الذين ألقي عليهم القبض هم بناني ، منصور دهليس ، فمنهم من أدخل إلى معتقل « سيدي علي « الرهيب ، وبما أنه لم يتم القبض عليّ تحولت إلى أداء مهام أخرى تمثلت في جمع المال وإجراء الحسابات رفقة المجاهدة خطاب خروفة، التي خلفت زوجها الشهيد، وقد كانت سببا في التحاق عدد كبير من الرجال بالثورة ولمّا ألقي عليها القبض ، أنجبت بنتها داخل السجن . @ حدثنا أكثر عن مسؤولية جمع الأموال التي أوكلت إليك ؟ بقيت أجمع المال وأوزعها على عائلات الشهداء والمجاهدين ، حيث كنا نمنحهم قيمة 7 آلاف فرنك فرنسي ، وقد استمر هذا العمل بمساعدة المجاهدة تكوك فاطمة رحمها الله من 1959 إلى غاية سنة 1962 بعدها سلمت كل الوثائق وما بقي من مال إلى المجاهدين . @ ما الذي حدث في ولاية مستغانم بعد اعتراف ديغول بتقرير مصير الجزائر ؟ بعد اعتراف « ديغول « بتقرير مصير الجزائر طبعا ، التهبت الأوضاع في الجزائر وانتقلت إلى فرنسا وذاع صيتها في الأممالمتحدة ، عندها تأكد الفرنسيون والأقدام السود أن ديغول تلاعب بهم ، فراحوا يقتلون كل من هو عربي ومسلم بصفة عشوائية، كما تم إخلاء حي « تيجديت « من البوليس والإدارة الإستعمارية وبقي العرب وحدهم في هذا الحي ، ففتحنا داخل مقرنا عيادة طبية ، ثم طلبنا من المسؤولين العسكريين فتح أحد المساجد الذي كان مغلقا ، كي نوسع العيادة ، أذكر حينها أن سكان حي « تيجديت « و « العرصا « لما بلغهم النبأ نزلوا كلهم إلى المستشفى وأخرجوا المرضى ونقلوهم إلى المسجد ، حيث قمنا بتقديم خدمات صحية لهم ، و أنا كنت الممرض الوحيد ، لكن بعد ذلك التحق بنا الدكتور سعدان ، الحمد لله كانت لنا الأدوية والمسكنات لمواجهة الموقف ، أما الشباب فقد نقلوا إلى المسجد الأفرشة والأغطية وكل اللوازم المطلوبة في هذه الحالة. @ و أنتم على مشارف الاستقلال، ما هي أهم الخطوات التي قمتم بها ؟ أهم خطوة عندما قام بعض المناضلين في جبهة التحرير الوطني باقتحام مقر الشرطة بوسط المدينة، وطلبوا من البوليس الفرنسي منحهم كل الأسلحة ، وقد امتثل هذا الأخير الهم طبعا، ، حيث وجدوا ألبسة بنية اللون وبعض الأسلحة وزعوها على بعضهم ، وهكذا بدأت أول نواة للشرطة بمستغانم ، وهي التي نظمت احتفالات الاستقلال . @ ما هي الرسالة التي توجهها اليوم للشباب ؟ للأسف شباب اليوم لا يهتمون كثيرا بتاريخ بلادهم، بدليل أنه تم استدعائي مرة في إحدى المناسبات الوطنية من أجل تقديم محاضرة حول الأطباء إبان الثورة التحريرية، لاحظت أن الطلبة بدأوا يغادرون القاعة الواحد تلو الآخر ، فإلى من نسلم المشعل في رأيك ؟ ، على المسؤولين الانتباه إلى هذه النقطة والاهتمام بغرس الرسالة النوفمبرية في نفوس شبابنا .